قضاء وضروريات بدن الإنسان:
عندما ننظر إلى إحتياجاتنا، نلاحظ أننا محتاجون من كل الجهات. أولاً نحن بحاجة إلى أعضاء البدن، ثم بعد ذلك نحن بحاجة إلى الطعام واللباس والمسكن. ثم إذا ما دقّقنا أكثر نرى أنه من أجل الطعام نحن بحاجة إلى الرياح والمطر، إلى الأرض والشمس، إلى البرودة والحرارة والبذور وغير ذلك.
إننا في صناعة الألبسة نحتاج إلى عدة أمور، بحيث تركب المواد الطبيعية بالشكل المطلوب، ومن البديهي أيضاً أننا بحاجة إلى أمور عديدة أخرى وإلى معادن من قبيل الحديد والنحاس والخشب وغير ذلك. إضافة إلى كل هذا يجب أنّ تلحظوا بدقة العلة الفاعلة أيضاً. إن هذه الأسباب كلها والآلات والأدوات إذا لم يكن لديها الصانع والمنظم والمستعمل لها على الوجه الصحيح، فإنه لا يصدر عنها الأثر المطلوب أي إنه مثلاً إذا لم يقدم المزارع على الزراعة، فإنه لا يترتب على هذه الأسباب كلها أي أثر، لذا فإن الهداية والمعرفة لازمتان أيضاً في العلة الفاعلة وقد زرعهما الله تعالى في أعماق الإنسان. إن التأمل المختصر في ما تقدّم عرضه يوضح بشكل جيّد كيف أنّ الله تعالى قد قضى حاجة الإنسان المادية بهذه الأسباب وكيف أنه يري جميع خلقه، لطفه، ورعايته على أفضل وجه.
لم يهمل إحتياجات الروح أيضاً:
وكما أنّ الله تعالى لم يهمل الجسم، بل هيأ له كل ما يحفظه ويبقي عليه، كذلك الأمر بالنسبة إلى الروح التي هي بمثابة القائد وسلطان مملكة الجسد، فهو لم يهملها بل هيّأ لها كل أسباب الحصول على السعادة الأبدية.
في باطن الإنسان خلق العقل الذي يُعتبر نبي الداخل بالنسبة للإنسان، عمله إيقاظ الإنسان من سكرة الهوى والهوس، وتذكيره بالوقوف بين يدي الله (يوم القيامة والوقوف أمام الله بهدف استجوابه عن أعماله وأفعاله وأقواله) وحمله على التزود للسفر والإستعداد لهكذا سفر مريع، حتى يقدر على تحصيل المعرفة والأعمال اللائقة أكثر فأكثر.
حيث إنّ كل شيء في محله حسن:
إذاً في ما يتعلّق بنظام العالم لو أنّ العقلاء كلّهم أعملوا عقولهم مجتمعين ليقولوا مثلاً: إنّ بنية الجسم البشري لو كانت على نحو آخر لكانت أفضل. إنه من المحال أن تكون له بنية غير هذه التي له الآن أو أجزاء غير هذه الأجزاء فإن كلّ شيء قد جعل محله. جسم العالم الكبير هو أيضاً بتمامه كذلك.
يقول الشاعر ما مضمونه: إن العالم من حيث الإتساق بين جميع أجزائه يشبه العين والخط والخال والحاجب، فكل شيء في محله حسن وجميل.
إنّ كلّ شيء تراه هو في محلّة وذو هدف. نظام العالم من فوقنا… مليارات الكواكب العظيمة هي في حالة دوران وحركة. في هذا الفضاء اللامتناهي لا يصطدم حتى إثنان ببعضهما البعض. لو أنّ إثنين منها إصطدما ببعضهما البعض، وبهذه السرعة التي لكرتنا الأرضية حيث حركتها الدورانية والإنتقالية هي بسرعة أربعة فراسخ في الدقيقة الواحدة، وحركتها الوضعية بسرعة أربعة فراسخ في الثانية الواحدة، فلو أنها إصطدمت وهي في طريقها وبهذه السرعة بواحدةٍ من هذه الكواكب فماذا سيحدث؟
لنتحدث أكثر من ذلك في ما يتعلق بالنظام.