الوقت – حظي الإتفاق الذي أبرمته مؤخراً حركة أنصار الله في اليمن مع حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يتزعمه الرئيس السابق علي عبد الله صالح بشأن تشكيل مجلس أعلى للسياسة اليمنية؛ حظي باهتمام المراقبين فيما تباينت ردود الأفعال للأطراف المعنية حيال هذا الإتفاق.
في هذه المقالة نسلط الضوء على النتائج المحتملة لهذا الإتفاق والتداعيات التي يمكن أن تترتب عليها في المستقبل والتي قد تؤثر على مستقبل اليمن في مختلف الجوانب لاسيّما في الجانبين السياسي والعسكري.
وقبل الخوض في تفاصيل هذه النتائج لابدّ من الإشارة إلى أن تشكيلة المجلس السياسي الأعلى في اليمن تكوّنت من 10 أشخاص بالتقاسم بين أنصار الله وحزب المؤتمر الشعبي وحلفائهم من القوى السياسية المناهضة للعدوان السعودي.
وتضمنت هذه التشكيلة كلاً من صالح الصماد (رئيس المكتب السياسي لحركة أنصار الله) وقاسم لبوزة (رئيس فرع حزب المؤتمر الشعبي العام في محافظة لحج الجنوبية) وصادق أمين أبو رأس (نائب رئيس حزب المؤتمر الشعبي العام) ويوسف الفيشي (عضو المكتب السياسي لحركة أنصار الله) وخالد سعيد الديني (قيادي في حزب المؤتمر) ومحمد صالح النعيمي (رئيس الدائرة السياسية لحزب إتحاد القوى الشعبية). كما ضمّ المجلس شخصيات أخرى معروفة بينها سلطان السامعي القيادي في الحزب الإشتراكي اليمني واللواء الركن مبارك صالح المشن وغيرهم.
وباركت هيئة رئاسة مجلس النواب اليمني إتفاق تشكيل المجلس السياسي الأعلى، معتبرة تشكيله في هذه الظروف الحسّاسة بأنه يمثل تطلعات ورغبات الشعب اليمني، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن هذا الإتفاق يمكن أن يستوعب كافة القوى اليمنية التي تقبل بالحل السياسي من أجل تعزيز صمود الشعب اليمني في التصدي للأخطار الكثيرة لاسيّما العدوان السعودي المتواصل على البلد منذ نحو عام ونصف العام والذي أودى حتى الآن بحياة الآلاف من المدنيين الأبرياء ودمّر جميع البنى التحتية للبلد، بما فيها المستشفيات ومستودعات الأغذية والأدوية ومحطات الكهرباء والمياه، ولم تسلم منه حتى رياض الأطفال.
ويعتبر تشكيل المجلس السياسي الأعلى في اليمن بمثابة التخلي عن “الإعلان الدستوري” الذي تم إعتماده في 6 شباط/ فبراير 2015، أي بعد تمكن حركة أنصار الله واللجان الشعبية من الوصول إلى العاصمة صنعاء ومحاصرة القصر الرئاسي في 20 يناير 2015 وإعلان الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي إستقالته بعد يومين إلى مجلس النواب.
وقضى “الإعلان الدستوري” بحل البرلمان وتشكيل مجلس وطني إنتقالي، مكون من 551 عضواً، يتولى إختيار مجلس رئاسي من 5 أعضاء، وتعيين حكومة من الكفاءات، وتولي اللجنة الثورية برئاسة محمد علي الحوثي رئاسة البلاد.
وظلّ عبد ربه منصور هادي قيد الإقامة الجبرية إلى أن فرّ من صنعاء متجهاً إلى عدن في 21 فبراير 2015، وأعلن منها سحب إستقالته وأصدر بياناً طالب فيه المجتمع الدولي بإتخاذ إجراءات لحماية العملية السياسية ورفض ما وصفه بالإنقلاب.
ويهدف إتفاق تشكيل المجلس السياسي الأعلى أيضاً إلى توحيد الإرادة السياسية لإدارة البلاد وتسيير أعمال الدولة في كافة المجالات وبما يحقق إستقلالية القرار الوطني والإرادة الوطنية الحرة، ويساهم في سدّ الفراغ المتمثل بغياب آلية دستورية لتنظيم إدارات ومؤسسات الدولة.
ومن خلال تشكيل المجلس السياسي الأعلى أثبتت الجبهة اليمنية الداخلية وتحالفاتها الوطنية بأنها باتت أقوى من أيّ وقت مضى في مواجهة التحديات.
ولم يأت تشكيل هذا المجلس إلاّ بعد أن إستنفدت القوى الوطنية السبل الممكنة للحل السياسي، وأيقنت بأن ما يسمى “وفد الرياض” الذي يمثل منصور هادي يناور على عامل الوقت، وبالتالي ليس لديه أيّة رغبة في السلام.
ويمثل تشكيل المجلس أيضاً رسالة واضحة للتكفيريين والوهابيين السعوديين وغيرهم، بأن اليمن لن يقبل بمستقبل تتحكم به هذه القوى الظلامية.
ورغم إمتعاض السعودية والدول الحليفة لها في العدوان على اليمن من المجلس السياسي الأعلى الذي تشكل بعد فشل المفاوضات السياسية في الكويت بين الوفد الوطني اليمني ووفد الرياض، من المؤمل أن يوفر هذا المجلس الأرضية المناسبة لجميع اليمنيين للنهوض بالواقع الإقتصادي والإجتماعي والخدمي للبلد، ولكن ينبغي التأكيد هنا على أهمية أن يتوخى هذا المجلس الدقة في جميع تحركاته وإجراءاته، وإختيار العناصر الكفوءة لإدارة شؤون البلاد في شتى المجالات.