الرئيسية / من / طرائف الحكم / محاسبة النفس – الشيخ إبراهيم الكفعمي

محاسبة النفس – الشيخ إبراهيم الكفعمي

قد كان أولى بك أن تحتمي * عن المعاصي حذر النار يا نفس:
ومن العجب أنه لو أخبرك طفل: بأن عقربا في جيبك لرميت بثوبك، أو حية في إزارك لرميت بأطمارك (1).
أفكان قول الأنبياء والأبدال، أقل عندك من قول الأطفال؟! أم صار حر نار جهنم وزقومها، أحقر عندك من العقرب وسمومها؟! ولا جرم فلو انكشف للبهائم علانيتك وسريرتك، لضحكوا من غفلة سيرتك.
يا نفس:
من لا يطعم الدابة إلا في الحضيض (2) لا يقدر على قطع العقبة؟! ومن لا يملك قيراطا من المال كيف يفك الرقبة؟! (3) وكيف بك إذا أمرت بالصعود، على عقبة كؤود (4)، وطرسك (5) موفور من السيئات، وظهرك موقور (6) من التبعات، وأنت مع ذلك عارية (7) عطشانة، حافية غرثانة؟! (8) فلا شك هنالك
(١) قال الجوهري في الصحاح ٢: ٧٢٦ طمر: والطمر: الثوب الخلق، والجمع الأطهار.
(٢) الحضيض: القرار من الأرض عند منقطع الجبل. الصحاح ٣: ١٠٧١ حضض.
(٣) في ج: لا يفك الرقبة.
(٤) عقبة كؤود: شاقة المصعد صعبة المرتقى. اللسان ٣: ٣٧٤ كأد.
(٥) الطرس: الصحيفة. الصحاح ٣: ٩٤٣ طرس.
(٦) أي: محمول. الصحاح ٢: ٨٤٨ وقر.
وفي أ: موفور.
(٧) في أ: عادية.
(٨) من الغرث وهو الجوع. الصحاح ١: ٢٨٨ غرث.
(٤٦)

أن المستريح، أحسن حالا من الطليح (1)، ولا جرم أن المبطئين، أقبح حالا من المسرعين، فاستعدي للآخرة، على قدر هول أرض الساهرة، ولا تكوني ممن يعجز عن شكر ما أوتي، ويبغي الزيادة فيما بقي، وينهى الناس ولا ينتهي.
يا نفس:
ما المانع لك من المبادرة إلى صالح الأعمال، وما الباعث لك على التسويف والاهمال، وهل سببه إلا عجزك عن مخالفة شهوتك، وضعفك عن مؤالفة أئمتك؟ وهب أن الجهد في آخر العمر نافع، وأنه مرق إلى أسعد المطالع، فلعل اليوم آخر عمرك، ونهاية دهرك.
شعر:
ولا ترج فعل الصالحات إلى غد * لعل غدا يأتي وأنت فقيد يا نفس:
غالبي الشهوة قبل قوة طراوتها (2)، فإنها إن قويت لم تقدري على مقاومتها، ومثل ذلك: أن الشهوة كالشجرة النابتة، والصخرة الثابتة، التي تعبد العبد بقلعها أو أمر (3) بنزعها، فمن ترك قلعها وعجز عن نزعها، كان كمن
(١) قال الجوهري في الصحاح ١: ٣٨٨ طلح: وطلح البعير: أعيى، فهو طليح… وناقة طليح أسفار:
إذا جهدها السير وهزلها.
(٢) قال الجوهري في الصحاح ٦: ٢٤١٢ طرا: شئ طري أي: غض بين الطراوة.
وفي أ: ضراوتها، وفي ب: ضر أوقاتها، وما أثبتناه من ج، د، وهو الأنسب.
(3) في أ: وأمر.
(٤٧)

عجز عن قلع شجرة وهو شاب قوي الهمة، فأخرها بعد أمة (1) إلى الضعف وابيضاض اللمة (2)، مع العلم بأن طول المدة تزيد الشجرة قوة وثباتا، وتولي القالع ضعفا وشتاتا.
وبالجملة: ما لا يقدر عليه في الشباب لا يقدر عليه في المشيب، لكن من التعذيب تهذيب الذيب.
شعر:
أتروض عرسك بعد ما هرمت * ومن العناء رياضة الهرم يا نفس:
ما قولك في مريض غمره الأسقام، أشير عليه بترك الماء البارد ثلاثة أيام، ليصح ويتهنأ بشربه مدى الشهور والأعوام، فما مقتضى العقل في افتعال أمر الصبوة (3)، وقضاء حق الشهوة، أيصبر الثلاثة أيام (4) ليتنعم طول عمره؟
أم يقضي في الحال شهوة وطره؟! (5).
وليت شعري أألم الصبر عن الشهوات، وكظم الغيظ عن العقوبات، أعظم شدة، وأطول مدة، أم ألم النار، وغضب الجبار؟!.
(١) الأمة: الحين. المحاح ٥: ١٨٦٤ أمم.
(٢) اللمة بالكسر: الشعر يجاوز شحمة الأذن. الصحاح ٥: ٢٠٣٢ لمم.
(3) الصبوة: جهلة الفتوة واللهو من الغزل. العين 7: 168 صبو.
(4) في ب: أيصبر في ثلاثة أيام.
(5) الوطر: كل حاجة كان لصاحبها فيها همة. اللسان 5: 285 وطر.
(٤٨)

يا نفس:
من لا يطيق الصبر عن قضاء الوطر، كيف يصبر يوم العرض على حر سقر؟! (1).
يا نفس (2):
ولرب شهوة ساعة قد أورثت حزنا طويلا، فكم من أمنية جلبت منية.
شعر (3):
من نال من دنياه أمنية * أسقطت الأيام منها الألف (4) وإياك إياك أن ترضي غير الله وتعرضي عنه، فإنه مانعك من الغير ولا يمنعك الغير منه، والعجب منك كيف تذنبين والشاهد عليك الملك الجبار؟!
وتضحكين ولعل أكفانك قد خرجت من عند القصار؟! (5).
(1) سقر: اسم علم لجهنم، قال تعالى: (سأصليه سقر * وما أدرك ما سقر * لا تبقي ولا تذر * لواحة للبشر * عليها تسعة عشر) المدثر 74: 26 – 30، المفردات: 235 سقر.
(2) في ب: شعر.
(3) في ب: يا نفس.
(4) فتصير الأمنية منية.
(5) القصار والمقصر: المحور للثياب، لأنه يدقها بالقصرة التي هي القطعة من الخشب. اللسان 5: 104 قصر.
(٤٩)

يا نفس:
ومما أعظك به من كلام أمير المؤمنين، وسيد الوصيين: أن الفكر يهدي، والهوى يردي، والشهوات آفات، واللذات مفسدات، والرزق مقسوم، والحريص محروم، والدنيا تضر، والأمل يغر (1)، والأمن اغترار، واليقظة استبصار، والغفلة ضلالة، والغرة (2) جهالة.
يا نفس:
مكاسب الدنيا بالإنفاق، والآخرة بالاستحقاق، والهوى عدو العقل، واللهو من ثمار الجهل، والأعمال من ثمار النيات، والصدقة أفضل الحسنات، والطمع فقر ظاهر، واليأس غنى حاضر.
يا نفس:
السلامة في التفرد، والراحة في التزهد، والساعات تكمن الآفات، والعمر تفنيه (3) اللحظات، والدنيا سوق الخسران، والجنة دار الأمان، والحساب قبل العقاب، والثواب بعد الحساب، والدنيا دار الأشقياء، والجنة دار الأتقياء.
(1) في ب: والأمل يغر والدنيا تضر.
(2) في أ: والعزة.
(3) في أ: بقية.
(٥٠)

شاهد أيضاً

كتاب معرفة الله – السيّد محمّد حسين‌ الحسيني الطهراني قدّس سرّه

أبيات‌ هاتف‌ الإصبهاني‌ّ في‌ تجلّي‌ الله‌ تعالي‌ في‌ كلّ مكان‌ يار بي‌پرده‌ از در و ...