كنا نتوقع أن تحرك الجرائم التي ارتكبها آل سعود ضد أبناء الشعب اليمني، على مدار أكثر من ثلاثة شهور متواصلة، مشاعر الشعوب العربية، لكنها خذلت أبناء اليمن بموقفها المخزي والمذل المتمثل في عدم تحريك أي ساكن للتعبير عن مواقف رافضة ومنددة بالعدوان. تلك الشعوب لم تجرؤ حتى على الشجب والتنديد، وكأن الأمر لا يعنيها، أو أن الشعب اليمني لا ينتمي إلى سكان هذا الكوكب، وليس شعباً عربيا مسلماً تفاعل مع كل ما حدث لتلك الشعوب في أثناء مرورها ببعض الأزمات السياسية. تلك الشعوب أصبحت وكأنها مخدرة ولم تحرك مشاعرها صور القتل والتدمير لليمن وشعبه.
إن توجيه اللوم للشعوب العربية أمر غير معتاد عليه، لكنه جاء إنطلاقاً من واحدية المصير العربي، فما يحدث للشعب اليمني بالإمكان أن يحدث لأي شعب عربي من تلك الشعوب، فليست في مأمن من حكامها، ونحن على يقين أن أبناء الشعب اليمني لم يكونوا ليقفوا هذا الموقف السلبي والصمت المهين الذي وقفته الشعوب العربية تجاه ما يعانيه الشعب اليمني، والأمر اللافت أن النقد دوماً يوجه للأنظمة السياسية وليس للشعوب، لكن الغريب في حالة اليمن أن الشعوب العربية صدمتنا بهذا الخنوع والصمت المهين وهذه السلبية وهذا الذل الذي ترزح تلك الشعوب تحت نيره، فلم تحرك مشاعر تلك الشعوب مناظر الأطفال القتلى الذين تنتشل أجسادهم اللينة والبريئة من تحت أنقاض منازلهم، أو الأمهات اللاتي أحرقت أجسادهن، أو الشيوخ وكبار السن الذين قضوا جراء قصف طائرات العدوان الغاشم، ولم نرَ أي مسيرات أو تظاهرات في دول عربية كانت رمزاً للقومية العربية كمصر التي شاركت في العدوان، بل إن موقفها – حكومة وشعباً – مخزٍ وخانع تحت تأثير بريق الريالات السعودية والدولارات الأمريكية التي ضختها خزينة آل سعود لمصر من أجل كسب تأييدها الرسمي.
لكن يجب التوقف هنا في حالة ما أردنا التفرقة بين الموقف الرسمي والموقف الشعبي، فالموقف الرسمي تم شراؤه بأموال آل سعود، لكن الموقف الشعبي هو الصادم وغير المبرر، فشعب مصر ذلك الشعب الثائر والمنادي دوماً باللحمة العربية والقومية العربية نجده اليوم يسير في فلك نظامه السياسي الذي تثار حوله علامات استفهام كبيرة جدا، فأيا كانت الطريقة التي وصل بها السيسي إلى قصر الاتحادية، لسنا في صدد مناقشتها أو تصنيفها وتحديد هل كانت حركة انقلابية أم تكملة لثورة 25 يناير، فما يهمنا هنا هو الموقف المخزي للشعب المصري الشقيق الذي كنا نعول على موقفه الداعم لحقوق أبناء الشعب اليمني والمطالبة بمحاكمة آل سعود، والانتصاف للشعب اليمني.
ومن هنا ندعو جميع أبناء الشعب العربي أن يفيقوا من سباتهم وخنوعهم لأنظمتهم وذلهم المفروض عليهم من أنظمتهم، فلا والله ما هذه هي الشعوب العربية التي عهدناها في تاريخ الأمة العربية والإسلامية، فعلى مدار أكثر من ثلاثة أشهر ولم تستشعر تلك الشعوب الجريمة الفادحة التي ترتكبها أسرة آل سعود المتخلفة والجاثمة على أنفاس أبناء شعب نجد والحجاز، ثلاثة أشهر ولم تحرك تلك الشعوب ساكناً تجاه ما ارتكبته تلك العائلة من جرائم ضد أبناء الشعب اليمني، ولم نرَ منها أي مواقف تدل على أنها يمكن أن تكون شعوباً حية وتنبض في عروق أبنائها دماء القومية العربية التي ظلت تتشدق بها ردحا من الزمن، فأين المواقف الشعبية؟ وأين منظمات المجتمع المدني العربية؟ وأين الحركات المجتمعية الشعبية التي تضغط على حكوماتها وأنظمتها؟
وهنا لا تعتبر الشعوب الخليجية التي لم تخرج عن كونها – تسير في فلك أولياء نعمتها وساداتها – فهي شعوب ارتضت لنفسها الهوان. فما نتحدث عنه هي الشعوب العربية الأخرى التي خرجت من رحمها ثورات عربية كبرى رفضت الظلم والجور والذل الذي كانت ترزح تحته، كالشعب المصري والجزائري والتونسي وغيرها من الشعوب العربية الأبية التي لم تقبل الضيم والظلم في تاريخها السياسي، لكنها ارتضت اليوم للشعب اليمني القتل والتنكيل بأبنائه.
أين أنتم يا أبناء الشعب العربي؟ وأين مواقفكم الصادقة والداعمة لحقوق إخوانكم من أبناء الشعب اليمني الذي يقتلون كل ساعة وكل يوم تحت مبررات وأسباب رجعية متخلفة أبداها آل سعود ليبرروا ويشرعنوا عدوانهم الغاشم على اليمن؟
ومن هنا أقول لآل سعود ومن سار في فلكهم من أنظمة أو شعوب صمتت وهانت وذلت لهم ولم تستطع قول كلمة حق تجاه عدوانهم البربري: إن الشعب اليمني، حتى وإن لم تظهر لكم كشعوب عربية أي مواقف داعمة ومساندة له ولأبنائه، صامد، بل وقادر على أن يلقن آل سعود وعقالات الخليج دروساً لن ينسوها في الصمود والشجاعة والقتال ورباطة الجأش، فهم أحفاد من نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم من فتحوا أمصار وبلدان فارس وأسبانيا والصين وغيرها من بقاع الأرض، وهم من لم تقبل أرضهم مستعمرا أو غازيا لها طيلة تاريخها السياسي العريق، وهم أصحاب حضارة إنسانية وتاريخية ضاربة جذورها في التاريخ.
المجد والخلود لليمن والعزة والكرامة لأبناء الشعب اليمني الصامد، والذل والهوان للشعوب العربية التي خذلتهم… وحسبنا الله ونعم الوكيل، وحفظ الله اليمن من كل شر ومكروه.
د. مجاهد صالح الشعبي: أستاذ العلوم السياسية في جامعة صنعاء