الرئيسية / القرآن الكريم / أسوار الأمان في صيانة المجتمع من الإنحراف على ضوء سورة الحجرات

أسوار الأمان في صيانة المجتمع من الإنحراف على ضوء سورة الحجرات

27)

وينقسم المجتمع حسب مفهوم الآية إلى ثلاث فئات:

الأولى: فئة الملتزمين والمؤدّبين مع الله ورسوله ومن اقتدى بهم فهؤلاء قد مدحهم القرآن ﴿لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾. وهؤلاء هم الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى.

 

الثانية: فئة الذين لم يراعوا آداب العلاقة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بل أساءوا الأدب معه في حياته وبعد مماته فهولاء ذمّهم القرآن الكريم وهم من الذين أحبط الله تعالى أعمالهم.

 

الثالثة: فئة مسكوت عنها، وتأخذ الحكم المناسب حسب مراعاتها أو عدم مراعاتها للآداب مع الله ورسوله.

 

2- مراعاة الآداب اللحظية والآنية لا يدل على عمق التقوى بل لا بد من الاستمرار في الآداب مع الله تعالى ورسوله، لأنّ الله تعالى يقول: ﴿يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ﴾ وهي فعل مضارع يدل على الدوام والاستمرارية بلحاظ الزمان ويشمل حال حياته وما بعد مماته.

 

3- الهدوء بالخطاب ونبرات الصوت بشكل عام هو أدب ينبغي مراعاته في كل كلام، لأنّه يؤثّر على قيمة الكلام والمتكلّم لأنّ الهدوء في الكلام ينعكس على شخصية المخاطِب فيؤثّر في فهم المخاطَب، وهناك بعض موارد الاستثناء تُحدَّد بحسبها كالحرب وإظهار القوة وإرعاب العدو وما شابه ذلك ولكن يبقى الأساس هو الهدوء والرزانة في الكلام.

 

4- إنّ التقوى والإيمان لا تلازم الامتناع والعصمة عن المعصية – نعم بعض مراتب التقوى تلازم ذلك كالمرتبة المختصّة بالمعصوم وهي خارجة عن مورد الآية-ولكن هؤلاء لو ارتكبوا ذنباً فإنّهم سرعان ما يتوبون ويرجعون إلى الله تعالى: ﴿لَهُم مَّغْفِرَةٌ﴾.

 

 

5- في الآيات القرآنية أينما وردت لفظة ﴿مَّغْفِرَةٌ﴾ و﴿وَأَجْرٌ﴾ تكون المغفرة سابقة للأجر، لأنّ الإنسان إذا لم يتطهّر من ذنوبه لا يمكن أن يكون مورداً للعناية والرحمة الإلهية المتمثّلة بالأجر، وهذا يؤكّد على فكرة أهمية التوبة وديمومتها في كلّ الأعمال حتى لا تكون ذنوبنا من موانع تلقّي الرحمة والفيض الإلهي.

 

 

للمطالعة

 

رحمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

قال الإمام العسكري عليه السلام: “قال موسى بن جعفر عليهما السلام: إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمّا قدم المدينة كثر حوله المهاجرون والأنصار، وكثرت عليه المسائل، وكانوا يخاطبونه بالخطاب الشريف العظيم الذي يليق به، وذلك أنّ الله تعالى كان قال لهم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾.

 

وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بهم رحيماً، وعليهم عطوفاً، وفي إزالة الآثام عنهم مجتهداً، حتى أنّه كان ينظر إلى كلّ من كان يخاطبه فيعمد على أن يكون صوته صلى الله عليه وآله وسلم مرتفعاً على صوته، ليزيل عنه ما توعّده الله به من إحباط أعماله، حتّى أنّ رجلاً أعرابياً ناداه يوماً وهو خلف حائط بصوت له جهوري: يا محمد، فأجابه بأرفع من صوته، يريد أن لا يأثم الأعرابي بارتفاع صوته.

 

فقال له الأعرابي: أخبرني عن التوبة إلى متى تُقبل؟

 

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا أخا العرب، إنّ بابها مفتوح لابن آدم، لا ينسد حتى تطلع الشمس من مغربها وذلك قوله عزّ وجلّ: ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ﴾[1] وهو طلوع الشمس من مغربها لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً[2].

[1] سورة الانعام، الآية 2.

[2] البرهان في تفسير القرآن، هاشم البحراني، ج1، ص 298.

شاهد أيضاً

[ يا أَيُّها الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الْبَطَلُ ] – قصيدةٌ من ديوان السّباعيّ الذّهبيّ في الشّعر العربيّ

[ يا أَيُّها الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الْبَطَلُ ] – قصيدةٌ من ديوان السّباعيّ الذّهبيّ في الشّعر ...