على عتبات سوريا تتبدد أحلام أصحاب المؤامرة، وهم يرون تساقطها الواحدة تلوة الأخرى، لقد تصور الغرب أن الأزمة السورية أزمة عادية ويملك مفاتيحها، ويمكن علاجها بأسلوب الإستقطابات التقليدية، وتدخل فيها بأداوت مختلفة، وإنتظر سقوط الثمرة في حجره كنتيجة طبيعية لنضجها، لكن الثمرة سقطت في حجر آخر، فالجيش العربي السوري بمساعدة حلفاؤه إستطاع أن يمسك بزمام الأمور، وبدأت قبضة تنظيم داعش تتخلخل وتنهار في السيطرة على مدينة حلب بعد أن صممم الجيش السوري بإنهائه نهائياً في سوريا والمنطقة بأكملها، فصمود الجيش في الشمال، جعل داعش يضع كل ثقله في المعركة، ليس لأنه يريد توسيع رقعة سيطرته إلى الحدود التركية فحسب، بل لأنه أدرك أن عجزه عن وقف سقوط المدينة بيد الجيش السوري، سيشكل بداية لإنهياره ومن ثم القضاء عليه.
اليوم تشهد مدينة حلب عمليات عسكرية موسعة يشنها الجيش السوري على أوكار الإرهاب من خلال تكثيف الضربات الجوية على معاقل التكفيريين بالتوازي مع عمليات برية وتحركات كبيرة من جميع الاتجاهات، هذا ما أربك المجموعات المتطرفة ودفعها لطلب المساندة والدعم عبر صفحاتها بمواقع التواصل الإجتماعي بعد تعرضها لخسائر فادحة على أيدي رجال الجيش السوري وحلفائه.
في هذا السياق إستعاد الطيران السوري خلال الأيام الماضية في حلب زخمه المعهود، وأنجزت طلعاته الهدف المطلوب منها بدك معاقل وتجمعات المسلحين المتشددين في الوقت الذي واصل فيه الجيش السوري تقدمه على حساب الإرهابيين، فالمعركة التي بدأت قبل نحو ثلاثة أسابيع في شمال وغرب حلب بهدف إكمال الحصار على المتطرفين في شرق المدينة وإغلاق طريق المساعدات التركية الى المتطرفين داخل المدينة الكاستيلو، أي الطريق الذي يستخدمه الإرهابيون لإيصال المساعدات لزملائهم في المدينة، الذي يرتبط بمدينة غازي عنتاب التركية من جهة ويصل الى داخل حلب عبر المناطق الشمالية والشرقية من جهة أخرى، إذ قام الجيش السوري بعملياته العسكرية في المحورين الشمالي والجنوبي للطريق وإستطاع تحقيق السيطرة الكاملة عليه بعد تطهير مزارع الملاح وقطع تنقل الإرهابيين بجميع فئاتهم الى المنطقة الشرقية في حلب، وبذلك إستطاع الجيش السوري التقدم من حي الخالدية باتجاه ساحة الليرمون المهمة الذي تمكن من تطهيرها وطرد الإرهابيين منها، في هذا المجال يؤكد المحللون بأن هناك الألاف من المسلحين الذين يتواجدون في المناطق الشرقية والشمالية بحلب وفي حال تضييق الخناق عليها ومحاصرتها ستكون صفعة مؤلمة وقاسية لجميع القوى المتطرفة والمجموعات المسلحة في حلب.
إن أهم ما يميز هذه العملية عن سابقاتها، هو أن الجيش السوري خلال هذه العملية إعتمد إستراتيجية جديدة من خلال تغيير التكتيك وإستخدام التكنولوجيا الحديثة في كشف وضرب أوكار المجموعات المتطرفة في مختلف مناطق حلب للقضاء عليهم بشكل نهائي وبذلك بدت مسافة بسيطة جداً تفصل الجيش عن مناطق سيطرة داعش وبمجرد إجتيازهم لها ستقصم بها ظهر داعش بشكل كامل بعد إنكسارهم في مناطق أخرى مثل حي الخالدية وقطع خطوط الإمداد عنهم، بالتالي فإن السيطرة على هذه المناطق ستجعل الجيش السوري يزف النصر الكامل على داعش وأدواته في سوريا والمنطقة بأكملها.
من المعروف ان حلب هي المعقل الأخير لتنظيم داعش الإرهابي والتنظيمات المسلحة الأخرى، ونجاح الجيش السوري في تطهير هذه المدينة، سينهي بنسبة 85 % لما يحدث في الأراضي السورية بالكامل وإن تبقت بعض الجيوب في مناطق أخرى فسيكون من السهل القضاء عليها فيما بعد، وفي هذه الحالة لن يكون هناك صراع على الأراضي السورية ولن تستطيع أي دولة التدخل فيما بعد في الشأن السوري.
وإنطلاقاً من ذلك فقد وضع الجيش السوري كل إمكاناته في خدمة ضرب داعش وأعوانه، لما يمتلكه من خبرة وفاعلية وجدارة في الأداء القتالي في مواجهة الإرهاب والتطرف فضلاً عن المعلومات الدقيقة والإحداثيات التي يمتلكها، كل ذلك سيسهل القضاء على هذا التنظيم، ولن تمر أسابيع إلا وتكون مدينة حلب قد تحررت بالكامل ان لم نقل قبل ذلك لأن القصف الذي يتلقاه داعش شديد، وسيجبره على الخروج من حلب الى الأرياف وستلاحقه الطائرات لتضربه أينما ذهب ووجد حتى تقضي على فلوله وإنهاء وجوده في حلب وكل المناطق السورية.
مجملاً….إن داعش بات ضعيفا ونهايته ستكون قريبة جداً، كون أن الجيش السوري المرابط في ساحات القتال يمر بأعلى مراحله وسيتمكن من خلال تكاتف الجميع من هزيمة داعش وإعادة الأمن والإستقرار لمدننا وقرانا.
وتكمن أهمية معركة حلب في أنها دليل واضح على أن الجيش السوري لا يزال قادراً على الحسم، في المكان الذي يختاره، وقادراً على المناورة، وبسرعة ومرونة، على مجمل الأرض التي يوجد فيها، فلذلك من الواضح أن ثمة تحولات متوقعة لا بد أن يكون لها تأثير شديد على مجرى الأحداث في سوريا، وان الصفعة المؤلمة التي سيتلقاها الإرهابيون في حلب ستترك تأثيراتها على الأزمة السورية برمتها وستمهد للعمليات القادمة في محافظتي دير الزور والرقة ضد عناصر داعش.
وبإختصار شديد…. تدرك جميع القوى المنخرطة بالحرب على سوريا أن معركة حلب ستكون لها كلمة الفصل وفق نتائجها المنتظرة بأي حديث مقبل يتحدث عن تسويات بمسارات الحرب على سوريا وتغيير شروط التفاوض القادمة بين جميع الأطراف، فهذه المعركة ستكون لها تداعياتها الكبيرة والمؤثرة على مختلف ملفات المنطقة، بعد أن أدركت أميركا وحلفاؤها أنها اليوم أقرب إلى إعلان الهزيمة في سوريا من أي وقت آخر، وأخيراً يمكنني القول، إن داعش سيسقط ويزول، وستثبت سوريا إنها مقبرة داعش خصوصاً بعد التقدم الكبير للجيش السوري وحلفائه في مختلف جبهات الميدان.
الدكتور خيام الزعبي-وكالة اوقات الشام