ليست المرّة الأولى التي تتقدّم فيها السعوديّة لطلب قرض، فقد اقترضت منذ ما يزيد عن 6 أشهر بضمان سندات على الحكومة، لكن اللافت في طلبها الأخير عن سابقاته حجم القرض المقدر بنحو 10 مليارات دولار، حيث تقدّمت مؤسسة النقد العربي السعودي بطلب إلى مجموعة من البنوك العالميّة لإمدادها بقرض دولي كبير بقيمة 10 مليارات دولار، ليصل حجم القروض مجتمعة منذ ما يقارب السنة حتى الآن بما يقدر بـ30 مليار دولار، وأخذت من الإحتياط النقدي 150 مليار دولار. ما سنتناوله في بضعة سطور هو الأسباب التي أوصلت السعودية إلى هذا الواقع وهي التي كانت تملك احتياطاً نقدياً قُدِّر بـ750 مليار دولار، وبالتالي نتائج وانعكاسات ذلك.
دوافع وانعكاسات
أولاً: سجلت الميزانية العامة السعوديّة للعام الفائت عجزاً وصل إلى نحو 100 مليار دولار، في مقابل ذلك انخفض الإحتياط النقدي المودع في البنوك الأمريكيّة بقيمة 150 مليار دولار من أصل 750 مليار. السعوديّة والتي يعتبر النفط فيها مورداً أساسياً لوارداتها هبط سعره بنسبة 70 بالمائة خلال أقل من عام، هبوط سعر النفط لا شك مرتبط بالدرجة الأولى بالسياسات السعوديّة الخاطئة في المنطقة والقائمة على اشعال الحروب وتغذيتها بل وشنها بالمباشر وخلق نعرات طائفيّة لا واقع وأساس لها، بالإضافة إلى الرضوخ للسياسة الأمريكيّة الهادفة لخفض سعر النفط، وهذا شكّل عجزاً في الميزانية ما اضطرها للجوء إلى اسواق المال الدوليّة وبأرقام مُلفتة، كما ورفعها الدعم عن اسعار النفط كخطوة لم يسبق لها مثيل في تاريخ النظام السعودي الحاكم، كما وتوجهها لفرض ضرائب جديدة على البلاد، وموجة شكاية في بعض المؤسسات التي لم يستلم موظفوها حقوقهم الشهرية لشهور متتالية، هذا الواقع لا شك سيزيد من الوضع الداخلي المضطرب للسعودية.
ثانياً: السياسة العدائية اتجاه شعوب المنطقة والتي تمثّلت مؤخراً وليس حصراً في العدوان على اليمن ودعمها جماعات الغرب الإستعماري في سوريا والعراق، هذا الأمر رتّب عليها استحقاقات ماليّة ضخمة لقمع متطلبات الشعوب، فالمعطيات تشير إلى أن تكاليف العدوان على اليمن وحدها تستلزم الإستفادة من 175 طائرة حربيّة وما تتطلبه من ذخائر إلى اشغال 150 الف جندي سعودي فضلاً عن المرتزقة منهم والكثير الكثير في سياق تكاليف العدوان، لتأتي طلبات القروض كدليل على عدم مقدرة استمرارية العدوان السعودي وهو ما يمكن تفسيره في الطلب السعودي الأخير من الجانب اليمني لحلحلة شهدها القسم الحدودي، لأن استمرار العدوان على المدى الطويل لن يقتصر على التكاليف فقط بل على مجالات الإستثمار الخارجي داخل السعودية بل وفي محيطها أيضاً من الدول الداعمة لها نتيجة انعدام الإستقرار الذي خلّفه العدوان.
ثالثاً: انعدام الثقة الغربيّة بالنظام السعودي الذي لطالما رسّخ علاقته مع النظام على حساب حقوق الشعوب وفق المصالح والروابط الإقتصاديّة، حتى أن الكثير من أنظمة دول المنطقة التي تماشت وسياسة النظام السعودي ارتكزت على التقديمات الماليّة السعوديّة لها، وبالتالي فإن هذه الورقة قد سقطت وهو ما يفسر تراجعاً لدى الكثير منهم مع الإندفاع السعودي نحو شن الحروب، كما أن طلب القرض دليل واضح على عدم مصداقيّة الإدعاء السعودي بخصوص الهبة السعودية التي كانت مقررة للجيش اللبناني وتم ارجاع ايقافها إلى اعتبارات وخلافات سياسيّة مع الجانب اللبناني، فطلب القرض دليل على أن السبب مرتبط بتدهور الوضع الإقتصادي فضلاً عن موت المانح.
لا شك أن الأيام القادمة ستشهد مزيداً من الطلبات للإقتراض وستشهد حالة اقتصاديّة قائمة على زيادة في المصروفات عن الإيرادات، بالإضافة إلى تراجع في الدور المؤثر في المنطقة، وارتفاع منسوب المطالب الشعبيّة السعوديّة للخروج من هذه السياسات والواقع الصعب.