بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله أهل الحمد ووليه، والدال عليه والمجازي به، والمثيب عنه، حمدا يزيد ولا يبيد ولا ينفد، جل جلاله وعظم سلطانه، وتعالى مكانه، وتقدست أسماؤه، واتصلت آلاؤه، وتواضع كل شي لهيبته، وخضع كل شي لملكه وربوبيته، ولا يدرك الواصفون صفته، ولا تبلغ الأوهام كنه معرفته، فهو كما وصف نفسه إلها واحدا، أحدا صمدا، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد.
وأشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أعطاه الوسيلة، وشرفه بالفضيلة، وأكرمه بالرسالة، وأيده بالدلالة، وابان به الاسلام، وفضله على جميع خلقه، من أهل سمائه وارضه، وبره وبحره، فضلا لا يسمو إليه أحد، ولا يبلغه واصف.
وفضل به أهل بيته على جميع الأنام، وجعلهم الحجج البالغة، وأيدهم بالإمامة، وافترض طاعتهم على جميع من به دان، ولله وحد وبرسوله (صلى الله عليه وآله) أقر، وجعل فضلهم فضلا لا يصفه واصف، ولا يدركه ناعت، ولا يبلغ منتهاه ذو لب، ولا يطمع فيه طامع، فجعلهم نجوم الأرض، يهتدى بهم من الضلالة، ويزيل بهم حيرة العمى، وجعلهم أوتاد الأرض ان تميد باهلها.
(٣٥)
وابان فضلهم على لسان نبيه (صلى الله عليه وآله)، وفرض على العباد مودتهم في كتابه الناطق، على لسان نبيه الصادق، حيث يقول جل من قائل: ﴿قل لا أسئلكم عليه اجرا الا المودة في القربى﴾ (1)، فامر النبي (صلى الله عليه وآله) بحبهم، وحث على التقرب إليهم في برهم، وزيارتهم في حياتهم وبعد مماتهم، وجعل لذلك ثوابا وفضلا، لا تحيط به الأوهام، وما لا يحصيه الأنام، ولا يبلغ وصف واصف منه التمام.
ففعلت أمته (صلى الله عليه وآله) ضد ما امر به الله ونبيه (صلى الله عليه وآله)، فقتلوا من أمروا بمحبته، وشر دوا من أمروا بطاعته، وجفوا من أمروا بزيارته، وأخافوا من قبل ذلك بأحسن قبول، وقام به أحسن قيام على مقدار طاقة الامكان وقدرة الزمان، وعادوهم على ذلك، ثم مع ذلك يرجون بأنهم يوفقون للرشاد، وانهم مقيمون على السداد، مؤدون لما افترض عليهم بالليل والنهار، راجون شفاعة نبيهم يوم القرار، كلا بل نبيهم المخاصم لهم يوم المعاد، والطالب لهم بما فعلوا عند الثواب في يوم القيامة بين يدي رب الأرباب، تبارك وتعالى عن ظلم العباد، وان ربك لبالمرصاد.
وأنا مبين لك – أطال الله بقاك – ما أثاب الله به الزائر لنبيه وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين، بالآثار الواردة عنهم (عليهم السلام)، على رغم من أنكر فضلهم ذلك، وجحده وأباه وعادي عليه، وبالله استعين على ذلك، وعليه أتوكل، وهو حسبي في الأمور كلها ونعم الوكيل.
(٣٦)
وإنما دعاني إلى تصنيف كتابي هذا مسألتك، وترددك القول علي مرة بعد أخرى، تسألني ذلك، ولعلمي بما لي فيه من المثوبة والتقرب إلى الله تبارك وتعالى، والى رسوله والى علي وفاطمة والأئمة صلوات الله عليهم أجمعين والى جميع المؤمنين، ببثه فيهم، ونشره في إخواني المؤمنين على جملته.
فأشغلت الفكر فيه وصرفت الهم إليه، وسألت الله تبارك وتعالى العون عليه حتى أخرجته وجمعته عن الأئمة صلوات الله عليهم أجمعين من أحاديثهم، ولم اخرج فيه حديثا روي عن غيرهم إذا كان فيما روينا عنهم من حديثهم صلوات الله عليهم كفاية عن حديث غيرهم، وقد علمنا انا لا نحيط بجميع ما روي عنهم في هذا المعنى ولا في غيره، لكن ما وقع لنا من جهة الثقات من أصحابنا رحمهم الله برحمته، ولا أخرجت فيه حديثا روي عن الشذاذ من الرجال، يؤثر ذلك عنهم عن المذكورين غير المعروفين بالرواية المشهورين بالحديث والعلم.
وسميته كتاب كامل الزيارات وفضلها وثواب ذلك، وفصلته أبوابا، كل باب منه يدل على معنى لم اخرج فيه حديثا يدل على غير معناه، فيختلف على الناظر فيه والقاري له ولا يعلم ما يطلب وأني وكيف، كما فعل غيرنا من المصنفين، إذ جعلوا الباب بغير ما ضمنوه، فأخرجوا في الباب أحاديثا لا تدل على معنى الباب، حتى ربما لم يكن في الباب حديثا يدل على معنى بين من الأحاديث التي لا تليق بترجمة الباب، ولا على شي منه.
(٣٧)
والذي أردت بذلك التسهيل على من أراد حديثا منه قصد الباب الذي يريد الحديث فيه فيجده، ولئلا يمل الناظر فيه والقاري له، والمستمع لقرأته، و ليعلم ما خص الله به وليه من زائري قبر الحسين (عليه السلام) والسادة صلوات الله عليهم، ولتكثر الرغبة فيهم وفي زيارتهم صلوات الله عليهم، طلبا لما أعد الله جل وعز لهم من الثواب الجزيل والفوز العظيم.
والله اسأل بما هو أهله وبأحب أسمائه إليه ان يصلي على محمد وآله مكافاتي عليه ما أملته فاردته، ان لا يحرمني من ذلك برحمته وجوده وكرمه، وصلى الله على محمد وآله الصفوة الأخيار الأبرار عليهم السلام ورحمة الله وبركاته.
(٣٨)
الباب (1) ثواب زيارة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وزيارة أمير المؤمنين والحسن والحسين:
[1] 1 – أخبرنا أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه القمي الفقيه، قال: حدثني أبي رحمه الله، عن سعد بن عبد الله بن أبي خلف الأشعري، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن خالد (1) البرقي، عن قاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال:
بينما الحسين بن علي (عليهما السلام) (2) في حجر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، إذ رفع رأسه فقال له:
يا أبة ما لمن زارك بعد موتك، فقال
: يا بني من اتاني زائرا بعد موتي فله الجنة،
ومن أتى أباك زائرا بعد موته فله الجنة،
ومن أتى أخاك زائرا بعد موته فله الجنة،
ومن اتاك زائرا بعد موتك فله الجنة (3).
١ – في الموضع الثاني من التهذيب: محمد بن خلف، والصحيح ما أثبتناه، الموافق للموضع الأول منه والبحار والوسائل والوافي.
٢ – في الموضع الأول من التهذيب: الحسن بن علي (عليهما السلام).
٣ – عنه البحار ١٠٠: ١٤٢، الوسائل ١٤: ٣٢٩.
رواه الشيخ في التهذيب ٦: ٢٠ و ٤٠، والمفيد في المقنعة: ٧٢ مرسلا.
(٣٩)