لم يعلن العزاء في هذا العالم على رحابته بسبب رفع الحظر عن ايران وبدء تنفيذ الاتفاق الشامل بين الجمهورية الاسلامية و5+1، الا الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين والكيان السعودي الوهابي الغاصب للجزيرة العربية وبعض الأنظمة التافهة التابعة لهما.. وزاد من عزائهم ان اسواقهم المالية سجلت مع بدء تنفيذ الاتفاق سقوطا حادا.. اللهم لا شماتة!
لم تكن المشكلة في الاتفاق النووي او في رفع الحظر، بل في عقلية تلك الانظمة التي جعلت من الاتفاق الغربي سمَ مهلك لها ولمستقبل سياساتها.. وكنت صرحت في مقالات سابقة بغباء العقل البدوي وانه عقلية أحقاد بعيدة عن البراغماتية والدبلوماسية.. لذلك ـ وقلتها مرارا ـ فأنه لن يحسن الاستفادة من الاجواء الجديدة التي أوجدها الاتفاق بين ايران ومجموعة 5+1، بل انه سيحول الاتفاق الذي تسعى اوروبا وآسيا وأميركا (الشيطان الاكبر) الى أقصى استفادة منه، نعم قلت سيحوله (الغبي الاكبر) الى كارثة بالنسبة له ولمن حوله ونهاية للعالم!
وبغض النظر عما كسبته الجمهورية الاسلامية في ايران في هذا الاتفاق وانطلاق تنفيذه، والذي يحتاج بذاته الى اكثر من مقال، نظرا لفخامة المكسب الذي عبر عنه الرئيس حسن روحاني بـ”الانتصار المجيد” ودخول ايران رسميا الى نادي الدول النووية مع رفع الحظر عنها، واقبال بل هرولة الدول نحوها.. فان أهم تداعياته الاقليمية والدولية، هي:
1- تغليب لغة الحوار في العلاقات الدولية بعد موجة حروب وصدامات ومواجهات، كان الخاسر الأهم فيها هم العرب والمسلمون.. وانعكاس منهجية الحوار هذه على الملفات الاقليمية، بما يؤدي الى عزل واتهام القوى المتطرفة والتي في مقدمتها الكيان الصهيوني و السعودية.
2- ظهور مصالح جديدة في العالم والمنطقة، تقوم على اساسيات يواجهها العالم اليوم، مثل: مواجهة الارهاب التكفيري القادم من الجزيرة العربية، مواجهة تباطؤ النمو الاقتصادي وعودة الحرب الباردة بين الشرق والغرب.
3- الاقرار والاعتراف بنظام اقليمي أمني، يقسم مناطق النفوذ بين القوى الاقليمية، تكون ايران أهم لاعب فيه، وفي أهم نقطة منه (الخليج الفارسي).. وهو ما أكدته حادثة اعتقال قوات المارينز الاميركان العشرة الذين حاولوا الاقتراب من جزيرة “فارسي” الايرانية، ورد الفعل الايراني السريع والدقيق.
4- تفكك الجهات المعادية لايران في المنطقة والتي تقودها جميعاً الغبي الأکبر (السعودية).. لاسباب اقتصادية وأمنية وسياسية تتعلق بالداخل والاداء السعودي من جهة.. ودبلوماسية الانفتاح والتقارب والبحث عن نقاط التقاء يكون الاقتصاد ومحاربة التطرف والارهاب دعامتاها الاساسيتان.
الامر الذي سيؤثر على الملف السوري والعدوان السعودي ـ الاميركي على اليمن ولربما تدهور الوضع السياسي والأمني الداخلي السعودي، خاصة من الحديث الذي تسرب مؤخراً عن نية الملك سلمان استخلاف ابنه “الجنرال الصغير” على العرش.. وما يتبع ذلك من تأثير على أنظمة ربطت مصيرها بالسعودية وفي مقدمتها مصر والامارات والبحرين والسودان.
هذه الحالة الجديدة الناتجة عن تطبيق برنامج العمل المشترك بين ايران و1+5 والتي جعلت كل من الكيان الصهيوني المحتل والمملكة الوهابية السعودية في حالة هستيريا وجنون منذ اكثر من عام تقريباً والتي سعت بالتصعيد والاستفزاز تارة وشراء الذمم وصفقات التسليح والحروب تارة أخرى، الى اجهاضه والحيلولة دونه.. جعلت ورمت بالسعودية وأنظمة اخرى في مهملات الاستراتيجية العالمية والاقليمية.. وأثبتت ان جميع الطروحات والمشاريع التي تقدمت بها هذه الدول لم تلق اي اهتمام من قبل الرعاة والحماة التاريخيين (أميركا ـ بريطانيا ـ فرنسا) لهذه الانظمة المبتدعة في منطقتنا العربية والاسلامية، وهذه من أهم قضايا التي افرزها الاتفاق النووي.. بل وفي ضوء النصائح المتكررة التي توجهها الادارة الاميركية لهم وموجة الاصوات والدعوات والكتابات الغربية المنتقدة لسياسات هذه الانظمة الاقليمية والداخلية، يتضح ان الغرب ملّ من الرهان عليها، وأصبحت مهمة حمايتها مكلفة في ظل تناقص قدراتها الاقتصادية وأموال صناديقها السيادية، بينما مصالحه (الغرب) الاقتصادية والجيوسياسية في مكان آخر.
واذا كانت هستيريا الكيان الصهيوني سببها ان الاتفاق النووي بين ايران و5+1 سيؤدي الى تقوية محور المقاومة الذي تقوده ايران والذي تواجه دويلة الاحتلال صراعاً وجودياً معه.. فان هستيريا الغبي الاكبر (السعودية) ومن معها من البدو، يقوم على:
1. فقدانها الاهمية الامنية والعسكرية في ظل تدني منسوب التوتر واحتمالات المواجهة العسكرية بين ايران واميركا (ومعها اوروبا العجوز).. فهذه الانظمة تعيش على التناقضات وازمة العلاقات الايرانية ـ الاميركية.
2. فشل جميع سياساتها الاقليمية والحروب التي تكفلتها بالنيابة في العراق وسوريا واليمن، رغم كل الحشد الدولي الذي تم توفيره لها وحجم الاموال التي صرفتها والارواح التي أزهقتها والخسائر التي تكبدتها.. كل حروب هذه الانظمة فقدت بريقها عندما شاع وغلب مبدأ الحوار والحلول السلمية اثر الاتفاق النووي.
3. خسائرها الاقتصادية وما ستتحمله لاحقا وخاصة الامارات التي جعلت نفسها في ضوء الازمة الايرانية ـ الاميركية والحظر على طهران، حلقة اتصال اقتصادي (دلَال) للبضائع التي تدخل ايران وكسبت من ذلك الكثير من الاموال والاستثمارات الايرانية التي تقدر بمئات مليارات الدولارات.
ومع استقرار الوضع الاقليمي في بعض محاوره حسب التقسيم الاميركي لقوى النفوذ والهيمنة الاقليمية (سنتحدث عنه في مقال منفصل ان شاء الله) وبالتحديد في حوض الخليج الفارسي وبحر عمان حيث تهيمن عليه الجمهورية الاسلامية.. فان هذا التعامل الايجابي والانعطافة التي تشهدها المنطقة سيقلل من خسائر بلدانها ووقف النزف الذي أحدثته السياسات المجنونة والصبيانية، خاصة في العراق وسوريا واليمن.
رغم انني لا اثق ـ مطلقا ـ بالعقل البدوي.. ان كان له عقل!
نقلاً عن موقع العالم