بعد مرور اكثر من اربعة اشهر على بدء الحرب السعودية على اليمن، باتت السعودية مكشوفة اكثر من اي وقت مضى. الجبهة الجنوبية متهالكة خاصةً في محافظات جيزان ونجران وعسير، والجبهة الداخلية تتآكل من جراء تهديدات الارهاب التكفيري متهدد الجنسيات، فمن نافلة القول ان خسائرها الاستراتيجية تفوق الخسائر البشرية والمادية.
قبل التورط في اليمن، كان على اصحاب القرار في السعودية ان يتعلموا من تاريخ الحروب ان الجيوش مهما راكمت من اسلحة متطورة وخصصت عشرات او مئات المليارات من الدولارات سنويا ووسعت من تحالفاتها تهزم جيوش لا شعوب، بمعنى ان الجيوش تهزم جيوش لكنها لا تهزم شعوب. في النهاية الشعوب تنتصر.
الى جانب الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبته في اليمن لما له من تداعيات على العلاقة بين الشعبين، حاولت السعودية عرقلة التوصل الى اتفاق نووي بين ايران ومجموعة 5+1، ليس لان ايران تصنع القنبلة النووية بل حتى تستمر العقوبات، هذا ان دل على شيء إنما يدل على وجود اشكالية عنوانها “عدم الادراك Misperception ” عدم ادراك اصحاب القرار للمبادىء الاساسية التي من خلالها تُدار السياسة الدولية. سوء التقدير يخلق ازمات اما “عدم الادراك” يقود الى كوارث.
بسبب انعدام الإدراك، من الطبيعي ان يرتكب اصحاب القرار في السعودية اخطاء استراتيجية يكون لها تداعيات خطيرة على الوضع الاستراتيجي للسعودية – لا اقصد هنا “الوزن الاستراتيجي” لأنها لا تمتلك اي مقومات تعطيها وزناً استراتيجياً. لو كان اصحاب القرار في السعودية يتمتعون بالحد الادنى من “الادراك” لفهموا ان ايران حريصة على استقرار السعودية اكثر من جيرانهم العرب لأنها تسعى الى احتواء الفوضى التي انتجها التكفيريون وهم في الاصل من انتاج الفكر الوهابي السعودي.
من أين يأتي هذا الـ”عدم الادراك” السياسي؟
لا جدال ان عقيدة “الدولار المقدس” تحكم العقل السياسي السعودي وتشكل المحرك الرئيسي لسياسة السعودية في محيطها الجغرافي وما وراءه، القريب والبعيد. لا يمكن لهذا العقل المتحجر ان يدرك ان السياسة تحكمها المتغيرات، وغير قادر على استيعاب فكرة ان المتغير هو الثابت الوحيد في العلاقات الدولية وفقا لنظرية “الواقعية السياسية Realpolitik” * ودبلوماسية فن الممكن. من تحكم سلوكه عقيدة “الدولار المقدس” يصعب عليه التعاطي مع الواقع المتغير وفهم مؤثرات المتغيرات لا سيما عندما يتعلق الامر بدولة كبرى كأيران لما لها من وزن استراتيجي تفتقده السعودية.
كانت المؤشرات واضحة لكل من يتمتع بالحد الادنى من “الادراك السياسي”، إلا ان القيادة السعودية فشلت في رؤية المتغيرات. كان عليها ان تدرك ان الاتفاق قادم لا محال وان المفاوضات السرية في مسقط لم تكن لمجرد كسر الجليد ولا لتبادل الآراء فقط، بل ايضاً للتفاهم حول الخطوط العريضة للاتفاق النووي. وعندما بات الاتفاق قاب قوسين او ادنى، اعتقد القادة السعوديون ان تأزيم المنطقة بالحرب على اليمن يعطل الاتفاق النووي وتفرض نفسها قوة اقليمية احادية.
ما يجري داخل المملكة وعلى حدودها الجنوبية مفتوح على كل الاحتمالات خاصة بعد استخدام صاروخ الكورنيت، ومن الممكن ان يكون موسم الحاج القادم بداية للإنزلاق نحو الفوضى الكبرى في السعودية. فهل هذا الحراك الدبلوماسي الذي يقوده وزير الخارجية عادل الجبير دليل على استشعار المخاطر؟ اشك بذلك لانه من المؤمنين بقوة “الدولار المقدس” وما قاله في المؤتمر الصحفي في موسكو يعكس عقلية متحجرة. ولو كان لديه الحد الادنى من “الادراك” لرأى ان طهران اقرب من موسكو.