الوقت – يخرج الجميع اليوم ليُحلِّل واقع أي ميدانٍ عسكري، محاولاً تجيير النتائج بحسب الأهداف الإعلامية والسياسية لكل طرف. لنجد أن كل طرفٍ في أي معركة، يُجاهر بالإنتصار وكأن المعركة حُسمت. لكن الحقائق دائماً، والتي يُسلِّط عليها الخبراء المعنيون بالميدان والمهتمون بفهم حقيقة الواقع، لا يتم عادة الحديث عنها، بل تُترك لأهلها. فيما يخرج الى العلن ما يخدم المسار الإعلامي. وهو ما بتنا نشهده في معركة حلب على سبيل المثال، والتي باتت تحتل إفتتاحيات الصحف ومقدمات نشرات الأخبار لأهميتها، مما جعلها مادةً للإعلام. فيما ضاع المشاهد أو المراقب، بين الحقائق. لذلك قررنا اليوم وفيما يخص معركة حلب، أن نُقدم للقارئ ما يحتاجه هو ليفهم الواقع. حيث سنقوم بجمع ما تتفق عليه جميع الأطرف من معطيات، وتحليلها بموضوعية.
معركة حلب والتوصيف الدقيق لواقعها العسكري حالياً
إن من أهم الأمور التي يحتاج المراقب لمعرفتها حول معركة حلب، هو واقعها العسكري الدقيق الذي يضم ما يمكن ملاحظته حول تقدم الأطراف وتكتيكاتهم، مع الأخذ بعين الإعتبار الجغرافيا العسكرية. وبعيداً عن محاولات الأطراف تحليل الأحداث وتجييرها لصالحهم، ننقل ما يتفق عليه الجميع، لنُسلّط الضوء على ما يهتم به الخبراء والمحللون، لفهم الواقع بحقيقته وليس لصناعة المحتوى الإعلامي. وهو ما نُشير له عبر التالي:
– يبدو واضحاً وبحسب ما تُشير له كافة المعلومات، أن هناك استمراراً في الحشد العسكري للطرفين، إما عبر استقدام قوات أو تبديل مواقعها، مما يُنبئ بتوقُّع ارتفاع حدة الإشتباكات.
– تبدو المعركة صعبة حيث يحتاج أي طرف لفترة من الوقت لتحقيق أي تقدم. فيما تُشير المعطيات الحالية الى أن أي تقدم، يحصل بشكل بطيء ويكون بعشرات الأمتار كحد أقصى. مما يعني أن أي مبنى أو نقطة تمركز يضمّها أحد الطرفين لحسابه العسكري، تكتسب أهميّة مؤثّرة في المحصّلة النهائية للمعركة ككل.
– تُعتبر المعركة بالنسبة للـ “الإرهابيين” أو كل الأطراف التي تقاتل النظام السوري، معركة وجود، وهذا ما يدل عليه سلوك المسلحين وترويجاتهم الإعلامية، الى جانب أن ما يُسمى بـ “جيش الفتح” والذي يعتبر نفسه في دائرة الخطر اليوم. فيما نجد أن الجيش السوري، يُقاتل من منطلق القوة، على الصعيدين السياسي والعسكري، الى جانب حلفائه الداعمين له. وهو ما يُؤخذ بعين الإعتبار في التحليل العسكري.
– يبدو واضحاً أن طرفي المعركة، ليسوا في وارد القبول بالحل السلمي أو التراجع في الميدان العسكري. فكما أشرنا، يعتبر المسلحون بأن المعركة بالنسبة لهم هي معركة وجود في ظل طوقٍ عسكريٍ يُهددهم، فيما يُلاحظ ومن خلال سلوك الجيش السوري، بأن إحراز التقدم العسكري في المعركة هو الخيار المُقبل فقط، ويجب المضي قُدماً في خطة ما بعد 27 تموز.
بحسب الأطراف تختلف الأهداف
بحسب الأطراف تختلف الأهداف. فأهداف الجيش السوري، ومحاولاته الميدانية، لا بد أنها تختلف عن أهداف وتكتيكات، الطرف المقابل أي المسلحين، وذلك للأسباب التالية:
– يتعاطى الجيش السوري مع المعركة، كأي جيشٍ يُدافع عن المواطن والأرض ويُقاتل الخطر المُحدق بالبلاد. مما يُعطيه وبحسب كل القوانين، المشروعية في ذلك ويجعله يُقاتل دون خطوط حمراء، وهو ما يدعمه في الميدان العسكري. فيما يزيد من النقاط التي تصب في صالحه، وصول كافة الدول اليوم، الى قناعة بضرورة بقاء النظام السوري، لما في ذلك مصلحة للجميع.
– في المقابل، يتعاطى المسلحون المقاتلون للنظام وحلفائه، من منطلق أن المعركة باتت معركة وجود. في ظل واقعٍ من التشاؤم يسودهم، بسبب التراجع الواضح في الدعم السياسي والعسكري لهم، لا سيما من قبل الأطراف الغربية والطرف التركي.
وهنا يُصبح السؤال الأبرز، كيف يؤثر ذلك على الميدان العسكري؟
يعني ذلك أن المعركة في حلب، هي معركة تجري في ظل حسابات عسكرية واضحة لكل طرف. حيث أن الجيش السوري، يُقاتل مدعوماً عسكرياً من حلفائه، وسياسياً من العالم بأسره، الموافق ضمناً على مشروعيته. فيما يُقاتل المسلحون للحفاظ على وجودهم، في ظل تراجعٍ في الدعم الدولي لهم، حيث يبدو واضحاً أنهم بالحد الأدنى خسروا الدعم السياسي والمعنوي. وفيما يخص الدعم العسكري، فهو يتعلق بحسابات الداعمين، والتي يبدو أنها لن تصب في صالحهم، خصوصاً بعد إنعطافة الطرف التركي.
كيف تدعم حقائق الميدان ما أشرنا له؟
عددٌ من النقاط نُشير لها لدعم ذلك، وهي:
– منذ أيام قام الجيش السوري بالإنسحاب تكتيكياً من مجمع الكليَّات العسكرية في جنوب غرب حلب، وهو ما جعل أبواق الإعلام التابع للمسلحين، تخرج للحديث عن إنتصار. فيما تبيَّن اليوم، أن خطوة الجيش كانت مدروسة ومحسوبة. لنقول إن طرف المسلحين، بات يعتمد على الإعلام لرفع معنوياته دون الميدان. بينما يتعاطى الجيش من منطلق أنه صاحب الأرض، والقادر على التحكم بحركته التكتيكية في الميدان العسكري.
– تُشير كافة المعطيات، الى أن الجيش السوري، يعمل حالياً من أجل تحقيق هدفين تكتيكيين وهما:
أولاً: التقدم نحو النقاط الإستراتيجية التي تساعده في إحكام الطوق، عبر السيطرة الميدانية والتموضع العسكري لتأمين منطقة آمنة له مُهدِّدة للأعداء. وذلك لتثبيت خطوط دفاعه المتقدمة من مداخل مدينة حلب، الى جانب التلال الإستراتيجية.
ثانياً: الإنتقال في الجبهة الجنوبية الغربية للمدينة، من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الهجوم الإستباقي لإفشال هجمات المسلحين، ومنع حدوث أي خرق. وهو ما تمثَّل بقيام الجيش بشنِّ أربع هجمات متزامنة على محاور في منطقة الراموسة أمس.
– في المقابل، يعمل المسلحون على التقدم في أحياء حلب الغربية، في محاولة لتأمين القدرة الميدانية لإستغلال ثغرة الراموسة قرب ما يُسمى “منطقة الفيلات”. حيث أن الخرق الذي استطاع المسلحون تحقيقه لا يمكن الإستفادة منه عسكرياً حتى الآن. فيما الهدف الأساسي لهم، هو توسيع الخرق لتحويله الى ممر دائم.
تبدو الأمور صعبة على الصعيد العسكري. فيما لا شك أن الجيش السوري يتمتع بقدرة عالية على المناورة، خصوصاً أن الوقت في صالحه، وليس في صالح المسلحين المحاصرين. وبعيداً عن كافة التحليلات، يقول الواقع العسكري للميدان الحلبي، بأن المعركة تجري بين، جيشٍ يُقاتل بمشروعية وعدوٍ يستميت ليبقى، فهل يمكن التنبؤ بالطرف الذي سينتصر؟