الرئيسية / من / طرائف الحكم / محاسبة النفس – الشيخ إبراهيم الكفعمي

محاسبة النفس – الشيخ إبراهيم الكفعمي

عليها نظام العالم، لكن أبواب الوصول إليه مفتوحة، ومناهل الظماء لديه مترعة، دخلها قوم لم يسلكوا غير طريقتهم، وشرب منها زمرة لم يشربوا من غير آنيتهم، فارجعي البصر كرتين [ترينهم] بين الناس مختفين، وقد أشرنا إلى بعضهم في مطاوي هذا الكتاب، ولعل الله يوفقنا لاستقصاء جماعة منهم في رسالة منفردة تحن إليها قلوب أولي الألباب، فلو شابهتهم في الأعمال والأقوال، وصرت كأحدهم في الأفعال والأحوال، كنت معهم عند تقسيم هذا النوال، لكنك تدثرت بجلباب أعدائه، وأنخت راحلتك بغير فنائه، تصبحين وتمسين ولا يجري ذكره على قلبك ولسانك، وتبتغين مرضاة رب العالمين وفضله ولا تقدميه في امامك، فاتخذته وراءك ظهريا، فكأنه عليه السلام صار نسيا منسيا، فصرت محرومة من خصائص لطفه، ونفحات رحمته، فابك طويلا، فقد عظم المصاب، وطال العذاب، وإلى الله المشتكى من اتصال الغفلة وسوء المآب (١).
وشيخنا الكفعمي – مؤلف هذا الكتاب – أيضا أخذ هذه الطريقة وانتهجها، لما فيها من الأثر الوضعي في القلب وتقوية الروح، فجعل كتابه مخاطبة للنفس وتنبيها لها، فالكتاب حوار بين القوة العقلائية والقوة الشهوانية، بين القلب والهوى، بين الروح الطاهرة والنفس الأمارة.
فعلى كل من يريد الوصول إلى الحق والحقيقة والجمال الروحي أن يحاسب نفسه الأمارة ويخاطبها بهذه العبارات، حتى يصرعها ويجعلها خاضعة إلى القوة العقلائية، ويجعلها مسيرة لا مسيرة، فحينئذ يشملها الخطاب الرباني:
﴿يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فأدخلي في عبادي وادخلي جنتي﴾ (2).
(١) دار السلام ٤: ٩٢ – ٩٤.
(٢) الفجر ٨٩: 27 – 30.
(١٦)

ترجمة المؤلف المؤلف:
الشيخ تقي الدين إبراهيم بن علي بن الحسن بن محمد بن صالح بن إسماعيل، الكفعمي مولدا، اللويزي محتدا، الجبعي أبا (1).
أحد أعيان القرن التاسع، الجامعين بين العلم والأدب، والكمال والعرفان، والزهد والعبادة، ويحكى في كثرة عبادته: أنه كان يقوم بجميع العبادات المذكورة في مصباحه، وتقوم زوجته بما لا يتسع له وقته منها.
مشايخ إجازته الذين يروي عنهم:
يروي الشيخ الكفعمي عن:
والده الشيخ زين الدين علي بن الحسن، وكان من أعاظم الفقهاء والورعين، وقد ينقل عنه في كتابيه الكبيرين، معبرا عنه: بالفقيه الأعظم الأورع.
أخيه الشيخ شمس الدين محمد صاحب كتاب زبدة البيان في عمل شهر رمضان.
السيد الشريف الفاضل حسين بن مساعد الحسيني الحائري صاحب كتاب
(1) الكفعمي: نسبة إلى كفر عيما، قرية من ناحية الشقيف في جبل عامل قرب جبشيت، واقعة في سفح الجبل مشرفة على البحر.
واللويزي: نسبة إلى اللويزة، قرية في جبل عامل، ويقال: اللويزاوي أيضا من باب زيادات النسب.
والجبعي نسبة إلى جبع، ويقال: جباع بالمد، وهي قرية على رأس جبل عامل، ويقال أيضا:
الجباعي من باب زيادات النسب.
(١٧)

تحفة الأبرار في مناقب الأئمة الأطهار.
الشيخ زين الدين البياضي صاحب كتاب الصراط المستقيم.
السيد الحسيب علي بن عبد الحسين الموسوي الحسيني صاحب كتاب رفع الملامة عن علي في ترك الإمامة، وكان بينهما مكاتبات ومراسلات بالنظم والنثر.
أقوال العلماء في حقه:
المحدث الحر العاملي: كان ثقة فاضلا شاعرا عابدا زاهدا ورعا.
أمل الآمل 1: 28.
العلامة المجلسي: من مشاهير الفضلاء والمحدثين والصلحاء المتورعين.
أعيان الشيعة 2: 185، نقلا عن تكملة الرجال لعبد النبي الكاظمي، حيث ذكر أنه نقله عن خط الشيخ المجلسي.
العلامة المجلسي: وكتب الكفعمي أغنانا اشتهارها وفضل مؤلفها عن التعرض لحالها وحاله.
البحار 1: 34.
المولى عبد الله الأفندي: العالم الفاضل الكامل الفقيه المعروف بالكفعمي، من أجلة علماء الأصحاب… له يد طولى في أنواع العلوم سيما العربية والأدب، جامع حافل كثير التتبع في الكتب.
رياض العلماء 1: 21.
العلامة الخوانساري: الشيخ العالم الباذل الورع الأمين والثقة النقة الأديب الماهر المتقن المتين.
روضات الجنات 1: 20 المحدث القمي: كان ثقة فاضلا أديبا شاعرا عابدا زاهدا ورعا.
الكنى والألقاب 3: 95 العلامة المامقاني: من مشاهير الفضلاء والمحدثين والصلحاء والمتورعين، وكان

(١٨)

بين زماني الشهيدين رحمهما الله، ووصفه في فهرست الوسائل بالورع، وعدالته لا تكاد تحتاج إلى بيان.
تنقيح المقال 1: 27.
السيد الأمين: وكان واسع الاطلاع طويل الباع في الأدب سريع البديهة في الشعر والنثر كما يظهر من مصنفاته خصوما من شرح بديعيته، حسن الخط.
أعيان الشيعة 2: 185.
السيد الصدر: هو العالم الكامل المعروف بالكفعمي.
تكملة الأمل: 76.
العلامة الأميني: أحد أعيان القرن التاسع الجامعين بين العلم والأدب الناشرين لألوية الحديث والمستخرجين كنوز الفوائد والنوادر، وقد استفاد الناس بمؤلفاته الجمة وأحاديثه المخرجة وفضله الكثير، كل ذلك مشفوع منه بورع موصوف وتقوى في ذات الله إلى ملكات فاضلة ونفسيات كريمة، حلى جيد زمنه بقلائدها الذهبية، وزين معصمه بأسورتها، وجلل هيكله بأبرادها القشيبة، وقبل ذلك كله نسبه الزاهي بأنوار الولاية المنتهي إلى التابعي العظيم الحارث بن عبد الله الأعور الهمداني، ذلك العلوي المذهب، العلي شأنه، الجلي برهانه، الذي هو من فقهاء الشيعة…
الغدير 11: 213.
المقري: وما رأيت مثله في سعة الحفظ.
أعيان الشيعة 2: 185، نقلا عن نفح الطيب 4: 397.
الزركلي: أديب من فضلاء الإمامية…. له نظم ونثر.
الأعلام 1: 53.
كحالة: مفسر محدث فقيه أديب وشاعر.
معجم المؤلفين 1: 65 *

(١٩)

مولده ووفاته:
لم يذكر أحد ممن ترجم الشيخ الكفعمي من الأوائل تاريخ ولادته ووفاته، على عادة أصحابنا في التهاون بتاريخ المولد والوفاة ومعرفة الطبقات بل مطلق التاريخ، مع محافظة غيرهم على ذلك، مع ما فيه من الفوائد.
وما حدده بعض العلماء من تاريخ ولادته ووفاته استنادا إلى بعض القرائن، فهو إلى الحدس أقرب منه إلى الحس.
بل ما ذكره السيد الأمين في الأعيان 2: 184: من أنه ولد سنة 840 كما استفيد من أرجوزة له في علم البديع ذكر فيها أنه نظمها في سن الثلاثين، وكان الفراغ من الأرجوزة سنة 870.
فهو بعيد عن الصواب جدا، لأن السيد الأمين نفسه قال في الأعيان 2: 185:
وجد بخطه – أي: الكفعمي – كتاب دروس الشهيد قدس سره فرغ من كتابته سنة 850، وعليه قراءته وبعض الحواشي الدالة على فضله، وعد في صفحة 186: من تآليفه كتاب حياة الأرواح، وقال: فرغ من تأليفه سنة 843.
قال السيد حسن الصدر في تكملة الأمل: 81: وفرغ من نسخ كتاب الدروس للشهيد – وهو عندي بخطه وعليه قراءته وبعض حواشيه – 850، ولا أظنه ينقص عن الثلاثين عند فراغه من الدروس، فيكون يوم فراغه من المصباح في حدود 75.
وقال المولى الأفندي في الرياض 1: 22: وله مجموعة كثيرة الفوائد مشتملة على مؤلفات عديدة رأيتها بخطه في بلدة إيروان من بلاد آذربايجان، وكان تاريخ إتمام كتابة بعضها سنة 848 لخمس بقين من شهر رمضان، وتاريخ بعضها سنة 849، وتاريخ بعضها 852.
وعلى قول السيد الأمين يكون الشيخ الكفعمي عند فراغه من تأليف المصباح ابن 55 سنة، مع أنا نراه في قصيدته الرائية في مدح أمير المؤمنين عليه السلام المذكورة في المصباح: 710، يقول:

(٢٠)

شاهد أيضاً

على خطى الحسين (عليه السلام) د. أحمد راسم النفيس

حتى يرتاب المبطلون منكم فيقولوا: لو لم يكونوا على حق ما ظهروا علينا، والله ما ...