منذ أن بدأ «الإخوان المسلمون» في تركيا موجة صعودهم الأخير التي استقرت على آخر اسم اختاروه لحزبهم (العدالة والتنمية)، انطلقت في الغرب والشرق موجة من التحليلات لهذا الصعود الجديد، مع كل محطة نجاح سياسي يسجلها.
وكانت تجمع بين معظم هذه الكتابات ملاحظة «أحلام الإمبراطورية العثمانية» التي تراود زعماء هذا الحزب بشكل خاص، بين القرنين السادس عشر والعشرين (1516- 1918).
وبرغم موافقتي على معظم هذه التحليلات، فقد كنت اعتبر أنها تقع في المبالغة حين تزعم أن تطورات ونجاحات تيار «الإخوان المسلمين» في تركيا، إنما تنطوي على احلام الاستعادة الفعلية للنفوذ والانتشار السياسي العثماني القديم، وأستبعدُ ان يذهب «الإخوان» في تركيا الى هذا الحد من الجموح السياسي.
ومع ملاحظة ارتفاع موجات جنون العظمة والسيطرة لدى زعيم الحزب رجب طيب أردوغان بالذات، بدأت أعدل شيئاً فشيئاً عن اعتراضي على هذه المبالغات، الى ان جاءت الانتخابات النيابية التركية الاخيرة التي كان يطمح فيها اردوغان الى الحصول على غالبية كاسحة، تسمح له بالتفرد الفعلي بالحكم، وبتبديل النظام السياسي في أنقرة الى نظام رئاسي، يتحول فيه اردوغان، عملياً لا نظرياً، الى سلطان صغير يكبر حجمه وحجم طموحاته السياسية داخل دولته وفي محيطها الإقليمي، الى حدود تذكر كثيراً بمدى النفوذ السابق للإمبراطورية العثمانية، التي أنهارت منذ قرن كامل في نهاية الحرب العالمية الاولى.
لكن الصادم التاريخي لأحلام العظمة هذه، جاء هذه المرة من داخل النظام السياسي التركي، حيث نال «الإخوان المسلمون» في تركيا ما سبق أن ناله نظراؤهم العرب، وخاصة في عاصمتهم الاولى والكبرى القاهرة، إثر أحداث الثورة الشعبية التي هبت ذات ثلاثين من حزيران، وأدت الى انهيار كامل لأحلامهم السياسية بعد سنة واحدة من وصولهم الى السلطة، على متن انتخابات ديموقراطية.
لم يهبّ الشعب التركي الى ثورة شعبية، كما حدث في مصر، فيخرج بالملايين الى الميادين العامة، ويستنجد بالقوات التركية المسلحة، كما فعل عرب مصر، بل فضلوا الأسلوب الأكثر هدوءاً واستقراراً، فذهبوا عبر صناديق الاقتراع نفسها، ينتزعون أحلام السلطنة العثمانية من رأس رجب طيب اردوغان وتياره السياسي، الأمر الذي دفعه الى صمت بعد الصدمة، خرج بعده يتحدث بهدوء عن احتمال إجراء انتخابات مبكرة في تركيا، إذا لم تنجح القوى السياسية في تشكيل حكومة ائتلافية قوية.
هذا كان الجواب العملي للقوى السياسية الحية للشعب التركي، على جنون العظمة العثمانية لدى اردوغان، على أنه من المؤكد أن هذه الاحلام كان ينقصها أساساً عامل آخر حتى تتحقق، وهو تَماشي الظروف الاقليمية والدولية المحيطة بتركيا معها.
نقلاً عن موقع السفير