الرئيسية / تقاريـــر / أمريكا تدير ظهرها للسعودية وتكشف المستور – د. خيام الزعبي

أمريكا تدير ظهرها للسعودية وتكشف المستور – د. خيام الزعبي

أمريكا التي قادت التحالف الدولي بحربها على سورية، وظهورها المباشر في الصراع الإقليمي وتنافسها مع دول الإقليم على سورية؛ تبين مدى تورطها وحلفائها بتمويل وتشكيل القوى المتطرفة والمجموعات المسلحة التي تحرق الأخضر واليابس في سورية منذ العام 2011، وترتكب أبشع الجرائم ضد أبناء الشعب السوري، وسبق وأعلنت فتح قواعد لتدريب هذه المجموعات بإشراف مخابراتها، كما أنها تلعب دوراً واضحاً ضمن إثارة وتأجيج الصراع المذهبي والطائفي الذي يضرب الأمن والإستقرار في المنطقة، وتلعب على أوتار تختارها فتعزل دولاً وتقدم الى الواجهة دولاً أخرى بحسب معاركها السياسية الدولية ومقايضاتها، فعلاقة أمريكا بإسرائيل واللقاءات الأمريكية الإسرائيلية العربية حول دراسة أفضل السبل والوسائل لتحجيم دور إيران في المنطقة ومحاصرة نفوذها، والدور السعودي التركي في سورية والعراق ولبنان ومصر واليمن وليبيا، هذه التدخلات جميعها تخدم مصالح وأهداف أمريكا وإسرائيل في المنطقة.

الأزمة السورية بكل خلفياتها السياسية والعسكرية والإقتصادية لا يمكن أن تكون وليدة اليوم وفق نظرية “الربيع العربي” إن صح القول بأن هذا الربيع موجود فعلاً، فالوثائق التي تناقلتها وكالة الأنباء عن ويكليكس كشفت عن دور مباشر لأمريكا والسعودية في كل ما يجري بسورية والمنطقة بأكملها، كما أثبتت أن هناك تحريضاً وتدخلاً مباشراً من أمريكا وحلفائها لإسقاط الدولة السورية، وإغراق المجتمعات في دوامة من العنف العبثي لإلهائها عن المخاطر الحقيقية التي تهددها مثل الخطر الصهيوني والأطماع الغربية في المنطقة.

الوثائق التي سربت تتحدث بالتفصيل عن ”حمام الدم” الذي تمثله الحرب على سورية، وكشفت عن حقائق عن واقع السياسة السعودية وتدخلاتها الخارجية ودورها في رسم الأدوار، فضلاً عن مئات الحقائق التي اكتشفناها خلال عمر الأزمة. ويأتي سماح أمريكا بتسريب تلك الوثائق، بالتزامن مع التقارب السعودي الروسي، خاصة بعد إتفاقيات التعاون التي تمت بين الرياض وموسكو التي شملت إتفاقية في مجال الطاقة النووية، وذلك رغم الخلافات الواضحة بين الدولتين في الملف السوري، حيث تدعم الرياض إسقاط الرئيس الأسد في حين تلتزم موسكو بتحالفها مع حكومة دمشق.

هذا التغير المفاجئ في العلاقات بين الدوليتن طرح العديد من التساؤلات حول أسباب تغير رؤية الجانب السعودي واتجاهه إلى روسيا برغم الخلافات بينهما، وفسر عدد من المحللين أسباب ذلك إلى غضب الجانب السعودي من إتفاقية التعاون النووي بين واشنطن وطهران، ما جعل السعودية تلجأ إلى روسيا لتوجه صفعة لأمريكا ورسالة تحذير وتهديد تشير إلى وجود حليف آخر معادٍ يمكن اللجوء له، وهذا ما جعل أمريكا تخرج عن نطاق صمتها وتعلن وثائق ويكليكس لتدين بها السعودية، وتجعله قانوناً عليها بأنها راعية الإرهاب وبذلك تدير ظهرها لها، بالإضافة الى الضغط عليها لإعادتها إلى بيت الطاعة الأمريكي ودفعها للسير وفق المخطط الأمريكي المرسوم للمنطقة.

لذلك من المتوقع أن نشهد كثيرا من المفاوضات في الساحة السياسية في منطقة الشرق الأوسط من قبل أمريكا والسعودية من خلال التباعد بينهما بسبب تغير في سياسة الملك الجديد وتخليه عن الدعم الأمريكي وارتمائه في حضن الروس، وهذا يخرج عن الإتفاقيات الإستراتيجية مع الأمريكان التي كانت خلال سنوات طويلة مبنية على التعاون والعمل المشترك، لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا، هل تستجيب السعودية للضغوط الأمريكية؟ أم أنها ستستمر في تغيير تحالفاتها وتتجه نحو الشرق غير عابئة في التهديدات والضغوطات؟ أم ستفتح آفاقا سياسية جديدة في طريقة تعاملها مع السياسات الإقليمية والدولية؟ وهذا يتطلب تغيير سياستها بطريقة تعاطيها مع المشهد الإقليمي الحالي من خلال إنقلاب سعودي على المخطط الأمريكي الصهيوني بإنهاء الصراع والتدخل في سورية ووقف الحرب على اليمن والبدء بتشكيل منظومة للأمن القومي العربي، فضلاً عن إعادة بوصلة الصراع مع إسرائيل وغيرها من الملفات الساخنة في المنطقة.

مجملا… إن هذه الوثائق تكشف عن خمس سنوات من الإقتتال والصراع التي دفع ثمنها المواطن السوري من حياته ودمه في ظل غياب تام للدور الدولي في إنقاذ سورية من شلال الدم التي غرقت فيه، بالتالي فإن الوثائق ستفضحهم وسيبقى اللعب على المكشوف بعد الآن، فالدولة السورية قالتها سابقاً عندما قرأت الوضع العربي وأوضاع المنطقة.

انتبهوا من أمريكا وعملائها كونهم معروفين بكرههم لسورية وحاولوا بشتى الوسائل ضرب سورية من خلال نشر الفوضى وسفك الدماء وزرع روح الطائفية حتى لا تستطيع المؤسسة الأمنية والعسكرية السورية مواجهـة التحديات الخارجية والداخلية والوصول بسورية إلى بر الأمان.

وأخيراً أتساءل: إذا كانت السعودية وجدت البديل للتخلي عن حليفتها والشريك الاقتصادي الأكبر “أمريكا”، فكيف سيكون حال السعودية بعد أمريكا؟

د. خيام الزعبي: باحث سوري متخصص في العلاقات الدولية،