الرئيسية / الشهداء صناع الحياة / الشهيد القائد مهديّ باكري

الشهيد القائد مهديّ باكري

الابتسامة والشهادة

في النهاية، جاء اليوم الموعود، يوم وعد الله، يوم اللقاء النهائيّ، يوم الانعتاق من جميع الآلام والشدائد، من الغربة ونحيب الليالي. اقتربت عمليّات بدر الكبرى، استعدّ القائد، وتجهَّز بأجنحة الشوق للارتحال، فقد شعر بأنّ يوم الوصال قد حان..

ليلة العمليّات، شارك كما جميع الإخوة، في مراسم تقبيل المصحف الشريف، وكان دائمًا يوصي الإخوة: “لا تغفلوا عن ذكر الله، وتوسَّلوا بصاحب الزمان ليكون عملنا لله”.

أطلق السيِّد مهديّ عبر جهاز اللاسلكيّ نداء: “لا حول ولا قوة إلّا بالله..الله أكبر..الله أكبر”، إيذانًا ببدء العمليّات، وسلب عيون الأعداء النوم، وبدؤوا بلا إرادة ووعي بصبّ حمم نيرانهم على المنطقة وفوق رؤوس الإخوة. وتحرّكت القوارب العسكريّة حول جزيرة “مجنون”، وعمّت سماءها المظلمة طلقات الخطّاط والقذائف المضيئة. لم يهدأ ولم يتعب، كان دائم الحركة يشرف على تنظيم القوّات، ويقود فيلقًا ضخمًا.

كان الإخوة يسقطون أمام عينيه الواحد تلو الآخر، ورود تذبل, لتتفتّح من جديد زهرة حياتهم الخالدة.

في مكان آخر، كان الأخ مهديّ بقلبٍ مفعم بالشوق والعشق، يحمل قاذف (R.B.J)، تقدَّم نحو مركز قاعدة العدُوّ، سدَّد باتّجاهها، وأطلق بعزم وطمأنينة قذيفته في قلبها الأسود المظلم. لاحقته نيران العدو، فسقط القائد إلى الأرض لكنّه لم يستسلم، نهض من جديد. كان جسمه مثخنًا بالرصاص والجراح. فتح عينيه، ابتسم، ثمّ أغلقهما إلى الأبد.

تحرّر الطائر من قفص صدره، باسطًا جناحيه، مسافرًا محلِّقًا بوجهٍ باسمٍ إلى الملكوت اللانهائيّ في السماوات العلى. حملوا جثمانه على قارب لنقله إلى الخطوط الخلفيّة، كانت الأمواج تضطرب بشدّة، والقارب يتأرجح ارتفاعًا وانخفاضًا كأنّه ينوح وينشد الوداع. ففي الأشهر الماضية بقي جثمان أخيه حميد داخل المياه ولم يُعثر عليه. والآنَ، وعلى طريق العودة، فضّل باكري البقاء داخل المياه قرب أخيه، حيث أصابت القارب قذيفة ثقيلة، وأحالته قطعًا قطعًا، وذهب جسده مع أجساد رفاقه، ليستقرُّوا معًا في أعماق المياه، في قلب “هور العظيم” العميق، شهداء أوفياء .