الجهاد في نهج البلاغة
أهداف الدرس
1- أنْ يتعرَّف الطالب إلى سيرة الإمام عليّ عليه السلام في الجهاد.
2- أنْ يتعرَّف إلى فكر الإمام عليّ عليه السلام الجهاديّ.
3- أنْ يتبيّن خصائص وصفات القائد الجهاديّ.
4- أنْ يستظهر صفات المقاتل.
تمهيد
الجهاد ركن أساس في بناء الدولة الإسلاميّة، ومن الأسباب والعوامل المهمّة الّتي قويَ بها الإسلام، وانتشر بها أمره في العالم بأسره من خلال الغزوات والحروب الّتي قام بها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، حيث كان الجهاد في سبيل الله لأجل الدعوة إلى التوحيد وتأسيس الدولة الإسلاميّة في ظلِّ راية النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.
والجهاد في اللّغة مأخوذ إمّا من الجُهد (بالضمّ)، بمعنى الوسع والطاقة، وإمّا من الجَهد (بالفتح) بمعنى المشقّة. وقيل الجَهْد هو المشقّة والجُهد الطاقة، والجهاد هو المبالغة واستفراغ ما في الوسع والطاقة من قول أو فعل1.
وقال صاحب الجواهر الشيخ النجفيّ: الجهاد مأخوذ من الجَهْد – بالفتح – بمعنى التعب والمشقّة أو منه بالضمّ كذلك الوسع والطاقة2.
والجهاد في الشرع هو بذل النفس والمال لمحاربة المشركين أو الباغين على وجه مخصوص، أو بذل النفس والمال والوسع في سبيل إعلاء كلمة الإسلام وإقامة شعائر الإيمان. واهتمّ القرآن الكريم بالجهاد ضمن آياته الكريمة، حيث وردت الآيات الكثيرة الّتي تتضمّن الحديث عن مفهوم الجهاد وثوابه وأهمّيّته، وجهاد المسلمين مع الكفّار والمنافقين. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ
________________________________________
1- لسان العرب، ابن منظور، ج 3، ص 134، مادّة جهد، بيروت، دار الفكر، ومجمع البحرين، ج3، ص30.
2- جواهر الكلام، النجفي، ج 21، ص 3.
عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾3.
ومقتضى الجهاد وقدسيّته أن يتخلّى الإنسان عن ذاته ونفسه وماله وأهله وولده، ويبتعد عن كلّ القضايا الدنيويّة، ويتوجّه إلى رحاب الله وديار الإيمان. وقد قسّم الله تعالى المسلمين إلى فئتين:
فئة مجاهدة وأخرى قاعدة. وفضّل الأولى على الثانية بمراتب كبيرة، قال تعالى: ﴿لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾4.
الإمام عليّ عليه السلام وقضايا الجهاد
يُشكِّل الفكر الجهاديّ للإمام عليّ عليه السلام أحد أهمّ وأبرز سمات شخصيّته القياديّة الّتي استوعبت جميع جوانب القيادة على المستوى الفكريّ والسياسيّ والعسكريّ والاجتماعيّ.. واكتسب الجهاد لوناً مُميّزاً وبُعداً خاصّاً عند الإمام عليه السلام حيث نجده ينظر إليه من منظار أوسع وأشمل ممّا نعرفه ونعلمه من خلال مصطلحات اللغويّين وكلماتهم. يقول عليه السلام: “الجهاد بابٌ من أبواب الجنّة فتحه الله لخاصّة أوليائه، وهو لباس التقوى ودرع الله الحصينة، وجُنَّتُه5 الوثيقة…”6.
________________________________________
3- سورة الصف، الآيتان: 10 و 11.
4- سورة النساء، الآيتان: 95، 96.
5- الجُنّة: الوقاية.
6- نهج البلاغة، الخطبة 27.
وهو عنده وسيلة من الوسائل الّتي تُقرّب الإنسان إلى الله ورسوله، يقول عليه السلام:7
“إنّ أفضل ما توسَّل به المتوسّلون إلى الله سبحانه وتعالى الإيمان بالله ورسوله، والجهاد في سبيل الله، فإنّه ذروة الإسلام”.
وعلى ضوء ما ورد من نصوص في نهج البلاغة نرى قضايا الجهاد تمحورت حول ما يلي:
1- أهداف الجهاد:
في طليعة أهداف الجهاد نشر التوحيد، وإعلاء كلمة الإسلام8، والقضاء على الشرك، وإعزاز الدين، ونصرة الحقّ، وصلاح الأمّة، وعن هذا يقول عليه السلام “وفرض (الله) الجهادَ عِزّاً للإسلام” ، “إنّ الله فرض الجهاد وعظّمه وجعله نصره وناصره، والله ما صلحت دنيا ولا دين إلّا به”9.
2- فضل الجهاد ومنزلته:
بيَّن الإمام عليّ عليه السلام فضل الجهاد وعظمته ومنزلته، وكونه السبيل المؤدّي للفوز برضوان الله تبارك وتعالى وجنّته ونعيمه، ومن ذلك ما ورد في خطبة الجهاد وفيها يقول عليه السلام: “أمّا بعد: فإنّ الجهاد بابٌ من أبواب الجنّة، فتَحهُ الله لخاصّة أوليائه، وهو لباسُ التقوى، ودرعُ الله الحصينة، وجُنَّتِه الوثيقة، فمن تركه رغبة عنه10 ألبسه الله ثوب الذلّ، وشمِلهُ البلاء، ودُيِّثَ11 بالصَّغار والقماءة12 ، وضُرِب
________________________________________
7- نهج البلاغة، ج4، ص55.
8- شرح نهج البلاغة، ج19، ص 88.
9- وسائل الشيعة، الحر العاملي،ج 11, ص9، كتاب الجهاد.
10- أي زهداً فيه.
11- دُيِّث، من دَيَّثه، أي ذلّله.
12- القماءة، الصغار والذل.
على قلبه بالأسداد 13، وأُديل الحقُّ منه14 بتضييع الجهاد، وسيم الخسف15 ، ومُنِع النصف.16.”17.
3- أقسام الجهاد ومراتبه:
ينقسم الجهاد في المنظور الفقهيّ إلى قسمين:
الأوّل: الجهاد الابتدائيّ
وهو جهاد الغزو في سبيل الله، والعمل على نشر الإسلام. وهذا القسم لا بُدَّ فيه من إذن الإمام المعصوم أو نائبه كما هو رأي الكثير من الفقهاء، يقول عليه السلام:”لا يخرج المسلم في الجهاد مع من لا يُؤمَن على الحكم، ولا يُنفِذُ في الفيء أمر الله عزّ وجلّ، فإنّه إنْ مات في ذلك المكان كان مُعيناً لعدوِّنا في حبس حقِّنا والإشاطة بدمائنا، وميتته ميتةٌ جاهليّة”18.
الثاني: الجهاد للدفاع عن الإسلام
وهو الدفاع عن بلاد المسلمين بالنفس والمال. وهذا الجهاد إنّما يكون عندما يدهم المسلمين عدد من الكفّار للاستيلاء على بلادهم أو أسرهم أو أخذ أموالهم أو حريمهم.. وهذا القسم لا يُشترط فيه إذن الإمام المعصوم عليه السلام ولا نائبه العامّ أو الخاصّ.. وهو واجب كفائيّ على كلّ من كان في دفاعه أدنى نفعٌ لصدِّ العدوان عن الإسلام وأهله، وهو المعبّر عنه في الروايات
________________________________________
13- أي ذهاب العقل.
14- أي صارت الدولة للحق بَدَلَه.
15- الخسف، هو الذل والمشقّة.
16- النصف، العدل.
17- نهج البلاغة، ج1، ص 68.
18- وسائل الشيعة، ج11, ص34, باب 2, ح 8.
بالجهاد الأصغر. وقد قسّم الإمام عليّ عليه السلام الجهاد إلى عدّة أقسام بقوله: “الجهاد على أربع شُعب: على الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والصِّدق في المواطن، وشنآن الفاسقين..”19.
وأمّا مراتب الجهاد، فقد جعلها عليه السلام على ثلاث مراتب بقوله: “أوّل ما تُغْلَبُون عليه من الجهاد الجهاد بأيديكم، ثُمّ بألسنتكم، ثُمّ بقلوبكم. فمن لم يعرف بقلبه معروفاً، ولم يُنكر مُنكراً، قُلِبَ فَجُعِل أعلاه أسفله، وأسفله أعلاه”20.