فقد ورد في الكتاب الكريم على لسان يعقوب عليه السلام أنّه قال لموسى عليه السلام:﴿ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ﴾ 10.
9- الكافي، الشيخ الكلينيّ، ج 5، ص 289.
10- سورة القصص، الآية: 27.
هذه الآية يُستفاد منها بيان استحباب تسهيل المستأجِر المعاملة على العامِل فلا ينبغي التشديد عليه ولا أن يشقّ عليه، فقد ورد في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّ المؤمن: “سهل القضاء وسهل الاقتضاء”11 ، ومن السهولة في القضاء:
– عدم تأخير إعطائه أجره.
وهذا من الأمور الهامّة أيضاً الّتي أكّدت عليها الشريعة المقدّسة، وهنا أيضاً بالغت الشريعة في الحثّ على التعجيل وعدم التأخير حيث إنّها لم تكل ذلك إلى الصدق العرفيّ كما هو ديدنها في الكثير من العناوين والمفردات الشرعية بل حدّدت هي المصداق لعدم التأخير، فقالت على لسان الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم:
“أعطوا الأجير أجره قبل أن يجفّ عرقه”12.
“أعطوا الأجير أجره ما دام في رشحه”13.
ولا يخفى على منصف ما لهذا الحكم الشرعيّ من أبعاد أخلاقية راقية، ومراعاة لأدقّ المشاعر والظروف، وتفكير بالآخرين.
أ – كأنّ السرور الّذي يُحدثه استيفاء الأجير لأجره مباشرة عقب العمل وقبل جفاف عرقه يُذهب عنه عناء كدِّه في ذلك العمل.
ب – إنّ الإيفاء السريع يستجلب المودّة بين العامل وصاحب العمل؛ فمع أنّ العامل لا يأخذ إلا حقّه إلا أنّ الوفاء السريع بنفسه هو نوع إحسان، وهذا ما بيّنه الإمام الرضا عليه السلام بقوله: “.. ثمّ أعطيته أجرته حمدك على الوفاء”14 ، فإذا سألت: لماذا الحمد على شيء يستحقّه؟ أجابك: على الوفاء.
11- من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج 3، ص 196.
12- الخلاف، الشيخ الطوسي، ج 3، ص 486.
13- ميزان الحكمة، الريشهريّ، ج 1، ص 26.
14- الكافي، الشيخ الكلينيّ، ج 5، ص 289.
ج- هذا يشجّع العامل على العمل مع المستأجر مرّة أخرى، فإذا ساد هذا الخُلق ساهم في تسهيل التعامل، وبالتالي في تسهيل الحركة الاقتصادية في المجتمع، بخلاف ما لو كان المستأجِر معروفاً بالمماطلة في الدفع فإنّ كلّ شيء ينعكس.
د- لعلّ العامل يكون فقيراً لا يدّخر من المال شيئاً، فهو يحتاج إلى أجرة عمله يوماً بيوم، فمع عدم استيفاء أجرته قد يضطرّ إلى الاقتراض، أو إلى تأخير الحصول على احتياجاته.
فانظر أيّها المؤمن إلى ما منّ الله عليك من شريعة عذبة وجدانية، مفعمة بالقيم الأخلاقية والمعاني الإنسانية، والإحساس بالآخر ومراعاة أدقّ مشاعره وظروفه !!
فلا تُفرِّط بها وطبّق أحكامها شاكراً الله تعالى على ما هداك إليه.