فقه المسجد
5 سبتمبر,2017
فقه الولاية
1,008 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيّد المرسلين المبعوث رحمة للعالمين سيّدنا أبي القاسم محمّد بن عبد الله، وعلى آله الأطهار حجج الله على العباد.
إنّ المساجد بيوت الله ومهابط إكرامه ورحمته، وملتقى المؤمنين من عباده وصفوته وهي أحبُّ البقاع إلى الله تعالى.
المسجد، هو ذلك الموئل الإيمانيّ الّذي تطمئنّ القلوب المؤمنة لارتياده، وتسكن النفوس النقيّة في كنفه.
ما هي أحكامه وآدابه، ووظيفة مرتاديه وجيرانه، وما فضل الصلاة فيه في جماعة أو غيرها؟ كلّ هذا سنحاول الإجابة عنه في هذه الصفحات القليلة سائلين الله تعالى أن يجعلنا من عمّار بيته بذكره إنّه سميع مجيب.
مركز نون للتأليف والترجمة
فقه المسجد
الفصل الأول:
مكانة المسجد
في الإسلام
التمهيد
يقول عزّ من قائل في كتابه العزيز﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً﴾1.
انطلاقاً من هذه الآية الكريمة، وغيرها من الآيات القرآنية الآتي ذكرها، والعديد من الروايات عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والعترة الطاهرة عليهم السلام، نلاحظ التأكيد على دور المسجد في حياة المجتمع الإسلامي، وفي بناء الشخصيّة الإسلاميّة، فنعم البيوت المساجد فهي أنوار الله2، ومجالس الأنبياء عليهم السلام3 ، وبيت كلّ مؤمن4. وهي بيوت الله في الأرض، فمن أتاها متطهّراً طهّره الله من ذنوبه، وكُتب من زوّاره، فأكثروا فيها من الصلاة والدعاء5.
ومن كان المسجد بيته بنى الله له بيتاً في الجنّة6، وإنّ نقل
1- سورة الجنّ, الآية: 18.
2- انظر مستدرك الوسائل، المحدّث النوريّ، ج 3، ص 448، ح 20.
3- م. ن، ج 3، ص 363، ضمن الحديث 18.
4- كنز العمّال، المتّقي الهنديّ، ج 7، ص 650، ح 20736.
5- أمالي الصدوق، ص293، ح 8.
6- ثواب الأعمال، ص 27، النهاية للطوسي, ص 108.
الأقدام إلى المساجد وانتظار الصلاة تغسل الخطايا غسلاً7 ، وتزيد من الحسنات8.
فإذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان9 ، لأنّ الله سبحانه يقول:﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَن بِاللهِ﴾10. وإذا سئلت عمّن لم يشهد الجماعة فقل لا أعرفه11. وإنَّ بين الكفر والإيمان ترك الصلاة12.
وقد جعل الله سبحانه الجماعة في الصلاة لكي يُعرف من يصلّي ممّن لا يصلّي، ومن يحافظ على مواقيت الصلاة ممّن يضيّعها، ولولا ذلك لم يمكن لأحد أن يشهد على أحد بصلاح أو خير، لأنّ من لم يصلّ في جماعة فلا صلاة له بين المسلمين فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “لا صلاة لمن لم يصلّ في المسجد مع المسلمين إلّا من علّة”13.
فالاختلاف إلى المساجد رحمة، والاجتناب عنها خسارة، والغفلة كلّ الغفلة من ترك المسجد، ولا يزال الشيطان ذعراً من
7- دعائم الإسلام، ج 1، ص 154.
8- انظر: بحار الأنوار، ج 88، ص 7، ضمن الحديث 9.
9- غوالي اللئالي، ج 2، ص 32، ح 79.
10- سورة التوبة, الآية: 18.
11- الألفيّة، والنفليّة، الشهيد الأوّل محمّد بن مكّي العاملي، ص 139.
12- سنن الترمذي، ج 4، ص 125.
13- علل الشرائع، ج1، ص 325 .
المؤمن ما حافظ على الصلوات الخمس، فإذا ضيّعهنّ تجرّأ عليه وأوقعه في العظائم14.
فتعاهدوا أمر المساجد، وحافظوا عليها، فليس عمل أحبّ إلى الله من الصلاة، فلا يشغلنّكم عن أوقاتها شيء من أمور الدنيا, فإنّ الله عزّ وجلّ ذمّ أقواماً فقال: ﴿الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ﴾15 أي غافلون قد استهانوا في أوقاتها16.
قالت عائشة: “كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحدّثنا ونحدّثه، فإذا حضرت الصلاة فكأنّه لم يعرفنا ولم نعرفه”17.
وإنّ أحبّ الخلائق إلى الله عزّ وجلّ الشاب حدث السنّ في صورة حسنة، جعل شبابه وجماله لله وفي طاعته، وذلك الّذي يباهي به الرحمن ملائكته18. والشابّ المتعبّد هو من السبعة الذين ذكرهم الله في ظلّ عرشه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه… وشابّ نشأ في عبادة الله19. وإنّ أهل الجنّة شباب كلّهم20 ، وإنّ أصحاب الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف شباب21 أيضاً.
14- ربيع الأبرار، ج 2، ص 97.
15-سورة الماعون، الآية: 5.
16- الخصال للصدوق، ص 621.
17- ربيع الأبرار، ج 2، ص 93، المستطرف، ج 1، ص 18.
18- كنز العمّال، ج 15، ص 785، ح 43103.
19- انظر بحار الأنوار، ج 84، ص 2. والخصال، ص 343، ضمن الحديث 2.
20- المناقب، ج 3، ص 398.
21- غيبة الطوسي، ص 284، ح 18.
من هنا كانت المساجد تدعو الشباب إليها، فَهُم باكورة الحياة، وصدى العيش، وسنام المجد، ومصدر الحركة والعمل، لم تلوّث قلوبهم حبائلُ الشياطين، ولم تفتنهمُ الدنيا بغرورها، ولم تُعمِ أبصارهم بزخارفها. وشيئان لا يعرف قدرهما إلّا من بعد فقدهما: الشباب والعافية22.
المسجد فقه 2017-09-05