الرئيسية / الاسلام والحياة / على خطى الحسين (عليه السلام) د. أحمد راسم النفيس

على خطى الحسين (عليه السلام) د. أحمد راسم النفيس

بالرحمة والاستغفار له والتزكية لأصحابه، فكان حجر بن عدي إذا سمع ذلك قال: بل إياكم فذمم الله ولعن. ثم قام فقال: إن الله عز وجل يقول: (كونوا قوامين بالقسط شهداء لله) (النساء / 135) وأنا أشهد أن من تذمون وتعيرون لأحق بالفضل وإن من تزكون وتطرون أولى بالذم ” (1). واستمرت هذه الحال حتى ولي زياد الكوفة فقال مثلما كان يقول المغيرة، ورد عليه حجر رضوان الله عليه بمثل ما كان يرد على المغيرة، فأرسل زياد إلى أميره معاوية فأمر باعتقاله (وفقا لقانون طوارئ بني أمية) وأرسل إلى ابن آكلة الأكباد مشدودا في الحديد فأمر بقتله، فقال حجر للذين يلون أمره: دعوني حتى أصلي ركعتين، فقالوا: صل، فصلى ركعتين خفف فيهما ثم قال: لولا أن تظنوا بي غير الذي أنا عليه، لأحببت أن تكونا أطول مما كانتا، ثم قال لمن حضره من أهله: لا تطلقوا عني حديدا ولا تغسلوا عني دما فإني ألاقي معاوية غدا على الجادة، ثم قدم فضربت عنقه.
لم يكن حجر بن عدي النموذج الوحيد الدال على ظلم هذه الدولة الجائرة التي يزعم جاهلو أمرها، وحدهم، أنها كانت تحكم أو تحكم بشريعة الإسلام. لقد كان بنو أمية يدأبون ليل نهار لاطفاء نور الله، وفي الوقت نفسه كان خط الأئمة (عليهم السلام) قد تحول إلى مشروع تأسيس لإقامة دولة المهدي المنتظر وإن تأخر ذلك قرونا وقرونا أما بنو أمية فيجهدون لإحداث أكبر قدر من الدمار بالأمة الإسلامية وبرجالاتها وبقيمها. وفي الوقت نفسه كان خط آل بيت محمد حريصا

(١) تاريخ الطبري ٤ / 188 – 190، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات – بيروت.

(٤٨)

على إبقاء قيم الإسلام الرسالي الأصيل حية ومتوهجة، والتأكيد على أن مرحلة التمهيد وتأسيس دولة المهدي ليست مرحلة هدنة سلبية، وليست إيثارا للإبقاء على حياة مجموعة من البشر وإنما إبقاء للقيم وإمدادها بكل ما يبقيها متألفة وحية حتى زمن الظهور.
3 – مواجهة التزييف، وإحياء قيم الإسلام لم تتوقف المواجهة بين أئمة أهل البيت، (عليهم السلام)، وبين بني أمية خلال هذه المرحلة. وإن ابتعدت عن المعارك العسكرية الكبرى، فقد سال الكثير من الدماء، في هذه المرحلة، ومنها دماء حجر بن عدي وأصحابه وعمرو بن الحمق الخزاعي وغيرهم، من خواص أصحاب الإمام علي (عليه السلام) وفي مواضع أخرى كان الأئمة، (عليهم السلام) يتصدون لعمليات التزييف التي تمارسها الدعاية الأموية ويدعون الناس إلى الحق وتغيير الباطل وعدم السكوت عليه.
ولنأخذ بعض الأمثلة على ذلك من تاريخ الإمام الحسن، (عليه السلام)، قبيل استشهاده، ثم من تاريخ الإمام الحسين (عليه السلام).
يروي أبو الفرج: ” قال: خطب معاوية بالكوفة حين دخلها والحسن والحسين (عليهم السلام) جالسان تحت المنبر، فذكر عليا (عليه السلام) فنال منه، ثم نال من الحسن، فقال الحسين ليرد عليه، فأخذه الحسن بيده فأجلسه، ثم قام فقال: أيها الذاكر عليا، أنا الحسن، وأبي علي، وأنت معاوية وأبوك صخر، وأمي فاطمة وأمك هند، وجدي رسول الله وجدك عتبة بن ربيعة، وجدتي خديجة وجدتك قتيلة، فلعن الله أخملنا

(٤٩)

ذكرا وألأمنا حسبا وشرنا قديما وحديثا، وأقدمنا كفرا ونفاقا! فقال طوائف من أهل المسجد: آمين ” (1).
روى أبو الحسن المدائني قال: ” سأل معاوية الحسن بن علي، بعد الصلح، أن يخطب الناس، فامتنع فناشده أن يفعل، فوضع له كرسي، فجلس عليه، ثم قال: الحمد لله الذي توحد في ملكه، وتفرد في ربوبيته، يؤتي الملك من يشاء، وينزعه عمن يشاء، والحمد لله الذي أكرم بنا مؤمنكم، وأخرج من الشرك أولكم، وحقن دماء آخركم، فبلاؤنا عندكم قديما وحديثا أحسن البلاء، إن شكرتم أو كفرتم. أيها الناس إن رب علي كان أعلم بعلي حين قبضه إليه، وقد اختصه بفضل لم تعتادوا مثله، ولم تجدوا سابقته، فهيهات هيهات!
طالما قلبتم له الأمور حتى أعلاه الله عليكم، وهو صاحبكم، وعدوكم في بدر وأخواتها، جرعكم رنقا، وسقاكم علقا، وأذل رقابكم، وأشرقكم بريقكم، فلستم بملومين على بغضه، وأيم الله لا ترى أمة محمد خفضا ما كان سادتهم وقادتهم في بني أمية ولقد وجه الله إليكم فتنة لن تصدروا عنها حتى تهلكوا، لطاعتكم طواغيتكم، وانضوائكم إلى شياطينكم، فعند الله أحتسب ما مضى وما ينتظر من سوء دعتكم وحيف حكمكم ” (2).
يقول أبو الفرج: ” لما أراد معاوية البيعة لابنه يزيد فلم يكن عليه شئ أثقل من أمر الحسن بن علي وسعد بن أبي وقاص فدس إليهما سما فماتا “.

(1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 4 / 16، دار الهدى الوطنية – بيروت.
(2) المصدر نفسه، 4 / 10.
(٥٠)

شاهد أيضاً

محاسبة النفس – الشيخ إبراهيم الكفعمي

ينجو الهارب، وتنجح المطالب، وتنال (1) الرغائب. يا نفس: إن من هوان الدنيا على الله: ...