تلازم الهجرة والجهاد
الهجرة والجهاد هما الركنان الأساسيّان اللذان يستند إليهما الإسلام من الناحية الاجتماعية والتربوية، وقد حرص القرآن الكريم على إحاطتهما بقدسيّة خاصّة كلّما تحدّث عنهما، كما أنه عظّم وقدّس درجة المهاجرين والمجاهدين أكبر تعظيم وتقديس.
الهجرة تعني التخلّي عن البيت والأهل والوطن والابتعاد عنها والتوجّه إلى ديار الإيمان حفظاً للدّين من الضّياع. وفي كثير من الآيات القرآنية نرى كلمتي الهجرة والجهاد قد ذكرتا معاً, ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ في الصدر الأول للإسلام، كان المسلمون ينقسمون إلى قسمين هما: المهاجرون والأنصار. فالأنصار هم سكّان المدينة – يثرب – الذين آووا ونصروا، والمهاجرون هم الذين هجروا ديارهم وقدموا إلى المدينة إنقاذاً لدينهم.
والهجرة هي كالجهاد، حكم غير ثابت في الشرع الإسلامي، ولكنه من أركانه الأساسيّة وأحكامه الحيّة، بمعنى أنّ من المحتمل أن تطرأ ظروف تصبح معها الهجرة واجباً شرعيّاً وفرضاً يجب على المسلم أداؤه.
ولقد ورد للهجرة وكذلك الجهاد تفسير آخر غير ما تقدّم، فقد فسّرت الهجرة بهجر المعاصي والذنوب والابتعاد عنها. إذاً، المهاجر من هجر السيّئات. فما هو نصيب هذا التفسير من الصّحة يا ترى؟ وهل أنّ من تلوّثت نفسه بالذنوب ثم تاب وأصلح واغتسل بماء التوبة المطهّر سيصبح بذلك مهاجراً لأنه هجر الذنوب وابتعد عنها؟ لو أخذنا بهذا التفسير لأصبح جميع التائبين في العالم مهاجرين لأنهم هجروا الذنوب والمعاصي ونأوا عنها، أمثال فضيل بن عياض، وبشر الحافي وغيرهما كثير… ولهذا المنحى في تفسير الهجرة شبيه في باب الجهاد أيضاً، حيث إنّ “المجاهد من جاهد نفسه” ، والمجاهد هو من يجاهد النفس الأمّارة بالسّوء وأهواءها الداخلية، ومعروف أنّ الصراع الداخلي موجود باستمرار، قائم بين النفس وأهوائها من جهة، والعقل من جهة أخرى. يقول أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام: “أشجع الناس من غلب هواه” .