الرئيسية / بحوث اسلامية / فاسألوا أهل الذكر – الدكتور محمد التيجاني

فاسألوا أهل الذكر – الدكتور محمد التيجاني

والثرى ويضع بقية الخلائق على الإصبع الخامس (1) وله دار يسكن فيها ومحمد يستأذن للدخول عليه في داره ثلاث مرات (2). تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا – سبحان ربك رب العزة عما يصفون.
والجواب على هذا عند أئمة الهدى ومصابيح الدجى هو التنزيه الكامل لله سبحانه وتعالى عن المجانسة والمشاكلة والتصوير والتجسيم والتشبيه والتحديد.
يقول الإمام علي عليه السلام في ذلك:
الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون، ولا يحصي نعماءه العادون، ولا يؤدي حقه المجتهدون، الذي لا يدركه بعد الهمم، ولا يناله غوص الفطن، الذي ليس لصفته حد محدود ولا نعت موجود ولا وقت معدود ولا أجل ممدود فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثناه ومن ثناه فقد جزأه، ومن جزأه فقد جهله، ومن جهله فقد أشار إليه، ومن أشار إليه فقد حده، ومن حده فقد عده، ومن قال فيم فقد ضمنه، ومن قال علام فقد أخلى منه كائن لا عن حدث، موجود لا عن عدم، مع كل شئ لا بمقارنة وغير كل شئ لا بمزايلة، فاعل لا بمعنى الحركات والآلة بصير إذ لا منظور إليه من خلقه (3).
وإني ألفت نظر الباحثين من الشباب المثقفين إلى الكنوز التي تركها الإمام علي عليه السلام والتي جمعت في نهج البلاغة ذلك السفر القيم الذي لا يتقدمه إلا القرآن والذي بقي مع الأسف مجهولا لدى أغلبية الناس نتيجة الإعلام والإرهاب والحصار المضروب من قبل الأمويين والعباسيين
(١) صحيح البخاري: ٦ / ٣٣.
(٢) صحيح البخاري: ٨ / ١٨٣. صحيح مسلم: ١ / 124.
(3) نهج البلاغة للإمام علي: شرح محمد عبدة ج 1 الخطبة الأولى.
(٢٦)

على كل ما يتصل بعلي بن أبي طالب.
ولست مبالغا إذا قلت بأن في نهج البلاغة كثيرا من العلوم والنصائح التي يحتاجها الناس على مر العصور، وفي نهج البلاغة علم الأخلاق وعلم الاجتماع وعلم الاقتصاد وإشارات قيمة في علم الفضاء والتكنولوجيا إضافة إلى الفلسفة والسلوك والسياسة والحكمة.
وقد أثبت ذلك شخصيا في الأطروحة التي قدمتها إلى جامعة السربون والتي نوقشت على مواضيع أربعة اخترتها من نهج البلاغة وحصلت من خلالها على شهادة الدكتوراه. فيا ليت المسلمين يولون نهج البلاغة عناية خاصة فيبحثون فيه كل الأطروحات وكل النظريات فهو بحر عميق كلما غاص فيه الباحث استخرج منه اللؤلؤ والمرجان. تعليق:
هناك فرق واضح بين العقيدتين:
عقيدة أهل السنة والجماعة التي تقول بالتجسيم وتجعل من الله سبحانه وتعالى جسما وشكلا يرى وتصوره وكأنه إنسان فهو يمشي وينزل ويحوي جسمه دار إلى غير ذلك من الأشياء المنكرة، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
وعقيدة الشيعة الذين ينزهون الله عن المشاكلة والمجانسة والتجسيم ويقولون باستحالة رؤيته في الدنيا وفي الآخرة وأعتقد شخصيا بأن الروايات التي يحتج بها أهل السنة والجماعة كلها من دس اليهود في زمن الصحابة لأن كعب الأحبار اليهودي الذي أسلم في عهد عمر بن الخطاب هو الذي أدخل هذه المعتقدات التي يقول بها اليهود، عن طريق بعض البسطاء من الصحابة أمثال أبي هريرة ووهب بن منبه فأغلب هذه الروايات مروية في البخاري ومسلم عن أبي هريرة وقد تقدم في بحث سابق كيف أن أبا هريرة

(٢٧)

لا يفرق بين أحاديث النبي وأحاديث كعب الأحبار حتى ضربه عمر بن الخطاب ومنعه من الرواية في قضية خلق الله السماوات والأرض في سبعة أيام.
وما دام أهل السنة والجماعة يثقون في البخاري ومسلم ويجعلون منهما أصح الكتب وما دام هؤلاء يعتمدون على أبي هريرة حتى أصبح عمدة المحدثين وأصبح عند أهل السنة راوية الإسلام فلا يمكن والحال هذه أن يغير أهل السنة والجماعة عقيدتهم إلا إذا تحرروا من التقليد الأعمى، ورجعوا إلى أئمة الهدى وعترة المصطفى وباب مدينة العلم الذي منه يؤتى.
وهذه الدعوى لا تختص بالكبار والشيوخ ولكن الشباب المثقف من أهل السنة والجماعة كذلك ومن واجبه أن يتحرر من التقليد الأعمى ويتبع الحجة والدليل والبرهان. السؤال الثاني: حول العدل الإلهي والجبر يقول الله سبحانه في كتابه العزيز: وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر [الكهف: 23]. لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي [البقرة:
256]. فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره [الزلزلة:
8]. إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر [الغاشية: 22]. فكيف تقبلون بالأحاديث المروية في صحيح البخاري وصحيح مسلم بأن الله سبحانه قدر على عباده أفعالهم قبل أن يخلقهم فقد روى البخاري في صحيحه (1) قال: أحتج آدم وموسى فقال له موسى: يا آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة. قال له آدم: يا موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك بيده أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة فحج آدم موسى ثلاثا
(١) صحيح البخاري: ٧ / ٢١٤ كتاب القدر باب تحاج آدم وموسى. صحيح مسلم: ٨ / 49.
(٢٨)

كما روى مسلم في صحيحه (1) قال: إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وأن أحكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها.
كما روى مسلم في صحيحه (2) عن عائشة أم المؤمنين قالت: دعي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى جنازة صبي من الأنصار فقلت يا رسول الله طوبى لهذا عصفور من عصافير الجنة لم يعمل السوء ولم يدركه، قال: أو غير ذلك يا عائشة إن الله خلق للجنة أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم وخلق للنار أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم.
وروى البخاري في صحيحه (3) قال رجل: يا رسول الله أيعرف أهل الجنة من أهل النار؟ قال: نعم. قال: فلم يعمل العاملون؟ قال: كل يعمل لما خلق له أو لما يسير له.
سبحانك ربنا وبحمدك تباركت وتعاليت عن هذا الظلم علوا كبيرا – فكيف نصدق بهذه الأحاديث المناقضة لكتابك العزيز الذي قلت فيه وقولك الحق:
إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون [يونس: 44]. إن الله لا يظلم مثقال ذرة [النساء: 40] ولا يظلم ربك أحدا [الكهف: 49]. وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون [آل عمران: 117].
(١) صحيح مسلم: ٨ / ٤٤ كتاب القدر باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه. صحيح البخاري: ٧ / ٢١٠.
(٢) صحيح مسلم: ٨ / ٥٥ كتاب القدر باب كل مولود يولد على الفطرة.
(٣) صحيح البخاري: ٧ / 210 كتاب القدر باب جف القلم على علم الله.
(٢٩)

فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون [التوبة: 70 – العنكبوت: 40 – الروم: 9] وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين [الزخرف: 76]. ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد [الأنفال: 51] من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد [فصلت: 46]. وكما قال في حديث قدسي يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا فكيف يصدق مسلم آمن بالله وبعدالته ورحمته أن الله سبحانه خلق الخلق وحكم على بعضهم بالجنة وعلى الآخرين بالنار حسب اختياره هو، وقدر لهم أعمالهم فكل ميسر لما خلق له. على حسب هذه الروايات المعارضة للقرآن الكريم، وللفطرة التي فطر الله الناس عليها، وللعقل والوجدان ولأبسط حقوق الإنسان؟
كيف نؤمن بهذا الدين يحجر العقول على أن هذا الإنسان هو دمية تحركها أيدي القدر كيف شاءت لتلقي بها بعد ذلك في التنور – هذا الاعتقاد الذي يمنع العقول من الخلق والابتكار والإبداع والتطور والمنافسة التي تأتي بالأعاجيب ويبقى الإنسان جامدا راض بما هو فيه وبما عنده بدعوى أنه ميسر لما خلق له.
كيف نقبل هذه الروايات التي تصادم العقول السليمة وتصور لنا بأن الله سبحانه هو خالق جبار قوي قاهر وله أن يخلق عباده الضعفاء ليزج بهم في نار جهنم لا لشئ إلا لأنه يفعل ما يشاء، وهل يسمي العقلاء هذا الإله حكيما أو رحيما أو عادلا؟
كيف لو تحدثنا مع المثقفين والعلماء من غير المسلمين وعرفوا بأن ربنا على هذه الصفات وأن ديننا قد حكم على الناس قبل ولاداتهم بالشقاء، فهل سيقبلون الإسلام ويدخلون في دين الله أفواجا؟؟
سبحانك إن هذا زور من القول ركزه الأمويون وروجوا له لحاجة في نفس يعقوب، والباحث يعرف سر ذلك. وهو زور من القول لأنه يعارض

(٣٠)

شاهد أيضاً

يوم القدس وطوفان الأقصى والمسار الاستراتيجي للتحرير – ايهاب شوقي

هناك يومان للاحتفاء بالقدس؛ يوم يحتفي به الصهاينة  للتذكير بيوم اغتصابها، ويوم يحتفي به الأحرار ...