كشف الخبير بالشؤون الاقليمية والصحافي البارز “ابراهيم الأمين” رئيس تحرير صحيفة “الاخبار” اللبنانية عن مخطّط النظام السعودي الوهابي لـ«إرهاق حزب الله» و كتب في مقال ان الحكم السعودي وضع نصب عينيه هدفاً جديداً في لبنان ، وهو «إرهاق حزب الله» و يريد ذلك بشتى الطرق ، و لو على «جثة» المصالح الاقتصادية للبنانيين جميعاً، وفي مقدّمهم القوى السياسية الموالية لنظام آل سعود.
و کتب “ابراهیم الأمین” : هذه القوى تعبّر عن القلق ، وإن کان مکتوماً فی حالة الرئیس سعد الحریری، فقد اختار النائب ولید جنبلاط التعبیر عنه بطریقة «فجّة»، محذّراً ، على طریقته، من وجود سیاسة للإطاحة بالکیان اللبنانی . ماذا تفعل واشنطن؟ لا تمانع أبداً أی عون لها فی وجه قوى المقاومة. لکنها فی الوقت عینه تحذّر من المساس بالامن اللبنانی. أما حزب الله، فیحافظ على هدوئه، مطمئناً إلى قواه الذاتیة وأحواله فی الإقلیم والعالم .
لم یتوقف بعد قطار الجنون السعودی. النظام الحاکم للجزیرة العربیة، ینوی، بحسب المعلومات المتداولة فی لبنان وعلى ألسنة دبلوماسیین غربیین وعرب، المباشرة بسلسلة إجراءات عقابیة إضافیة بحق اللبنانیین، فی المجالین السیاسی والاقتصادی. وسیکون إلى جانبه النظام الإماراتی، مع سعی إلى حشد أکبر عدد ممکن من الدول العربیة. المعلومات تشیر إلى زیادة وتیرة عملیات طرد اللبنانیین من الخلیج، إضافة إلى «محاولة إیجاد آلیة لمراقبة التحویلات المالیة». ما یصل إلى بیروت من الریاض وأبو ظبی وعواصم أخرى یُقلق بالدرجة الأولى القوى الموالیة للسعودیة، وفی مقدمها الرئیس سعد الحریری.
والأخیر ، بحسب مقربین منه ، بات یرى أن الإجراءات السعودیة مبالغ بها ، وخاصة بعدما وردته «تهدیدات» بإمکان حظر رحلات شرکات الطیران الخلیجیة إلى مطار بیروت ومنه. وبسبب تخوفه من نتائج هذه الإجراءات، آلى على نفسه الالتزام بطریقة والده فی لحظات مشابهة: التخفیف من الکلام ذی المعانی السیاسیة، سواء فی العلن أو فی الاجتماعات المقفلة، والترکیز على الشعارات «الجامعة»، کبناء الدولة وغیره. قوى 14 آذار، وشخصیات سیاسیة من جهات مختلفة، سمعت کلاماً واضحاً من دبلوماسیین أمیرکیین یزعمون فیه أن إدارة بلادهم تعارض کل ما یمکن أن یمس باستقرار لبنان وأمنه.
وکان المتصلون بالدبلوماسیین الأمیرکیین ینتظرون زیارةَ موفدٍ أمیرکی للریاض، یحث حکام السعودیة على عدم اتخاذ إجراءات تمس الأمن والاقتصاد اللبنانیین. لکن هذا الموفد لم یظهر بعد. یقول الأمیرکیون، بحسب مصادر دبلوماسیة وأخرى محلیة، إن واشنطن ملتزمة بصورة «تامة ومتوازیة بأمن السعودیة ولبنان واستقرارهما. وهی تحذر من المس بالاستقرار الأمنی والاقتصادی للبنان».
وهی تقول إنها لا تمانع «إرهاق حزب الله وبیئته، لکن مع الحرص على عدم إغضاب الحزب واستدراجه الى انقلاب کبیر. ولذلك، فهی مع بقاء الحکومة اللبنانیة ومع تسویة فی ملف الانتخابات الرئاسیة». لکن من الواضح أن السعودیین یستفیدون من هذا «الهامش» الواسع جداً، المسمى مواجهة حزب الله، وهو ما رفعت الإدارة الأمیرکیة من مستواه فی الأشهر الماضیة. ویبدو التنسیق السعودی الأمیرکی، أو على الأقل التلطّی السعودی فی الظل الأمیرکی، جلیاً من خلال قرارات العقوبات السعودیة بحق من یصفهم الحکم فی الریاض بالناشطین فی حزب الله، أو الشرکات التی یتهمها بالتابعیة للحزب. فلوائح العقوبات السعودیة شبه مطابقة للوائح الأمیرکیة .
وغیر بعید عن لبنان ، یبرز قلق أمیرکی متزاید من تعقیدات الوضع السعودی الداخلی، ما دفع واشنطن الى خطوات «احترازیة» ، منها :
ــ اللجوء إلى تدخل دائم یمنع انفجار العائلة الحاکمة ویحول دون انهیار المملکة . فالتقاریر الواردة إلى واشنطن تتضمن معلومات یومیة عن الخلافات داخل العائلة، وخصوصاً بین محمد بن نایف ومحمد بن سلمان. ثم إن الموالین للسعودیة فی لبنان، ومنهم الحریری، أفصحوا عن مخاوف على الاستقرار السیاسی فی المملکة، نتیجة ما یعرفونه عن خلافات، وهم یتحدثون عن الدور الأمیرکی الضاغط المانع للانفجار، وخصوصاً بین بن نایف وبن سلمان.
ــ سعی أمیرکی متواصل لاحتواء المشکلات، وخصوصاً مع تزاید الأخبار عن نیة محمد بن سلمان إقناع والده بتنحیة محمد بن نایف وتولیته هو (محمد بن سلمان) منصب ولی العهد. فابن الملك یعرف أن وصوله الى رأس هرم السلطة غیر ممکن إلا فی حیاة والده، فیما یحذر بن نایف من انفجار فی العائلة.
ودفع هذا الأمر دبلوماسیین أمیرکیین إلى الحدیث عن صیغة حل، تقضی بجعل بن نایف ملکاً، مع تقدیم ضمانات لبن سلمان بعدم إزاحته عن ولایة العهد، وتهدئة مخاوفه، لجهة أن ابن نایف لیس لدیه أبناء ذکور، وأن بالإمکان إدخال تعدیلات على صلاحیات الحکام بما یتیح لولی العهد تولی مسؤولیات تنفیذیة رئیسیة، عسکریة وأمنیة واقتصادیة.
ــ توسیع حضور المستشارین الأمیرکیین، بمن فیهم الأمنیون، وافتتاح مکاتب لهم فی مناطق سعودیة عدة، وإدارة «عملیة إحاطة للحکم ومندوبیه».
ــ طلبت الولایات المتحدة، للمرة الأولى، تدخلاً مباشراً لبریطانیا من أجل المساعدة على منع انهیار الحکم السعودی، نتیجة خبرة المملکة المتحدة فی هذا البلد وفی الجزیرة العربیة ونفوذها فی الدول المجاورة.
وهذه الخطوات هی نتیجة لواقع تراه المؤسسات الأمریکیة صعباً، للأسباب الآتیة:
ــ ازدیاد خشیة واشنطن من عدم قدرة الحکم السعودی على المواءمة بین متطلبات الحروب التی تورط فیها، وبین عائدات المملکة المالیة، وخصوصاً فی ظل الحدیث عن أن الحکم سحب حتى الآن نحو 184 ملیار دولار من احتیاطه السیادی. ونقل موقع «بزنیس انسایدر» أمس عن مصرف «بنك أوف أمیرکا میریل لینش» تقدیره أن الاحتیاطی السعودی لن یکفی سوى لفترة تمتد إلى ما بین 3 سنوات و5 سنوات، فی حال استقرار أسعار النفط عند 30 دولاراً للبرمیل، حتى لو خفضت الحکومة إنفاقها بنسبة 25 فی المئة (موازنة عام 2016 تضمنت خفضاً للإنفاق بنسبة 14 فی المئة).
ــ تراجع العائدات المالیة یواکبه رکود اقتصادی ناتج بالأساس من تراجع الإنفاق الحکومی، وهو ما یدفع الى أمرین: الأول، وقف تسلّم المشاریع المتعاقد علیها، لعدم توفر أکلاف المرحلة النهائیة؛ والثانی، وقف إطلاق مشاریع أخرى کانت مقررة. ویدفع ذلك شرکات أجنبیة الى تقلیص حضورها فی السعودیة، وإلى تخفیف عدد العاملین المتفرغین، وهو إجراء یشمل شرکات سعودیة. ودفعت المناخات المقلقة بالحاکم الى تحذیر کبار رجال الأعمال من الاستثمار خارج المملکة، تحت عنوان «منع خروج الرسامیل» من البلاد.
ــ تراجع التصنیف الائتمانی للسعودیة، جعل شرکات مالیة عالمیة، تطلق وللمرة الأولى فی تاریخ المملکة الحدیث، منتجاً مالیاً جدیداً، یقوم على أساس بیع الدولار بستة ریالات سعودیة خلال 40 شهراً .
• کیف ینعکس ذلك على السیاسة السعودیة فی لبنان ؟
رجال السعودیة فی العالم العربی ، ومنهم لبنان، فی حالة إرباك. وربما یبدو سعد الحریری أکثر من یتأثر بالأمر. والسؤال الذی لم یجد کثیرون فی لبنان الإجابة عنه بعد: هل عاد الحریری إلى بیروت وهو على علم بتفاصیل خطة سعودیة للتصعید الشامل؟ أم أنه أتى وبدأت الأمور تلاحقه؟ الثابت حتى الآن أنه کان على علم بوقف العمل بالهبتین السعودیتین إلى الجیش اللبنانی، قبل یومین من إعلان القرار .
کما أنه تدارس مع قیادات فی تیاره ، فی بعض الخطوات الخلیجیة قبل صدورها . نهاد المشنوق مثلاً، کان على اطلاع على بعض التفاصیل، لکنه لم یلجأ الى ابتداع هامش مستقل عن الحریری. وهو الخطأ الذی ارتکبه أشرف ریفی، الذی ذهب بعیداً فی تفسیر وتأویل ما سمعه من جهات سعودیة عن تصعید کبیر فی لبنان. بل إن الحریری یشکو من صقور التیار الذین یوغلون فی التحریض، من دون أن یقدر على قمعهم، بل یجاریهم فی بعض الخطوات، لأنه یخاف غضباً سعودیاً علیه .
ــ السفیر السعودی فی بیروت، علی عواض العسیری، طلب تدخل شخصیات لبنانیة ودبلوماسیین أجانب، لتجنب صدور قرار بإقفال السفارة فی بیروت. واستفاد العسیری من توجه الوفود السیاسیة والشعبیة إلى السفارة، لإظهار وجود دور لها فی بیروت، وإلا لکان من المفترض أن یجری خفض التمثیل الدبلوماسی السعودی، أسوة بحال دولة الإمارات العربیة المتحدة.
• برنامج التصعید
إزاء ما تقدّم ، یستمر الحکم السعودی بسیاسته التصعیدیة ضد اللبنانیین. وهذه السیاسة تتضمن برنامجاً للعمل یشمل العدید من الأمور فی لبنان والمنطقة وفق سیناریو یقود الى الآتی :
أولاً : تصعید التوتر السیاسی و الحملات الشعبیة ضد حزب الله، ورفع منسوب القلق من انهیار نقدی فی لبنان ، علماً بأن معلومات القطاع المصرفی تقول العکس. حتى إن حاکم مصرف لبنان ریاض سلامة أجاب عن استفسارات کثیرین بأن هناک مبالغة من جانب فریق «المستقبل» بشأن تأثیر الخطوات السعودیة الحالیة .
ثانیاً : سعی البعض إلى افتعال مشکلات أمنیة، من شأنها تعزیز العصبیات فی الشارع . لکن الواضح أن هناک خلافات فعلیة بین أرکان «المستقبل» حولها . ویدعم الحریری التیار الداعی الى التعقل، وخصوصاً فی الشمال وبعض مناطق البقاع وبیروت، وذلك خشیة تقدم التیارات المتطرفة للإمساک بالشارع، ما سیجعلها فی مواجهة الجیش والقوى الأمنیة والمستقبل نفسه، ولیس فی مواجهة حزب الله. وتبلّغ الحریری من جهات أمنیة رسمیة بأن حزب الله اتخذ إجراءات أمنیة مشددة لمنع ردود فعل على الإشکالات الأمنیة. کما عمّمت حرکة أمل على قیاداتها بأنها ستشهّر بکل مرتکب وستسلّمه للسلطات .
ثالثاً : تراهن السعودیة فی حالة التوتر الأمنی على صدور اتهامات مباشرة من قبل جهات رسمیة لبنانیة لحزب الله بالوقوف خلف أعمال أمنیة ، وأن یصار الى إثارة هذه المعلومات کاتهام مصدره الجهات الشرعیة اللبنانیة . و ستنقل هذه المعلومات الى الجامعة العربیة وإلى دول مجلس التعاون الخلیجی. ویترافق ذلک مع الجهود الکبیرة التی تبذلها السعودیة وبالتعاون مع دولة الإمارات العربیة والبحرین، وجهات خلیجیة فی الکویت وقطر، وفی دول عربیة أخرى مثل السودان والعراق وسوریا، کذلك مع حلفاء السعودیة فی الیمن، من أجل تقدیم ملف أمنی، یتهم الحزب بالتحضیر لانقلابات فی الکویت والبحرین وحث شیعة السعودیة على الانتفاضة فی المنطقة الشرقیة، وتدریب خلایا والقیام بتفجیرات فی السعودیة والإمارات العربیة المتحدة، ما یجعل حزب الله بمثابة القوة الإرهابیة والإجرامیة التی توجب اعتباره الوجه الآخر لتنظیم «داعش».
ــ تسعى السعودیة بدعم من «إسرائیل» وجهات أوروبیة وأمیرکیة إلى نقل هذا الملف الى مجلس الأمن الدولی ، بغیة الحصول على إدانة ، تصنف حزب الله کمنظمة إرهابیة توجب الملاحقة فی کل العالم، وتبرر أیضاً تعرض قوات الحزب فی سوریا، على وجه الخصوص، لضربات عسکریة على غرار ما تقوم به قوات التحالف الأمیرکی ضد «داعش» فی سوریا والعراق، وضد فروع «القاعدة» فی الیمن وأفریقیا .
• لماذا هدوء حزب الله ؟
من الواضح أن حزب الله ، المعنی الأول بالهجوم السعودی ــ الأمیرکی ــ «الإسرائیلی» لیس فی حالة توتر. وفی جعبته قراءة تشمل العدید من المعطیات، من بینها ما یتصل بالوضع الداخلی، وما یعرفه من «معلومات أکیدة» عن رغبة قوى بارزة فی 14 آذار، بما فی ذلک الحریری، فی التوصل الى تسویة عامة. وقد بلغته معلومات عن أن الحریری لا یعارض ترشیح العماد میشال عون، لکنه یقول إن الأمر لیس بیده بل بید السعودیة، وإنه مستعد لعقد تسویات بات مقتنعاً بضرورتها، وتشمل إدارة الحکومة وقانون الانتخابات النیابیة. وینظر الحزب إلى ما یجری من حولنا بطریقة مختلفة. فهو أولاً، لا یجد أن فی لبنان من یقدر على توفیر غطاء شرعی (حکومی أو نیابی أو قضائی) یجعل من الحزب منظمة إرهابیة أو إجرامیة. کما لدیه ما یبرر تدخله فی سوریا والعراق بأنه جاء بناءً على طلب الحکومتین العراقیة والسوریة، وهو یعمل تحت سقفهما عسکریاً أو استشاریاً .
ویُدرک الحزب جیداً موقعه فی الاستراتیجیة الروسیة الجدیدة فی المنطقة. ویمکن القول، ومن دون مبالغة، إن الحزب یمثل رأس حربة الجیش البری لروسیا فی سوریا. وبالتالی، فإن سعی السعودیین الى جعل وجود الحزب فی سوریا والعراق مشابهاً لوجود «داعش»، یؤدی إلى نتیجة مفادها أن من یرید أن یستهدف قوات الحزب ، یکون کمن یقصف القوات السوریة والروسیة معاً .
لکن حزب الله لا یبنی قراءاته على موقعه فی الإقلیم وتحالفاته فحسب. فاستناداً إلى قوته الذاتیة بالدرجة الأولى، انتصر على کل حروب «إسرائیل» ، وواجه محاولات حصاره سیاسیاً وعسکریاً ومالیاً ، حتى فی ذروة وقوع إیران تحت الحصار والعقوبات . و بالتالی ، کیف یفکر البعض بأن حاله الیوم ستکون أصعب من ذی قبل ، مع وجود المظلة الروسیة فی سوریا، والمظلة الشرعیة فی العراق، وخروج إیران من عزلتها ؟؟