ومنهم محمد بن الحسن المهدي القائم بالحق فيملا ” الارض قسطا ” وعدلا كما ملئت ظلما ” وجورا ” باخبار النبي صلى الله عليه وآله بذلك، فقد روى ذلك في الجمع بين الصحاح الست بست طرق (1) ألفاظ متونها مختلفة، ورواه في كتاب المصابيح بأربع طرق (2). وبالجملة هو مما لا يمتري فيه أحد. وباقي أحوالهم وأحوال باقيهم شهيرة غنية عن التعريف، لو فتحنا فيها باب المقال لطال واتسع المجال. والاديب البيب يعرف ما * ضمن طي الكتاب بالعنوان ولقد علم كل الخلق من العامة والخاصة أنه لم يسأل أحد منهم قط فتردد ولا توقف، ولا استشكل أحد منهم سؤالا قط، ولا عول (3) في جوابه على كتاب [ قط ] (4) ولا مباحث، مع أنهم لم يشاهدوا قط مختلفين الى معلم ولا ادعى ذلك عليهم مدع من أوليائهم ولا من أعدائهم، بل كل واحد منهم مسند عن آبائه عن رسول الله (ص). وهذا من أقوى الادلة على اختصاصهم بالمزايا التي يقطع كل ذي لب بأنها من الله تعالى ميزهم بها عن الخلق. ومعجزاتهم الباهرات واخبارهم بالمغيبات مما قد نقله الثقات واشتهرفي كل الازمنة والاوقات. أولئك آبائي فجئني بمثلهم * إذا جمعتنا يا جرير المجامع ثم انهم صلوات الله عليهم مع هذه الاخلاق الطاهرة والكرامات الظاهرة
- غاية المرام ص 697 عن الجمع بين الصحاح الست بسبع طرق. 2. غاية المرام ص 698 عن المصابيح. 3. عولت على الشئ تعويلا: اعتمدت عليه. 4. الزيادة من المخطوطة.
[ 62 ]
والعلوم الباهرة يصونون شيعتهم في الاخذ عنهم والعمل بفتواهم، ولم يزالوا يعيبون على غيرهم ممن قال برأيه اعتمادا ” على استحسان أو قياس وينسبونهم الى الضلال والقول في الدين بغير الحق، ويستخفون رأي من يأخذ عنهم وينسبونه الى الجهل. يعلم ذلك علما ” ضروريا ” صادرا ” عن النقل المتواتر، ومن رام انكار ذلك كان كمن رام انكار المتواترات من سنن النبي وسيرته ومعجزاته. ولا مرية أن النقلة والنقل عنهم تزيد أضعافا ” كثيرة عما نقل عن كل واحد من رؤساء العامة، ومن أنكر ذلك كان كمن أنكر الضروريات من المشاهدات. وإذا اعتبر ذو أدنى عقل وانصاف جزم بصحة نسبة ما نقل عنهم إليهم، فان أنكره كان ذلك مكابرة محضة وتعصبا ” صرفا “. وحينئذ نقول: الجمع بين الاجماع على عدالتهم وتواتر هذا النقل عنهم معه بطلانه مما يأباه العقل ويبطله الاعتبار بالضرورة. وبالله التوفيق. ولقد بحثت مع بعض فضلائهم من أهل فارس وكان ذا انصاف شهير وفضل كثير ولكنه لم يكن يعرف شيئا ” من أحوال الشيعة أصلا لانه هرب مع والده من الشاه اسماعيل الحسيني رحمه الله الى بلاد الهند وبها نشأ، فكان مما قال: ان جعفر الصادق وآباءه عليهم السلام لا يشك أحد في عدالتهم واجتهادهم وغزارة علمهم وان مذاهبهم كانت حقا ” لكن لم ينقل مذاهبهم كما فرعوا على مذاهب هؤلاء، ولو نقلت مذاهبهمم لم نشك في تصويب من اتبعها. قلت له: ان كان مقصودك أن أهل السنة لم ينقلوا مذاهبهم فهو حق لكنه غير قادح فيما الشيعة عليه، لان أصحاب كل امام من ائمتكم لم ينقلوا فروع الامام
[ 63 ]
الاخر ولا فرعوا على مذهبه، وان كان مقصودك أن الشيعة أيضا ” لم ينقلوها ولم يفرعوا عليها فهذا مكابرة في الضروريات المشاهدات، لانهم أحرص الناس على نقل مذاهبهم والتفريع عليها، ونقل مذاهبهم وتفاريعهم عليها ومؤلفاتهم في ذلك اكثر من أن تحصى لا ينكرها ذو بصيرة، لانهم يعتقدون عصمتهم وأن ما يقل لو له هو قول الرسول الذي لا ينطق عن الهوى، لا كأهل السنة الذين يعتقدون أن ما يقوله امامهم بالاجتهاد، وان المجتهد قد يخطئ وقد يصيب، وأصولهم التي نقلوها عنهم تزيد أضعافا ” كثيرة عما نقلتموه عن النبي (ص)، وعندي منها جانب ان شئت أرتكه. فقال: نعم ولكن هم الان نحو ثمانمائة والرجال والوسائط الذين نقلوه غير معروفين، فكيف يحكم بصحة ذلك عنهم. قلت: الجواب كالاول، لان رجال الائمة ومن نقل عنهم الى يومنا هذا كلهم عندنا معروفون قد ألفوا فيها كتبا ” كثيرة في الجرح والتعديل ونقل الاسانيد وتقسيمها الى الصحيح والحسن والموثق والضعيف على أكمل الوجوه، بل علماؤهم لا يقبلون الا رواية من نص على توثيقه، لان الشرط عندهم علم العدالة لاعدم العلم بالقسق كما يقوله أهل السنة، وعندي من كتب رجالهم شئ ان شئت عرضته عليك. فسكت ولم يجب بشئ. (اصل) وقبيح بذي العقل أن يترك أحاديث أهل بيت نبيه ودينهم بعد ما تلوناه من شأنهم، وهو قليل من كثير اذلسنا هنا بصدد استقصائه، ويأخذ معالم دينه عن جماعة ظهر منهم الفسق والكفر، اما نبص من الله أو بنص الرسول أو شهادة بعضهم
[ 64 ]
على بعض اما اجمالا أو تفضيلا. ولنذكر من ذلك انموذجا ” يسيرا ” يكون عذرا ” لنا في رفصهم، ونقتصر من ذلك على ما جاء في القرآن العزيز أو رووه هم في صحاحهم لتكون الحجة أو قبح دون ما نحن تقردنا بنقله. أما الا جمال فيكفينا القرآن شاهدا “، حيث أخبر سبحانه وتعالى بفرارهم من الزحف وهو من اكبر الكبائر في قوله تعالى (ويوم حنين) (1) الاية، وكانوا اكثر من أربعة آلاف رجل، فلم يتخلف معه (2) الا سبعة أنفس علي والعباس والفضل ابنه وربيعة وسفيان ابنا الحارث بن عبد المطلب واسامة بن زيد وعبيدة ابن ام أيمن، وأسلمه الباقون الى الاعداء والقتل، ولم يخشوا العار ولا النار، وآثروا الحياة الدينا، ولم يستحيوا من الله تعالى ولا من نبيه وهو يشاهدهم عيانا “. وقد فروا من الزحف في موارد أخرى كثيرة لا تخفى على أهل النقل. وقال الله تعالى (وإذا رأوا تجارة أو لهوا ” انفضوا إليها وتركوك قائما “) (3)، رووا انهم كانوا إذا سمعوا بوصول تجارة تركوا الصلاة معه. فإذا كانوا معه – وهو بين أظهرهم – بهذه المثابة كيف يستعبد منهم الفسق بل الكفر بعده ميلا الى هوى أنفسهم في طلب الملك وزهرة الحياة الدينا، وقد قال تعالى (وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل أفان مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا) (4). فلو لا علمه
1. سورة التوبة: 25. 2. أي النبي صلى الله عليه وآله. 3. سورد الجمعة: 11. 4. سورة آل عمران: 144.