الحضانة :
الحضانة هي الولاية علىٰ الطفل لفائدة تربيته ، وما يتعلق بها من مصلحته (١) ، ومرحلة الحضانة هي أهمّ المراحل في نموّ الطفل البدني واللغوي والعقلي والأخلاقي ، وهي مرحلة تشكيل البناء النفسي الذي تقوم عليه أعمدة الصحة النفسية والخلقية ، وتتطلب هذه المرحلة من الوالدين ابداء عنايةٍ خاصةٍ في رعاية الطفل وحمايته ، وتوفير ما يحتاجه من مقومات النموّ البدنية والروحية ، ليكون عنصراً فعالاً في المجتمع .
والاُمّ أحقُّ بحضانة الولد مدّة الرضاع ، فلا يجوز للاب أن يأخذه في هذه المدة منها ، فإذا انقضت مدة الرضاع ، فالأب أحق بالذكر ، والاُمّ أحق بالاُنثىٰ حتىٰ تبلغ سبع سنين من عمرها ، ثم يكون الأب أحقّ بها ، وإن فارق الاُمّ بفسخ أو طلاق قبل أن تبلغ سبع سنين لم يسقط حقّ حضانتها ما لم تتزوج بالغير ، فلو تزوجت سقط حقّها ، وكانت الحضانة للأب (٢) .
قال الإمام الصادق عليهالسلام : « المرأة أحق بالولد ما لم تتزوج » (٣) .
وعنه عليهالسلام قال : « ما دام الولد في الرضاع فهو بين الأبوين بالسوية ، فإذا فطم فالأب أحقُّ به من الاُمّ ، فإذا مات الأب فالاُمّ أحقُّ به من العصبة … » (٤) .
وفي حال فقدان الأبوين تكون الحضانة لأب الأب مقدماً علىٰ غيره
_______________
١) الحدائق الناضرة ٢٥ : ٨٣ .
٢) مهذب الاحكام ٢٥ : ٢٧٨ .
٣) وسائل الشيعة ٢١ : ٤٧١ .
٤) الكافي ٦ : ٤٥ .
من الاخوة والأجداد (١) .
وإن فقد أب الأب تكون الحضانة لأقارب الطفل علىٰ ترتيب مراتب الارث الأقرب منهم يمنع الأبعد (٢) .
ومن شروط حق الحضانة للاُمّ (٣) :
١ ـ أن تكون مسلمة .
٢ ـ أن تكون عاقلة .
٣ ـ أن تكون سالمة من الأمراض المعدية .
٤ ـ أن تكون فارغة من حقوق الزوج، فلو تزوّجت سقط حقها من الحضانة .
٥ ـ أن تكون أمينة .
٦ ـ وأضاف بعض الفقهاء شرط عدم فسق الاُمّ (٤) .
ولا يجوز للاُم الحاضنة أن تسافر بالولد إلىٰ بلد بغير رضا أبيه ، ولا يجوز للأب أن يسافر به ما دام في حضانة أُمّه (٥) .
_______________
١) الحدائق الناضرة ٢٥ : ٩٦ .
٢) مهذب الاحكام ٢٥ : ٢٨١ .
٣) الحدائق الناضرة ٢٥ : ٩٠ ـ ٩١ ، ٩٣ . والصراط القويم : ٢١٤ .
٤) الوسيلة إلىٰ نيل الفضيلة : ٢٨٨ .
٥) مهذب الاحكام ٢٥ : ٢٨٣ .
الفصل الثالث الحقوق الاُسرية
وضع المنهج الإسلامي حقوقاً وواجبات علىٰ جميع أفراد الاُسرة ، وأمر بمراعاتها من أجل إشاعة الاستقرار والطمأنينة في أجواء الاُسرة ، والتقيّد بها يسهم في تعميق الأواصر وتمتين العلاقات ، وينفي كل أنواع المشاحنات والخلافات المحتملة ، والتي تؤثر سلباً علىٰ جوّ الاستقرار الذي يحيط بالاُسرة ، وبالتالي تؤثر علىٰ استقرار المجتمع المتكون من مجموعة من الاُسر .
أولاً : حقوق الزوج :
من أهمّ حقوق الزوج حقّ القيمومة ، قال الله تعالىٰ : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) (١) .
فالاُسرة باعتبارها أصغر وحدة في البناء الاجتماعي بحاجة إلىٰ قيّم ومسؤول عن أفرادها له حقّ الاشراف والتوجيه ومتابعة الأعمال
_______________
١) النساء ٤ : ٣٤ .
والممارسات ، وقد أوكل الله تعالىٰ هذا الحق إلىٰ الزوج ، فالواجب علىٰ الزوجة مراعاة هذا الحق المنسجم مع طبيعة الفوارق البدنية والعاطفية لكلٍّ من الزوجين ، وأن تراعي هذه القيمومة في تعاملها مع الأطفال وتشعرهم بمقام والدهم .
ومن الحقوق المترتبة علىٰ حق القيمومة حق الطاعة ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « أن تطيعه ولا تعصيه ، ولا تصدّق من بيتها شيئاً إلّا باذنه ، ولا تصوم تطوعاً إلّا باذنه ، ولا تمنعه نفسها ، وإن كانت علىٰ ظهر قتب ، ولا تخرج من بيتها إلّا بإذنه … » (١) .
حتىٰ إنّه ورد كراهة إطالة الصلاة من قبل المرأة لكي تتهرب من زوجها، قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « لا تطوّلن صلاتكن لتمنعنَّ أزواجكن » (٢) .
ويجب عليها احراز رضاه في أدائها للأعمال المستحبة ، فلا يجوز لها الاعتكاف المستحب إلّا باذنه (٣) ، ولا يجوز لها أن تحجّ استحباباً إلّا باذنه، وإذا نذرت الحج بغير إذنه لم ينعقد نذرها (٤) .
ومن أجل تعميق العلاقات العاطفية وإدامة الروابط الروحية وادخال السرور والمتعة في نفس الزوج ، يستحب للمرأة الاهتمام بمقدمات ذلك ، فعن الإمام الصادق عليهالسلام قال : « جاءت امرأة إلىٰ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقالت : يا رسول الله ، ما حقّ الزوج علىٰ المرأة ؟ قال : أكثر من ذلك ،
_______________
١) من لا يحضره الفقيه ٣ : ٢٧٧ .
٢) الكافي ٥ : ٥٠٨ .
٣) الكافي في الفقه : ١٨٧ .
٤) الوسيلة إلىٰ نيل الفضيلة : ١٩١ .
فقالت : فخبّرني عن شيء منه فقال : ليس لها أن تصوم إلّا باذنه ـ يعني تطوعاً ـ ولا تخرج من بيتها إلّا باذنه ، وعليها أن تطّيّب بأطيب طيبها ، وتلبس أحسن ثيابها ، وتزيّن بأحسن زينتها ، وتعرض نفسها عليه غدوة وعشية وأكثر من ذلك حقوقه عليها » (١) .
ويستحب لها كما يقول الإمام علي بن الحسين عليهالسلام : « .. إظهار العشق له بالخلابة والهيئة الحسنة لها في عينه » (٢) .
وفي رواية (جاء رجل إلىٰ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : إنّ لي زوجة إذا دخلت تلقتني ، وإذا خرجت شيّعتني ، وإذا رأتني مهموماً قالت : ما يهمّك ، إن كنت تهتم لرزقك فقد تكفّل به غيرك ، وإن كنت تهتمّ بأمر آخرتك فزادك الله همّاً ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « بشرها بالجنة ، وقل لها : إنّك عاملة من عمّال الله ، ولك في كلِّ يوم أجر سبعين شهيداً » .
وفي رواية : « إنّ لله عزَّ وجلَّ عمّالاً ، وهذه من عمّاله ، لها نصف أجر الشهيد » (٣) .
ويحرم علىٰ الزوجة أن تعمل ما يسخط زوجها ويؤلمه في ما يتعلق بالحقوق العائدة إليه ، كادخال بيته من يكرهه ، أو سوء خُلقها معه ، أو اسماعه الكلمات المثيرة وغير اللائقة .
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « أيّما امرأة آذت زوجها بلسانها لم يقبل منها
_______________
١) الكافي ٥ : ٥٠٨ .
٢) تحف العقول : ٢٣٩ .
٣) مكارم الاخلاق : ٢٠٠ .
صرفاً ولا عدلاً ولا حسنة من عملها حتىٰ ترضيه » (١) .
وقال الإمام جعفر الصادق عليهالسلام : « أيّما امرأة باتت وزوجها عليها ساخط في حقّ ، لم تقبل منها صلاة حتىٰ يرضىٰ عنها ، وأيّما امرأة تطيّبت لغير زوجها ، لم تقبل منها صلاة حتىٰ تغتسل من طيبها ، كغسلها من جنابتها » (٢) .
ويحرم علىٰ الزوجة أن تهجر زوجها دون مبرر شرعي (٣) ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « أيّما امرأة هجرت زوجها وهي ظالمة حشرت يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون في الدرك الأسفل من النار إلّا أن تتوب وترجع » (٤) .
ومن أجل الحيلولة دون تمادي الزوجة غير المطيعة في ارتكاب الممارسات الخاطئة التي تخلق أجواء التوتر في الاُسرة ، جعل الإسلام للزوج حق استخدام العقوبات المؤدبة لها إذا لم ينفع معها الوعظ والارشاد ، وتندرج العقوبة من الأخف أولاً ثم الأشد ثانياً حسب حال المرأة ومقدار نشوزها واعراضها وعدم طاعتها بعد بذل النصيحة والموعظة ، قال الله تعالىٰ : ( … وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا … ) (٥) .
_______________
١) مكارم الاخلاق : ٢٠٢ .
٢) الكافي ٥ : ٥٠٧ .
٣) جواهر الكلام ٣١ : ٢٠١ . ومنهاج الصالحين ، المعاملات : ١٠٣ .
٤) مكارم الاخلاق : ٢٠٢ .
٥) سورة النساء : ٤ / ٣٤ .
فتجوز له العقوبة إذا منعته من نفسها ، وتسلّطت عليه بالقول أو الفعل ، فيبدأ بوعظها وتخويفها من الله تعالىٰ ، فإن أثّر ذلك وإلّا هجرها بالاعراض عنها في مدخله ومخرجه ومبيته من غير اخلال بما يحفظ حياتها من غذاء ولباس ، فان أثّر ذلك وإلّا ضربها ضرباً غير مبرّح ، وإن خرجت من منزله بغير إذنه أو باذنه وامتنعت عن الرجوع إليه فله ردّها ، وإن أبت فله تأديبها بالاعراض عنها وقطع الانفاق (١) .
وأكدت الروايات علىٰ مراعاة حق الزوج ، واتّباع الأساليب الشيّقة في ادامة أواصر الحبّ والوئام ، وخلق أجواء الانسجام والمعاشرة الحسنة داخل الاُسرة ، فجعل الإمام الباقر عليهالسلام حسن التبعل جهاداً للمرأة فقال عليهالسلام : « جهاد المرأة حسن التبعل » (٢) .
ولأهمية مراعاة هذا الحق قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « لا تؤدي المرأة حقّ الله عزَّ وجلَّ حتىٰ تؤدي حقّ زوجها » (٣) .
وذكر صلىاللهعليهوآلهوسلم طاعة الزوج في سياق ذكره لسائر العبادات والطاعات التي توجب دخول الجنة ، حيث قال : « إذا صلّت المرأة خَمسها ، وصامت شهرها ، وأحصنت فرجها ، وأطاعت بعلها ، فلتدخل من أيّ أبواب الجنة شاءت » (٤) .
ووضع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأهل بيته عليهمالسلام منهجاً في العلاقات بين
_______________
١) الكافي في الفقه : ٢٩٤ .
٢) من لا يحضره الفقيه ٣ : ٢٧٨ .
٣) مكارم الاخلاق : ٢١٥ .
٤) مكارم الاخلاق : ٢٠١ .
الزوجين يعصم الحياة الزوجية من التصدّع والاضطراب ، فأكد علىٰ الزوجة أن لا تكلف زوجها مالا يطيق في أمر النفقة ، وهو أمر يسبب كثيراً من المتاعب في الحياة الزوجية ويضرّ بصفوها وانسجامها .
قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : « أيّما امرأة أدخلت علىٰ زوجها في أمر النفقة وكلّفته مالا يطيق ، لا يقبل الله منها صرفاً ولا عدلاً إلّا أن تتوب وترجع وتطلب منه طاقته » (١) .
وحث صلىاللهعليهوآلهوسلم المرأة علىٰ اصلاح شؤون البيت واستقبال الزوج بأحسن استقبال فقال : « حقّ الرجل علىٰ المرأة إنارة السراج ، واصلاح الطعام ، وان تستقبله عند باب بيتها فترحب به ، وأن تقدّم إليه الطشت والمنديل … » (٢) .
ويستحب للزوجة أن تكسب رضا الزوج وتنال مودته ، قال الامام جعفر الصادق عليهالسلام : « خير نسائكم التي إن غضبت أو أغضبت قالت لزوجها : يدي في يدك لا أكتحل بغمضٍ حتىٰ ترضىٰ عني » (٣) .
وجعل الإمام محمد الباقر عليهالسلام رضا الزوج علىٰ زوجته شفيعاً لها عند الله تعالىٰ ، فقال : « لا شفيع للمرأة أنجح عند ربّها من رضا زوجها ، ولمّا ماتت فاطمة عليهاالسلام قام عليها أمير المؤمنين عليهالسلام وقال : اللهمّ إنّي راضٍ عن ابنت نبيك ، اللهمّ إنّها قد أوحشت فآنسها » (٤) .
_______________
١) مكارم الاخلاق : ٢٠٢ .
٢) مكارم الاخلاق : ٢١٥ .
٣) مكارم الاخلاق : ٢٠٠ .
٤) بحار الانوار ١٠٣ : ٢٥٧ .
ومن أجل التغلب علىٰ المشاكل المعكّرة لصفو المودة والوئام ، يستحب للزوجة أن تصبر علىٰ أذىٰ الزوج ، فلا تقابل الأذىٰ بالأذىٰ والاساءة بالاساءة ؛ لأنّ ذلك من شأنه أن يغمر أجواء الاُسرة بالتوترات الدائمة والمشاكل التي لا تنقضي ، والصبر هو الاُسلوب القادر علىٰ ايصال العلاقات إلىٰ الانسجام التام بعودة الزوج إلىٰ سلوكه المنطقي الهادىء ، فلا يبقىٰ له مبرر للاصرار علىٰ سلوكه غير المقبول ، قال الإمام الباقر عليهالسلام : « وجهاد المرأة أن تصبر علىٰ ما ترىٰ من أذىٰ زوجها وغيرته » (١) .
ومن آثار مراعاة الزوجة لحقوق الزوج في الوسط الاُسري أن تصبح له مكانة محترمة في نفوس أبنائه ، فيحفظون له مقامه ، ويؤدون له حق القيمومة فيطيعون أوامره ، ويستجيبون لارشاداته ونصائحه ، فتسير العملية التربوية سيراً متكاملاً ، ويعمّ الاستقرار والطمأنينة جوّ الاُسرة بأكمله ، وتنتهي جميع ألوان وأنواع المشاحنات والتوترات المحتملة .