بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير، البدر الساطع المنصور المؤيّد أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، واللّعنة الدائمة على أعدائهم ومنكري فضائلهم إلى قيام يوم الدين.
اللهم ربّنا وفقنا وجميع المؤمنين، واجعله خالصاً لوجهك الكريم يا أرحم الراحمين.
في البداية أشكر الأخ السيد العميد والمعاون في جامعة الكوفة، كما أشكر مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي عجل الله فرجه، وبالخصوص الأخ العزيز سماحة حجّة الإسلام والمسلمين السيد محمد القبانجي وباقي الاخوة الذين تجشّموا العناء في تهيئة الظروف المناسبة للحديث عن سيدنا ومولانا بقية الله في الأرض عجل الله فرجه.
مفهوم الدولة:
عندما نعنون الحديث والبحث عن التقدّم الحضاري في دولة الإمام، فإنّ العنوان يتحدّث عن جانب من جوانب ما يظهر ويتجلّى في دولة صاحب الأمر.
تلاحظون العنوان يتحدّث عن التقدم الحضاري، كما أنّه يتحدّث عن الدولة الخاتمة للإمام، وعندما تريد أن تتحدّث عن الدولة كمفهوم سياسي وأثر الدولة في بناء المجتمع المتقدّم، أو بالعكس أثر الدولة في تأخّر الإنسانية، فإن هذا الموضوع بنفسه يحتاج إلى حديث مفصّل ومستقل، بمعنى ما هو دور الدولة في بناء المجتمع الصالح وفي بناء الإنسان الصالح، هل هنالك معادلة طرديّة أو عكسيّة بين المجتمع الصالح وبين الدولة الصالحة أو ليس هنالك علاقة؟
هذا تصوّر قد أخذ في مجمل أبحاث تحدّثت عن الدولة وأثر الدولة في المجتمع، لا أريد أن أتطرّق إلى كل ذلك البحث وإنّما من المقطوع به أنّ للدولة دوراً كبيراً في بناء الإنسان، بغض النظر عن كل خصوصيات ما يمكن أن يقال في هذا الصدد، وبهذا الصدد، فإن للدولة ـ كدولة وكبناء ـ دوراً في بناء المجتمع الصالح وفي بناء الإنسان الصالح، أما مقدار هذا الدور وحدود هذا الدور وتطوّر هذا الدور، هذا الموضوع بنفسه يحتاج إلى بحث وحديث.
الدولة الإسلامية:
يمكننا أن نعنون حديثاً آخر، عندما نتحدّث عن الدولة الإسلاميّة التي أسّست في عهد النبي صلى الله عليه وآله، وهي أوّل دولة إسلاميّة، بل أوّل دولة في مفهومها المعاصر نشأت في جزيرة العرب، صحيح كانت هناك دول أخرى خارج هذه البقعة الجغرافيّة كالدول التي كانت في الشرق أو في الغرب، مثل الروم أو الفرس أو الغساسنة أو المناذرة إن صحّ عليهم اسم دول، ولكن في الجزيرة العربية تعتبر الدولة المحمّدية التي قام بها النبي صلى الله عليه وآله أوّل الدول بمنظور حضاري بما يؤدّي وبما يملك للدولة من مفهوم.
أمّا أنّ هذه الدولة أخذت منحىً آخر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، هذا المنحى لا أريد أن أتحدث عنه بلحاظ عقائدي وانطلاقة عقائدية ورؤية شيعيّة صرفة، وإنّما أشير إلى أنّ انتكاسة كبيرة قد أصابت هذه الدولة ونقلتها من شكلها الحضاري وبنائها المؤسّساتي إلى الروح القبليّة التي كانت تحكم المجتمع العربي قبل رسول الله صلى الله عليه وآله، ولذلك خسرت الدولة كثيراً من مفاهيمها الاستراتيجيّة، كما خسرت الدولة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله كثيراً من مؤسّساتها على الواقع والواقعيّة، ومن جملتها المؤسّسة القضائيّة التي كانت قد انفصلت عن المؤسّسة التنفيذيّة والتشريعيّه في دولة رسول الله.
لا أريد أن أطيل الكلام إنّما هناك نموذج آخر، أو تطوّر آخر، أو استرداد واسترجاع للدولة في حياة أمير المؤمنين عليه السلام عندما صار خليفة للمسلمين، هذا يحتاج أيضاً إلى بحث أتعرّض أو يحتاج إلى بحث يتعرّض إليه الباحث والمتحدّث لتحديد مفهوم الدولة برؤية إسلاميّة ومفهوم الدولة برؤية عقائديّة مذهبيّة شيعيّة.
خاتمة الدول:
لكن هناك خاتم الدول التي تختم الدول الإنسانية في عقيدة الإماميّة، تكون في آخر الزمان عندما يقوم بتلك الدولة صاحب الأمر عجل الله فرجه، طبعاً يحتاج البحث إلى تأصيل وتوضيح وتأسيس لمفهوم الدولة كدولة من وجهة سياسيّة، سواء كان كمذهب سياسي أو طبق الرؤى العلميّة بعلم السياسة التي تحدّد مفهوم الدولة في عصر الإمام المهدي عجل الله فرجه ومؤسّسات تلك الدولة التي يظهرها صلوات الله وسلامه عليه.
وهذا بحث بنفسه لم أشأ أن أتعرّض لخصوصيّاته في هذا اليوم، وإنّما ألزمني التعرّض إليه عنوان البحث باعتبار أنّني أريد أن أقول أنّ للدولة دوراً بممفهومه العقائدي والسياسي والمذهبي في دولة الإمام وفي حياة الإمام وفي حركة الإمام الخاتم، الإمام المهدي عجل الله فرجه.
هذا الدور سوف يؤثّر في رقيّ الإنسانية والتقدم الحضاري للإنسانيّة، ولذلك عندما تؤسّس تلك الدولة ذات المفهوم المحدّد والمدلول المعيّن سوف تهيئ الأجواء والظروف المناسبة لهذا التطوّر، يعني عندما أريد أن أتحدّث عن هذا التطوّر، لابدّ أن أبيّن العوامل والأسباب الواقعيّة والعمليّة لهذا التطوّر وهو وجود تلك الدولة الخاتمة.
أمّا هذا التطوّر وأبعاد هذا التطوّر سوف نقرؤه من خلال رؤيتين:
الرؤية الأولى: الرؤية الدينيّة المطلقة
وأقصد بالإطلاق هنا ما يقابل الرؤية الدينيّة الخاصّة التي سوف أتحدث عنها، المختصّة بدولة صاحب الأمر عجل الله فرجه.
هناك رؤية دينيّة مطلقة تعبّر أن لو توفّرت تلك الدولة ولو توفّرت تلك الأسس الموضوعيّة سوف ـ بطبيعي الحال ـ يتحقق القسم الثاني الطردي المرتبط بهذا القسم الأول، يعني لو كانت هناك دولة إسلاميّة وكان مجتمع إسلامي وتهيأت الظروف المناخيّة والسياسيّة وغير ذلك من الظروف، حينئذٍ لكان الجانب الثاني من المعادلة يتحقّق بشكل طبيعي، وهذا التحقّق هو التقدّم الحضاري.
يعني هناك ترابط بين وجود دولة إسلاميّة ذات أبعاد إسلاميّة مع وجود تقدّم حضاري، وهذا الذي أشارت إليه مجموعة من الآيات الكريمة التي تحدّثت عن هذه الحالة، وهذا الموضوع يرتبط بما نتحدّث لو وفّرت الظروف المناسبة، نتحدّث بدور الدولة.
من جملة تلك الآيات قوله تعالى: )اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّار) هذا الجزء الأول من الآية، ثم تقول الآية: )يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْرار).
إذن هناك ترابط بين الاستغفار، استغفار الله تبارك وتعالى وبين عملية نزول المطر، وهذا التنـزيل الإلهي للمطر تتمّه الآية الكريمة: )وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهار).(1)
أنظر الوضع المترابط بين مطر السماء وبين ضخامة المال وتداول الثروة أو بقاء الثروة أو تكدّس أو تضّخم الثروة ـ أي شيء تريد أن تعبّر عبّر ـ وبين كثرة البنين وبين أن تمتلئ الدنيا بالجنات، والجنات هنا قطعاً لم يكن المقصود بها جنّات الآخرة وإنّما هي جنّات الدنيا، يعني أن تزدهر وتتطوّر وتتقدّم الزراعة في الأرض.
ثم تتحدّث عن الثروة المائيّة بعد ما تحدثّت عن الزراعة وتحدّثت عن الأسرة وتحدّثت عن عدّة أشياء، تتحدّث عن الثروة المائية فتقول: ويجعل لكم أنهاراً.
هذه الآية تبين هذه العلاقة والارتباط.
اسمع قوله تعالى: )وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْرار)(2)، هذا هو نفس المنطق ونفس المفهوم الذي ذكر في الآية السابقة لكن في مفهوم آخر، فإنّ تكملة الآية تقول: )وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ(، هذه القوّة ومداليل القوّة، سواء كانت القوّة الجسمانيّة أو القوى الأخرى التي تظهر بظهور هذه الخيرات بواسطة الاستغفار.
إذن برؤية عامّة هناك قضايا مترابطة بعضها في بعض، مقدّمات ونتائج استغفروا الله، تكن نهضة حضاريّة شموليّة تشمل جوانب متعدّدة من حياة الإنسان، بل تشمل حياة الإنسان ككل، هذا المفهوم العام.
الرؤية الثانية: الرؤية الخاصّة
هناك مفهوم خاص بعقيدتنا كإماميّة، نعتقد أنّ تحقّق الدولة ـ وإن كان هذا يحتاج إلى بحث خاص ـ تحقّق الدولة بكل مواقعها الحقيقيّة لا يمكن أن تظهر خيراتها إلاّ في دولة صاحب الأمر عجل الله فرجه، فكم هناك من حكومات إسلاميّة تسبق دولة الإمام عجل الله فرجه ويظهر فيها الخير والبركة، ولكن الحكم الإلهي المطلق وتطبيق الحكم الإلهي المطلق منحصر في دولة صاحب الأمر عجل الله فرجه.
ولذلك فسوف تكون مظهريّة تلك الخيرات أتم مظهريّة بتحقق دولة صاحب الأمر عجل الله فرجه، وأعلى مستوى من مستويات الرفاهيّة الإنسانية، وأعلى مستوى حضاري تقدّمي للإنسان سوف تكون في دولة صاحب الأمر، هذا بالمنطق العام.
ولو أخذنا هذا المنطق من خلال الروايات التي وردت وتحدّثت عن دولة صاحب الأمر وعن تلك المظاهر العمرانيّة والحضاريّة في دولة صاحب الأمر، مجمل هذا الوضع ـ والحديث يحتاج إلى تفصيل ـ ينشأ ويؤيّد ما طرحناه من عموميّات.
النظرية الغربية:
قبل أن أتطرق لهذه الخصوصيّات لدولة صاحب الأمر، ألاحظ النظرة الغربيّة التي عشناها في بداية شبابنا عندما ظهرت في العالم العربي وترجمت النظريّات الغربيّة إلى العالم العربي والتخوّفات الغربيّة لمستقبل البشريّة في الأرض، التي كان يعبّر عنها تعبيراً أوضح نظريّة ماركس الذي تحدّث على أنّ البشريّة متقدّمة نحو الدمار والزوال.
هذا البؤس والتشاؤم في الرؤية الغربيّة للدنيا وللبشريّة والعالم جعل الغربييّن يتحرّكون لوضع حلول بديلة عن الوقوع في الهاوية، لأنهم يتصوّرون أنّ الخيرات في الأرض محدودة، وذلك هو مجمل هذه النظريّة الغربية التي تزعّمها ماركس في ذلك الوقت، أنّ الدنيا والأرض تملك خيرات محدودة، فبما أنّ الأرض تملك خيرات محدودة فلابدّ أن يكون الإنسان وجوده السكاني في الأرض محدوداً بمحدوديّة الأرض.
ومن هذا المنطلق، ومن هذه الفكرة نشأت وبقوّة نظريّة تحديد النسل التي دعى إليها الأوربيّون الغربيّون في بداية القرن العشرين وما زالوا لحدّ الآن يؤمنون بهذه النظريّة في تحديد النسل ويدعون إلى تحديد النسل لأجل إيجاد نهاية لهذه التخوّفات وحالة البؤس التي يعاني منها الإنسان الغربي. هذه رؤية.
رؤية ترى أنّ البشريّة في حالة دمار وفي حالة هاوية وفي حالة شقاء، وهذه البشريّة لا يمكن علاجها إلاّ بأخذ مسكنات أوّلية وجرعات لهذه المسكّنات لإيقاف البشريّة من حيث التعداد السكّاني إلى مقدار يمكن للأرض أن تتحمّله. هذه نظريّة.
يقابل هذه النظريّة النظريّة الدينيّة الإسلاميّة، التي تؤمن أنّ الأرض فيها من الخيرات الشيء الكثير، وأنّ ما نراه من الخيرات على هذه الأرض لم يكن كل خيرات الأرض، فهذه الأنهار لم تكن كل قابلية الطبيعة لإغناء الإنسان بالثروة المائيّة، كذلك السماء لم تكن قابليتها فقط هذه الزخّات من المطر، وهكذا بالنسبة للمعادن، وهكذا بالنسبة للثروات الطبيعيّة الأخرى.
فإنّ الرؤية الدينيّة تقول: إن ما هو موجود حاليّاً لم يكن كل الثروة ولم يكن كل الخير ولم يكن كل البركة، بل إنّ الأرض فيها من إمكانيّة أن تعيّش من أبناءها البشر أضعاف وأضعاف هذا العدد السكاّني الموجود على الأرض ولكنّ المانع الذي يمنع من إيجاد وظهور تلك البركات هو العوامل الغيبية التي لا يحس بها الإنسان.
تلاحظ أن الفكر المادي عندما يتصوّر أنّ المعادلة كلّها معادلة ماديّة بحتة ولا يوجد هناك دافع وعامل غيـبي يتحكّم بهذه العناصر الماديّة، في الوقت الذي نرى فيه أنّ الدوافع الغيبيّة والعوامل الغيبيّة لا تنحصر فقط في الآخرة والمعاد ويوم القيامة والعوامل اللاّمرئيّة، وإنّما ذلك الغيب وذلك العامل الغيبي مؤثّر حتّى في العوامل الطبيعيّة والأسباب الطبيعيّة.
فإن الآية الكريمة التي قرأناها توضّح أن هناك تواصلاً وتلاحماً بين العامل الغيـبي ـ الاستغفار، ذكر الله، أن ينطلق المجتمع انطلاقة ربانيّة ـ وبين التطوّر الحضاري والعمراني والازدهار بكل أنواعه الذي يعيشه الإنسان، هذا الشيء كان مفقوداً، عندما نريد أن ندرسه لابدّ أن نبرهن عليه، هناك برهان علمي وجداني، هناك برهان تجريبي لست الآن بصدد البرهنة التجريبيّة على هذه الحقيقة الدينيّة، وهو يحتاج إلى وقت مفصّل للحديث عن كل خصوصيّة من هذه الخصوصيّات، وإنّما أشرت إليها إشارة لأنطلق إلى جوانب أخرى من البحث، وهذا الجانب هو عندما أتحدّث عن المخّ والمركز والأساس لتقدّم حضارة الإنسان في دولة الإمام وعصر الإمام عجل الله فرجه.
بركات الدولة المهدوية:
لو أردنا أن نقرأ الروايات، وهنا بشكل مجمل أوضّح لك حقيقة أنّ التقدّم بدولة صاحب الأمر ورد في روايات كثيرة، وسنذكر هنا جملة من تلك الروايات بأسانيد عامية، فإن الروايات التي وردت بأسانيد شيعية كثيرة جداً، ولكن من باب المحاججة نذكر بعض الروايات بأسانيد عامية ـ وهي كثيرة أيضاً ـ لتكوّن رؤية أكثر استيعاباً بما هو موجود في المذاهب الأخرى وبما روي عن النبي صلى الله عليه وآله.
يقول اخواننا السنّة في كتبهم وهم يتحدّثون عن دولة المهدي عجل الله فرجه:
من جملة تلك الروايات رواية حذيفة بن اليمان عن رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يتحدّث عن المهدي، والرواية طويلة جدّاً لكن أنقل لك هذا المقطع: يقول صلى الله عليه وآله: «يفرح به أهل السماء والأرض، والطير والوحش والحيتان في البحر، وتزيد المياه في دولته، وتمد الأنهار، وتضاعف الأرض أكلها، وتستخرج الكنوز».(3)
فيفرح به أهل السماء والأرض بمستوىً واحد، ما يشمل أهل الأرض يشمل أهل السماء وما يشمل أهل السماء يشمل أهل الأرض، وهذا يحتاج إلى رؤية علميّة غيبيّة، قلنا: الغيب متفاعل في الشهود في الأرض في الدنيا، تفاعل السماء التي هي عالم من عالم الغيب ببعض أوجهها مع الأرض التي هي عالم الشهود وعالم الظهور وعالم الواقع والوجدان والحضور، هذا التفاعل الثنائي معه الرواية تقول: فيفرح به أهل السماء والأرض والطير، هذا البعد الآخر، والوحوش والحيتان في البحر، وهذا يحتاج إلى حديث يتعلّق عن أثر دولة الإمام المهدي عجل الله فرجه ودور دولة الإمام المهدي عجل الله فرجه بتطوّر الحيوان وليس فقط الإنسان.
وأنا لا أريد أن أعلّق على نظريّة دارون وأقول أنّ بعض هذه النظريّة في بعض جوانبها كان صحيحاً، لأن هذا يحتاج إلى بحث اختصاصي تفصيلي، قد نوفّق بالمستقبل إليه، والرواية تقول: وتزيد المياه في دولته وتمد الأنهار وتضاعف الأرض أكلها وتستخرج الكنوز.
ملخّص هذه الرواية بما يتعلّق مع التقدّم الحضاري والعمراني للإنسان تلاحظ أنّه تزيد المياه تمدّ الأنهار تضاعف الأرض أكلها تستخرج الكنوز، هذه الرواية مع أنّها وردت في كتب اخواننا أبناء العامّة تحدّثت عن هذه المظاهر التقدّمية الحضاريّة لدولة صاحب الأمر.
الرواية الأخرى أيضاً تروى بأسانيد اخواننا عن عبد الله بن عبّاس عن النبي صلى الله عليه وآله يقول في عصر الإمام ودولة الإمام:
«وتأمن البهائم والسباع، وتلقي الأرض أفلاذ كبدها. قال: قلت: وما أفلاذ كبدها؟ قال: أمثال الاسطوانة من الذهب والفضة».(4)
وتأمن البهائم، انظر الأمن هو من المواضيع المهمة، فعندما تحدّث عن الثروة المائيّة وعن الزراعة وعن الاقتصاد تحدّث عن الأمن، أهم معلم من المعالم الفاعلة والمحرّكة في تقدّم الحضارة الإنسانية، لا يمكن لأمة أن تترقّى بلا أمن، فقال: وتأمن البهائم والسباع، أي أن هذا الأمن الذي تتحدث عنه الرواية لا يختص بالبشر فقط، وإنما يشمل حتى البهائم، ثم قال: وتلقي الأرض أفلاذ كبدها، عبد الله بن عباس يقول إلى رسول الله صلى الله عليه وآله: وما أفلاذ أكبادها؟ قال: أمثال الاسطوانات من الذهب والفضة، اسطوانات، هكذا تخرج الخيرات هذه رواية.
الرواية الأخرى التي تحدّثت عن هذا الجانب، وهي روايات كثيرة جدّاً في الواقع لكنّي أعنون الحديث بما يناسب المقام.
الرواية يرويها أبو سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وآله بأسانيد اخواننا العامّة، قال صلى الله عليه وآله:
«ينـزل على أمّتي في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم لم يسمع بلاء أشد منه، حتى تضيق بهم الأرض الرحبة، وحتى تملأ الأرض ظلماً وجوراً، لا يجد المؤمن ملجأ يلتجئ إليه من الظلم، فيبعث الله عز وجل رجلاً من عترتي فيملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، لا تدّخر الأرض من بذرها شيئاً إلاّ أخرجته ولا السماء من قطرها شيئاً إلاّ صبّته منها».(5)
انظر أثر الدولة التخريبـي، إذا كانت الدولة مخرّبة كيف تؤثّر تلك الدولة في حياة الإنسان المجتمع وفي حياة الإنسان الفرد، الدور التخريبي في حياة الإنسان من تخريب الدولة، وهو ما يقابل الدور الفاعل الإيجابي في حياة الإنسان والعمراني والتقدّمي في الدولة الخيّرة، ينزل على أمّتي في آخر الزمان بلاءٌ شديد من سلطانهم لم يسمع بلاء أشد منه حتى تضيق بهم الأرض الرحبة وحتى تملأ الأرض جوراً وظلماً ولا يجد المؤمن ملجأً يلجأ إليه من الظلم فيبعث الله رجلاً من عترتي فيملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً يرضى عنه ساكن السماء ـ انظر التقدّم يصعد إلى السماء ـ وساكن الأرض، لا تدّخر الأرض من بذرها شيئاً إلاّ أخرجته ولا السماء من قطرها شيئاً إلاّ صبّته.
طبعاً قلت سابقاً أنّ هذه الروايات كثيرة وإنّما أخذت عينة لما يناسب المقام، كي أرشد إلى جوانب متعدّدة من التقدّم الذي يظهر في دولة الإمام.
وهذا التقدم لم يكن كيفياً، وإنّما هو طبيعي، أي بالقوانين الطبيعيّة وليس بالإعجاز وليس خارق العادة، بل بالقوانين الطبيعيّة سوف يتم هذا التطوّر عندما تفتح السماء أبوابها وعندما يكون الإنسان مؤهّلاً لنزول الخيرات.
تلاحظ من مظاهر التقدّم في دولة الإمام عجل الله فرجه أوّل شيء هو مسألة المياه، الآن ونحن نعيش في هذا العصر، مسألة المياه مشكلة العصر، مشكلة القرن الواحد والعشرين هي مشكلة المياه، والمتوّقع كما تسمعون من الإعلام والاختصاصيين الذين يبحثون عن هذه المشكلة العويصة، لا فقط المشكلة بالنسبة كثروة زراعيّة أو مسألة مهمّة بالحياة الإنسانية، بل انعكاسها على الوضع السياسي العالمي، فإنّ الحروب المتوقّعة بالمستقبل في هذا القرن منشؤها قلّة المياه، لأن هناك جدباً بعضهم يفسّر هذه الحالة بعنوان أنّ الأرض ابتدأت ترتفع حرارتها، فربّما ارتفعت درجة حرارة الأرض ـ بحسب التقارير العلمية نصف درجة إلى درجة ممّا يسبّب هذا الارتفاع للجدب الذي تمرّ به الأرض بشكل عام.
فإنّ من أهم مشكلات العصر الحاضر هي مشكلة المياه، فنحن الآن وإن كنا نعيش في بلاد الرافدين وقد أبعدنا الباري عن هذه المشكلة، إلاّ أنكم لو نظرتم إلى بقية دول العالم لرأيتم هذه المشكلة بوضوح، فالآن إحدى المشاكل في مباحثات السلام بين لبنان وسوريا من جهة وبين إسرائيل هي تقسيم الثروة المائيّة، يعني مسألة المياه مسألة سوف تدخل في السلم العالمي فضلاً عن دور المياه في الزراعة ودور المياه في الاقتصاد ودور المياه في حفظ حياة الإنسان.
لكن هذه الحلول ـ كل الحلول التي تقدّم ـ على نمطين، النمط الأساسي عالمياً أنّ المرتكز العالمي لإيجاد الحلول هو الحلول السياسيّة، وهو تقسيم الثروة المائيّة كالمؤتمر الأخير الذي عقد في أفريقيا لتقسيم ثروة المياه في نهر النيل.
الآن هذا الموضوع موضوع دولي لتقسيم المياه، لكن هذا التقسيم وهذا الحل هو حلّ مؤقّت، فإنّه سوف يوفّر لهم فرصة أخرى للعيش في مياه أقل، لكن عندهم مشكلة يعانون منها في تصوّرهم هي أنّ الأرض قادمة على جفاف كلّي، جفاف مؤثّر في حياة البشريّة ككل، ولذلك يحاولون أن يجدوا حلولاً طبيعيّة أخرى يستغنون بها عن تلف وإتلاف هذا المقدار من المياه، ولم يفلحوا لحدّ الآن إلاّ من جانب واحد، هو جانب الخيال العلمي، أمّا انطلاقة أخرى عمليّة واقعيّة تجريبيّة، فلم يتوصّل الإنسان إلى تجربة عمليةّ لتوفير المياه.
نحن في دولة صاحب الأمر الحل موجود، وهو أنّ السماء سوف تمدّنا بمطر غزير وأنّ الأرض حينئذٍ يفجّر الله فيها عيوناً وأنهاراً، هذه الخيرات التي سوف تكون فيها هذه الأرض لم تكن على نحو إعجازي وإنّما تناسبي، لو فهمنا المعادلة التناسبيّة حينئذٍ نفهم التقدّم الذي يحصل في دولة صاحب الأمر.
انظر بعض القضايا تطرح على الخيال العلمي، كما يقال وكما ترون بما يذكر في هذا الصدد، أنّ أثر الخيال العلمي في الوصول إلى اختراع الآلات المتطوّرة، ولا أريد أن أتطرّق لهذا الموضوع وليس من اختصاصي، وإنّما استشهد به لتوصيل الفكرة، وهو ربّما أنا وأنت نقرأ بعض الروايات وربّما لا نستوعب حدود هذه الرواية، فمرّة نوكلها إلى الإعجاز ومرّة نوكلها إلى ظروف لم يتوصّل إليها الإنسان.
أنا أقول لك بصراحة أن القوانين الطبيعية التي اكتشفناها لحد الآن كبشر، القوانين والتطوّر الطبيعي فضلاً عن التطوّر العمراني والحضاري الذي وصل إليه الإنسان، لم يكن كل اكتشافاته، يعني أن القوانين التي اكتشفناها حاليّاً لم تكن كلّ القوانين التي تملكها الطبيعة، وإنّما هناك قوانين أخرى لم يتوصّل إليها الإنسان في مورد الاكتشاف يظهروه بالخيال العلمي.
هذا الخيال العلمي، ربّما يكون على الأرض نحن على يقين أنّ هناك كثيراً من القوانين الطبيعيّة التي لم يكتشفها الإنسان حاليّاً إنّما سوف تظهر ويظهرها صاحب الأمر عجل الله فرجه، الذي آتاه من العلم ما لم يؤتِ أحداً من العالمين، فالإمام ليس عالماً بقوانين الشريعة فقط أو قوانين اللّغة أو العلوم الإنسانية بشتّى أنواعها وأصنافها، وإنّما الإمام المعصوم عجل الله فرجه عالم بكل قوانين الحياة، سواء كانت على مستوى فيزيائي أو كيميائي أو أي نوع من أنواع تلك القوانين التي تحكم حياة الإنسان والتطوّر الإنساني.
عندما يظهر ويخرج كنوز الأرض، أحد التفاسير لكنوز الأرض أنه ليس المقصود من هذا الكنز هو الكنز من الذهب والفضّة المادّي فحسب، وإنّما قد يكون ـ والله العالم ـ كما تشير إليه الروايات الكثيرة إلى هذا المعنى، وهو أنّ الإمام يظهر مبادئ القوّة وقوانين القوّة وقوانين القدرة يظهرها للإنسان، أي يعطيه تلك القوانين التي يستطيع بها الإنسان أن يوفّر لحياته أفضل العيش وأهنأ العيش وأحسن العيش، أي أنّ الإمام من جملة الأشياء التي يوفّرها هي تلك القوانين.
أعطيك رواية واحدة تشير إلى هذا المعنى، التي تحدّثت عمّا يظهر في دولة صاحب الأمر عجل الله فرجه، هذه الرواية في الخرائج للراوندي، وهو من العلماء الأعلام للشيعة، عن الإمام الصادق عن أبيه الباقر عليه السلام قال:
«إذا قام القائم بمكّة وأراد أن يتوجّه إلى الكوفة نادى مناديه: ألا لا يحمل أحد منكم طعاماً ولا شراباً، ويحمل معه حجر موسى الذي انبجست منه اثنتا عشرة عيناً، فلا ينزل منزلاً إلاّ نصبه فانبجست منه العيون، فمن كان جائعاً شبع ومن كان ظمآناً روي، فيكون زادهم حتّى ينزلوا النجف من ظاهر الكوفة، فإذا نزلوا ظاهرها انبعث منه الماء واللّبن دائماً، فمن كان جائعاً شبع ومن كان عطشاناً روي».(6)
علماً أن عدد الجيش هو عدد ضخم، إذ أن قادة الجيش عددهم 313 قائداً، وقد ورد في بعض الروايات أن كل قائد يشد له الإمام عليه السلام راية على عشرة أو اثني عشرة ألف أو يزيدون، فكم مليون يكون عدد جند صاحب الأمر عجل الله فرجه؟ هذا يعطيك حالة تفاؤليّة لمن يكون معه عجل الله فرجه من حيث الكم، والأمل أن نكون ضمن هذا الكم.
إعجاز الإمام المهدي عليه السلام:
هذا المنطق ربّما نفسّره تفسيراً إعجازياً، فالمعجزة على نوعين:
النوع الأوّل: تبقى دائماً إلى أن يأتي الله سبحانه وتعالى بعلمه، أي تبقى خارقة لقانون الطبيعة، يعني على الدوام والاستمرار.
النوع الثاني: هناك نوع من المعجز يكون نسبياً، مثل السحر الذي كان في عهد موسى عليه السلام يقال أنّ هذا السحر إعجاز لم يكن خارقاً للعادة، وإنّما نسبي بما عجز عنه السحرة في عصره، والمقصود من النسبيّة هنا هو أنّ هناك في الطبيعة قوانين لم يتوصّل إليها البشر في ذلك العصر، والنبي بما أوتي من قوّة بالعلم والمعرفة يستخدم قوّته العلميّة وعلومه التي لم يعرفها باقي البشر لإظهار ذلك الخارق، وحينئذٍ لو سئل: من أين لك هذا العلم؟ فإنه سيقول: من الله سبحانه، باعتبار أنّ الله هو الذي علّمه هذا القانون، وممّا يؤيّد ويؤكّد إعجاز ذلك النبي على نبينا وعلى جميع الأنبياء آلاف التحيّة والسلام.
هناك في حياة الإمام ربّما يقال نوع من هذا الإعجاز، يعني هناك إعجاز ربانّي لا إشكال، كما جرى على يد سائر الأنبياء يجري على يد الإمام المهدي عجل الله فرجه، وهناك إعجاز سبقي، بمعنى تقدّم علمي حصل عليه الإمام لم يحصل عليه السابقون، قد يكون من ذلك حجر موسى عليه السلام الذي يكون مع المهدي عجل الله فرجه.
هذا الموضوع مهم ودقيق لا أريد أن أخوضه بكل تفاصيله، وإنّما بالشكل السريع من أجل إيصال الفكرة، وأمّا الخصوصيّات، فيمكن أن نناقش فيها للتوصّل إلى رؤىً صحيحة تنسجم مع العقيدة الصحيحة.
أريد أن أقول أنّ هناك تقدّم حضاري علمي يسبق الخيال العلمي الموجود حاليّاً، ويطبّق أو ينفذ كثيراً من النظريّات الخياليّة العلميّة، فيكون تطبيقها في دولة صاحب الأمر عجل الله فرجه.
هذا السبق يجعل هناك التقدّم في الزراعة، كما قرأت هذه الآية، إضافة إلى ما تحدثت به الروايات من أنّ الله يجعل في دولة صاحب الأمر الأرض خضراء، فهذه الجزائر والصحاري التي نراها، مثل جزيرة العرب أو جزيرة العراق أو غير ذلك من الصحاري الواسعة في الأرض، هذه الصحاري تتحوّل إلى جنّات وعيون تمتلئ بالخضرة، والخضرة التي تفيد الأرض، كما أنّ هنالك خضرة تفيد حياة الإنسان تعبّر عنها الرواية التي قرأناها عنه عليه أفضل الصلاة والسلام أنّ هذه الأُكل: «وتضاعف الأرض أكلها» حتى النوع سوف يختلف ويتكثّر، هذا السبق أيضاً ربّما للتأكيد بين الأثمار التي لم تكن معروفة في زمان الأئمة عليهم السلام.
على كل حال، هذا بالنسبة للزراعة وبالنسبة للمياه، قالت روايات أنّ هناك مياهاً وأنهاراً جديدة عهد الإمام سوف تشق في الأرض، والإمام سوف يشق نهراً من كربلاء إلى النجف، الرواية هكذا تقول: أنّ الإمام يشقّ نهراً من كربلاء إلى النجف(7)، يعني هذه الصحراء التي تراها حاليّاً ما بين كربلاء وما بين النجف سوف يحييها الإمام عجل الله فرجه مرّة أخرى، هذا التقدّم سوف تمر به البشريّة في عصر الإمام.
والإمام الصادق عليه السلام عندما يذكر هذه المناظر، إنّما كانت معروفة لمعاصريه، ولم يتحدّث عن المناظر الأخرى ليس لأنها لم يشملها التقدّم، بل سوف يشملها، ولكن لأنّ الرواة كانوا ربّما لا يعرفون إلاّ أبعاد ضيقة عن المناطق الجغرافيّة التي يعيشون بها أو التي يمرّون بها.
البعد الاقتصادي:
إذا أردنا أن نرى التقدّم الاقتصادي في دولة الإمام نلاحظ أثر المال في الاقتصاد ـ اقتصاد الدولة، اقتصاد المجتمع، اقتصاد الفرد ـ أثر المال في التطوّر والتقدّم، يعني البعد الاقتصادي في تطوّر حياة الإنسان.
عندما نقرأ الآن في كتب الفكر الماركسي نجدها تتحدّث عن أنّ العامل الأوّل والآخر في التطوّر الحضاري عند الإنسان هو العامل الاقتصادي، يأتيك الإسلام فيجعل هناك عوامل متنوعّة للتطوّر، أهمها العامل الاقتصادي.
وكيف يمكن لهذا التطوّر الاقتصادي توفير الحياة الهانئة والحضارة لتقدّم الإنسان، هذا بنفسه يحتاج إلى بحث مستقل لا أخالني أتمكّن من الحديث عنه، لضيق الوقت.
لكن أريد أن أقول بأن هناك شعب كثيرة من الحديث عن حضارة الإنسان لدولة الإمام، هذا التطوّر الحضاري من حيث المدن وترتيبها وتطورها، أي الجانب العمراني في المدينة وأثر المدينة وبناء المدينة في دولة صاحب الأمر عجل الله فرجه.
كل واحد من هذه المفردات التي طرحتها والتي لم أطرحها، مثل الجانب الأمني، الجانب العسكري، لحاظ بناء المدن، التقدّم العمراني، لحاظ التقدّم في الصناعات، التقدّم في التكنلوجية، كل شيء، كل هذه مسائل تحتاج إلى حديث مفصّل.
وهناك تقدّم يحدث في الإنسان نفسه، أي في قدراته العقليّة، ففي إدراكات الإنسان سوف يحدث تطوّر آخر، أمّا كيف يتم هذا التطوّر في قدرات الإنسان والفرق بينه وبين التطوّر الذي يحدث في الآلة أو في التقدّم التكنلوجي والتقدّم الذي يحدث على الأرض، فهذا يحتاج إلى حديث آخر، أسأل الله التوفيق لي ولكم.
والحمد لله رب العالمين
الأسئلة والأجوبة
السؤال الأول: سماحة السيد تحدّثتم أنّ هناك عدّة دول إسلاميّة تسبق دولة الإمام عجل الله فرجه، ما هي فائدة هذه الدول الإسلاميّة إذا كان تحقّق العدل المطلق محصوراً في دولة الإمام عجل الله فرجه؟ علماً أنّ هناك من المراجع من لا يرى قيام دولة إسلاميّة في الوقت الحاضر؟
الجواب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
السؤال ينشعب إلى قسمين:
القسم الأوّل: ما هي فائدة وجود دول إسلاميّة قبل دولة صاحب الأمر؟
والجواب: من خلال البحث والحديث توضّح أنّ تلك الدول التي تكون قبل صاحب الأمر تكون قوّتها وقدرتها على تنفيذ الإسلام محدودة، يعني القوّة محدودة سواء كانت لظروف دوليّة أو سواء كان لظروف اقتصاديّة تجبر هذه الدولة على أن يكون تأثيرها محدوداً، أو أمور أخرى.
الإنسان المنطقي والعلمي يتوصّل إلى أنّ القدرة في تلك الدول لا تجعلها أن تحكّم الإسلام، فضلاً عن أنّ الإنسان الحاكم إذا لم يكن معصوماً بطبيعته يكون معرضاً للخطأ.
لكن فائدتها تمثّل جزءاً من الخير، فإنّ الخير القليل خير من لا خير، فالخير النسبي وإن كان محدوداً فهو خير، وأمّا عندما أقول: إسلاميّة، لا أقصد به إعطاء نمط خاص وهو النمط الإسلامي، يعني الدولة الفلانيّة إسلاميّة لا أقصد هذه التسميات التي تطلق على بعض الدول من الناحية الرسمية، وإنّما أقول معنى تطبيق الإسلام النسبي بما تهيئه الظروف، بتعبير الإمام الخميني ومؤسّس الدولة الإسلاميّة في إيران ـ كما تعلمون ـ كان يقول: نحن لحدّ الآن لم نطبق الإسلام كلّه وإنّما نسعى لتطبيق الإسلام، وأمّا الإسلام كلّه فسوف يطبق في دولة الإمام المهدي عجل الله فرجه.
القسم الثاني: وهو أنّ بعض المراجع لا يؤمنون بوجود حكومة إسلاميّة.
فالصحيح: ليس لا يؤمنون بحكومة إسلامية، بل لا يدعون للوجوب، يعني لا يجب عليك أن تسعى وتجاهد وتقاتل من أجل إقامة دولة إسلاميّة.
هذه رؤية فكريّة تحتاج إلى وقفة، ومن الطبيعي أن هناك فقهاء قد يكونون يؤمنون بعدم هذا الوجوب، أمّا لو وجدت الدولة الإسلاميّة فلا يسموها بأنّها دولة غير إسلاميّة ولا يسمّونها بأنّها ـ أعوذ بالله ـ مثلاً دولة منافقين أو دولة كفّار إلى آخره، وإنّما دولة إسلاميّة، نعم لم تتوفّر على تلك الشروط المطلقة، لأنّ الإنسان المطلق والكامل يحقق ذلك الأمل في دولة صاحب الأمر عجل الله فرجه.
السؤال الثاني: سماحة السيد الموسوي، يبشّرنا بعض المراجع بأنّ هذا الزمان إن شاء الله زمن ظهور الإمام عجل الله فرجه، فما رأيك فيها؟ ولكوننا شباب نتطلّع لظهوره فما هو دورنا في هذا الأمر، وكيف يكون الاستعداد والمشاركة في دولة الإمام المهدي عجل الله فرجه؟
السؤال الثالث: هل لنا دور في تعجيل أو تأخير ظهور الإمام؟ وما هي الأمور التي تساعد على ظهور الإمام؟ وما هو دور المرأة في تعجيل ظهور الإمام؟ وما هو دور الشباب في تعجيل ظهوره عجل الله فرجه؟
السؤال الرابع: هل هذا الاحتلال الذي عمّ العراق له دور في تعجيل ظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه؟ وهل تعتبر هذه الحروب العلامات في تعجيله؟ وما هو دورنا في هذا الظرف؟
الجواب: بطبيعة الحال كل واحد من هذه الأسئلة يحتاج إلى وقت كامل للحديث عنه، أمّا بشكل مختصر:
نحن كمؤمنين سواء الرجال منا أو النساء مكلفون ـ والكل مكلف ـ أن نسعى بالتهيؤ لصاحب الأمر، والسعي مرّة على نحو الفرد والشخصاني، ومرّة على نحو المجتمع والشكل العام، تهيئة الأمّة، تهيئة الفرد.
الوظائف الشرعيّة محدّدة، كل إنسان يحدّد وظيفته الشرعيّة، أولاً ينطلق من تزكية النفس وتهذيب النفس إلى أن يملأ ذهنه وعقله بالرؤى والعقائد الصحيحة الإيمانيّة، خصوصاً في عصر الفتن، كما نقرأ في الروايات أنّه عصر ما قبل الظهور عصر الفتن، خصوصاً الفتن العقائديّة، يفترض في كل واحد منّا أن يتهيأ للدفاع عن عقيدته والعمل بوظيفته الشرعيّة، إمّا في بناء المجتمع الصالح وإمّا في بناء الأمّة الصالحة الممهّدة لصاحب الأمر.
هناك تمهيد واع بوجود قوى قادرة أن تساند الإمام عجل الله فرجه، هذه كلّها ظروف يحتاج الحديث عنها إلى تفصيل يمنعنا عنه ضيق الوقت.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الهوامش
(1) نوح (71): 10 – 12.
(2) هود (11): 52.
(3) انظر جامع البيان للطبري، ج 15: 17، الكامل لابن عدي، ج 6: 2177، تهذيب ابن عساكر، ج 1: 196، الدر المنثور، ج 4: 250. على ما ذكره معجم أحاديث الإمام المهدي: 1/ 356.
(4) المستدرك للحاكم، ج 4: 514، رواه وقال: هذا حديث صحيح ولم يخرجاه – أي البخاري ومسلم… .
(5) المستدرك للحاكم، ج 4: 465، رواه وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه – أي البخاري ومسلم -، راجع أيضاً كنز العمال للمتقي الهندي، ج 14: 275، ح 38708.
(6) الخرائج والجرائح للراوندي، ج2: 690.
(7) أنظر الإرشاد للمفيد، ج2: 380، كتاب الغيبة للطوسي: 468، ح 485.