الرئيسية / الشهداء صناع الحياة / ملِكُ الموت والحياة

ملِكُ الموت والحياة

بوارِقُ وبيارِق

في حَوْمَتِهِ الجَامِعَة وحَمْلَتِه الواسِعَة، وهو حائرٌ بين ما تطلُبُهُ الرُّوح ومَا يستَطِيعُهُ الجَسَد، اسْتشَفَّ الشّابُّ الورِعُ عِماد حيْدر التَّقصير المشينَ في أَدائِه الرِّساليّ، واتّهم نفْسَه بالغُبْن الفاضح؛ فالعدوّ الّذي اغتصبَ الجنوب وهجّر قاطنيه، واعْتقل مُناوئيه، وهدَّم المنازلَ وحرَقَ البساتين، هذا الكابُوس الثّقيل بلِ الوحْش المفْترس الرّابضُ على صدْر الوطن المسحوق، ذاكَ الطّاغيةُ الّذي ملَّكه المسْتعمِرون أرْض فلسطين، وعاضَدوه في إطْفاء الثّورات المشتعلة، وسَفْك الدِّماء الفائرة وتحطيم النّفوس والرّؤوس، ذلك العدوان الشّنيع الّذي ابتُليتْ به شعوبنا المستضعَفة، ما كان ليستشري أورامًا خبيثة في الجَسد العربي المنخور، لولا تخاذُلُ ولاة أمورنا المـُطْلَق وصمْت الحكومات المطبِق، وقد رأى بفَراسة المؤْمن النَجيب، أنّ المقاومة الإسلاميّة الّتي نذَرتْ دمَ شبابها لسِقاية شجرة الحرّية المحطَّمة الأغْصان، هي البَصيصُ الّذي اخترقَ حُجُبَ هذه الأمّة الثّكْلى الممحَّصة بِالبَلايا، الممرَّغة بالتُّراب، وعايَن في قَوَافِلِها بَيارقَ النّصر تلوحُ مع أنْوار الفجْر

البازغ على جنوب لبنان وبقاعه الغربيّ.
إنَّ المؤمن العاقلَ لا يَقدِرُ أنْ ينفصلَ عن ضوابط دينه ومُقْتضيات إيمانه، والعزّة الّتي تنمو في الصّدور مع المشاعر والغرائز، وتتغذّى من أنفاس الأمومة الفاضلة وعَرَق الأبوّة الشَّرِيفة، جديرة بالرّسوخ والازْدهار، فالنفْس الّتي لا تملك عِقالَها تعْجَز عن حماية مكاسِبها وصِيانة موازينها.
انْتفضَ قلْبُ الشّيخ عِماد انتِفاضةَ عُصفورٍ بلَّلَه المطرُ، وحملَ هواجسَه اللَّجوجةَ، ورغْبتَه الجامحة إلى مَواقع الدِّفاع المستَعرِة، عارضًا ما يملك من دماء ووَفاء، علَّه يستطيعُ أنْ يدْفعَ بعْض ذلك البَلاء الجسيم، ولم يَجِدِ القادَة الميدانيّون مندوحةً عن إجابته إلى مطلبه الأمثل، وهَدفِه الأفْضل، فانْتَظم الشّيخ الغيور في رِكاب الظّاعِنين إلى مرابِعِ الخُلودِ، مُرابطًا يُتابعُ الدَّورات التدْريبيّة العسْكريّة والمهنيّة فتمكّن خِلال أشْهُرٍ قَليلة، من اكتساب أقْصى درَجات الخِبْرة في تضْميد الجِراح، والإسعاف الأوّليّ، وسلاح الهنْدسة.
وبلغ به إصرارُهُ وَوَلَعُهُ شفيرَ الخطر والكَدَرِ، فانطلق كالسَّهْم المصوَّب بِدقَّةٍ وشِدَّة، مُنْقضًّا على مواقع العُملاء،
ودُشَمِ الدُّخَلاء، النَّافِثةِ أحقادها على الدّاني والقاصي، المتسلِّطَة على القُرى الجنوبيّة الخائرة، تحت وطْأَة القصْفِ الغادر، والاحْتلال الغاشِم.

شاهد أيضاً

جِهَادُ التَبْيين في فكر الإمام الخامنئيّ(دام ظله)

مقدّمة الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد، وعلى آله الطيّبين الطاهرين. يقول ...