الرئيسية / من / طرائف الحكم / الكبائر من الذنوب

الكبائر من الذنوب

معنا في كل حركاتنا وسكناتنا، فكيف يسوغ لنا التجرؤ عليه سبحانه بارتكاب المعاصي أمامه؟ (يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم…) (1).
أما آن لنا أن نستحي منه سبحانه وتعالى؟ وكيف نعتذر وهو المنعم علينا والمتفضل، وقد نهانا عن ارتكاب الذنوب والمعاصي فخالفناه؟!
أستغفرك اللهم وأتوب إليك من كل ذنب أذنبته، وكل جرم أجرمته، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.


(1) النساء / 108.

(١١)

المقدمة أعزائي.. من دواعي خلق الله سبحانه الخلق ليمتحنهم في دنياهم، ليميز الخبيث من الطيب، والمطيع من العاصي، وليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حيي عن بينة، وليجزي الصابر منهم والمطيع الثواب العظيم – كما روي في بعض الأخبار – بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وليعذب الظالمين منهم والعاصين أشد العذاب.
ومن الواجب على المخلوق أن يعبد الخالق سبحانه وتعالى، ويؤدي شكر ما أنعم عليه من نعمه التي لا تعد، كما قال سبحانه: (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) (1)،


(1) إبراهيم / 34، النحل / 18.

(١٣)

وقال: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) (1).
إذن.. فالله تعالى خلقنا، ورزقنا، وأنعم علينا من نعمه الظاهرة والباطنة في حياتنا الدنيا يريد منا إطاعة أوامره والتعبد له، والتقرب إليه سبحانه، ولنسلك سلوكا يرضاه حتى نعيش حياة رغيدة هانئة سعيدة ضمن الحدود التي رسمها وبينها لنا سبحانه وتعالى وهي لصالحنا، فإنه سبحانه لا يضره عصيان من عصاه، ولا تنفعه عبادة من عبده، ليجزينا في الآخرة بما أعده للمؤمنين من النعيم المقيم والفوز العظيم ثوابا من عنده ولطفا من رحمته، وما كلفنا سبحانه بأكثر من طاقتنا، وما ألزمنا وحملنا بأكثر من الملكات العقلية والجسمية التي منحها لنا، حيث قال سبحانه في آخر سورة البقرة (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت).
أعزائي.. إن أهم ما لفت نظري في هذا البحث مادة ” التعرب بعد الهجرة ” واعتبرها الشارع المقدس من


(1) الذاريات / 56.

(١٤)

الكبائر، وهي الهجرة من دار الإسلام إلى دار الكفر أينما تقع، أو تكون، أرجو أن لا تشملكم هذه المادة، أيها المهاجرون إلى بلاد الكفر وأرجو أن تكون هجرتكم بقصد التبليغ والارشاد وبث تعاليم الإسلام والقيم والأخلاق التي أمر الله سبحانه بها، لتحصلوا على ثواب المهاجرين المجاهدين في سبيل الله تعالى. إن الفرائض والواجبات التي أمر الله تعالى بها يجب تعلمها ويجب دراستها، وذلك فريضة على كل مسلم ومسلمة أينما كانوا، وحيثما حلوا أو ارتحلوا، ومتى ما حرص المسلم على تعلمها قربة إليه تعالى، خرج عن كونه أعرابيا، وخرج سفره عن كونه تعربا.
فأرجو أن تحرصوا وتثابروا على تعلم الفقه في الشريعة، والتعمق في أصول العقائد وخاصة في الفروض الواجبة والمستحبة المؤكدة، لتنجوا إن شاء الله من العقاب، وتخلصوا أنفسكم من المسؤولية كما قال الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم

(١٥)

نارا وقودها الناس والحجارة…) (1).
و (لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) (2).
ولتفوزوا برضى الله سبحانه وثوابه، ولا تنسوا التأكيدات الواردة عن الله سبحانه ورسوله الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيت العصمة (عليهم السلام)، في الحث على طلب العلم بأساليب مختلفة في الترغيب تارة، والترهيب أخرى، فقد قال سبحانه في محكم كتابه الكريم:
(هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) (3).
(يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) (4).
ويروى عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): ” إن طالب العلم يحبه


(1) التحريم / 6.
(2) المائدة / 105.
(3) الزمر / 9.
(4) المجادلة / 11.

(١٦)

الله وتحبه الملائكة والنبيون، ولا يحب العلم إلا السعيد، وطوبى لطالب العلم، ومن أحب العلم وجبت له الجنة، ويصبح ويمسي في رضى الله… ” إلى آخر الحديث النبوي الشريف.
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: ” إن كمال الدين طلب العلم والعمل به، وأن طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال… الخ “.
وعن الإمام السجاد (عليه السلام) قال: ” لو يعلم الناس ما في طلب العلم لطلبوه ولو بسفك المهج وخوض اللجج “.
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: ” طلب العلم فريضة على كل مسلم، فاطلبوا العلم من مظانه، واقتبسوه من أهله “.
إلى غير ذلك من الروايات والأحاديث الكثيرة الواردة عنهم (عليهم السلام) والتي تعظم أهل العلم وتمدح المعلمين والمتعلمين ومذاكرات العلم، فجعلوه فريضة على كل مسلم، وجعلوا العلماء أمناء الله سبحانه وودائعه، وخلفاء الرسل وورثة الأنبياء، وفضلوهم على جميع الخلق،

(١٧)

وجعلوا مدادهم أفضل من دماء الشهداء، وكثيرا ما كانوا يرددون (سلام الله عليهم) – وأنا أردد معهم – طوبى لطالب العلم، طوبى لطالب العلم، طوبى لطالب العلم.
أعزائي.. هذه رسالة موجزة جمعتها ونقلتها من بعض المصادر المهمة، ومن خلال دراستي للرسالة العملية في بحث الكبائر من الذنوب، لتكون درسا لي وتذكرة وعظة أعرضها عليكم على ما فيها عسى أن ينفعكم الله بها (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) (1).
وإني.. والله يشهد على ما أقول، ما أسفت على شئ في حياتي كأسفي على ما فرطت مما سلف مني أيام شبابي وفراغي من الغفلة والسهو، والركض وراء سراب زائل، ومتاع راحل، باتباع هوى النفس، والخضوع للغريزة وحب الشهوات، والغرور بالدنيا، والركون إليها، حتى انتبهت لأرى نفسي في خريف عمري، فريسة


(1) الرعد / 17.

(١٨)

الشيخوخة والعجز، أعض أصابع الندم على ما فرطت مما فات من أيام شبابي وعزة قوتي وقدرتي، ولو أني – ولله الحمد – ما أتذكر إني تركت فرضا من الفروض الواجبة، ولا ارتكبت كبيرة من كبائر الذنوب حسب الظاهر والله العالم. ولكني أشعر بتقصير في كثير من الواجبات، وعدم حسن أدائها، وحرماني من الفرص الثمينة التي مرت علي مر السحاب، والتي لا تعود أبدا، خاصة ساعات وأماكن مظان استجابة الدعاء، للتعبد والتقرب منه سبحانه، ولم انتهزها أو استفيد منها.. وقد ترك ذلك في نفسي حسرة وندما لا يعوض، بالإضافة إلى صدور الكثير الكثير من الذنوب والمآثم مني، غفلة وتهاونا، لا عصيانا وتمردا، كما أن الشيطان (لعنه الله) دعاني فوجدني مستجيبا له ومسرعا.
أعزائي.. هذه رسالة نادم منيب، قد نغص عليه عيشه مما سلف من ذنوبه وآثامه، وأرقه كثرة عصيانه، فأرجو أن تتعضوا بها وتستفيدوا منها، لأن السعيد من اتعظ بغيره، قبل فوات الأوان، ومرور السنين والأعوام، وإني

(١٩)

شاهد أيضاً

منهج في الإنتماء المذهبي – صائب عبد الحميد

ما الذي يحملني على الإعتقاد – إلى حد التسليم – بأن مذهبي الذي ورثته عن ...