بمناسبة مولد كريمة اهل البيت عليهم السلام في الاول من ذي القعدة
20 يوليو,2019
صوتي ومرئي متنوع, مناسبات
1,666 زيارة
بمناسبة مولد كريمة اهل البيت عليهم السلام تتقدم اسرة الولاية الاخبارية http://wilayah.info/ بتقديم التبريكات للأمام صاحب الزمان عليه السلام وللمرجعية العليا والامام الخامنئي وعلماء المسلمين والامة الاسلامية .
يا فاطمة اشفعي لي في الجنة فإن لك عند الله شأناً من الشأن
أمهات أكثر الأئمة (عليهم السلام) من الجواري.. لماذا؟
والذي نريد أن نتناوله بالبحث هنا ظاهرة الجواري وأمّهات الأولاد، فإن مما يدعو إلى الالتفات ويثير التساؤل هو أن أكثر أمهات الأئمة جوارٍ من غير العرب، فأمّ كلّ من السجّاد والكاظم والرضا والجواد والهادي والعسكري والحجة (عليهم السلام) أمهات أولاد، وقعن في الأسر، واقترن بهنّ الأئمة (عليهم السلام)، مع أنّه لا يغيب عن بالنا ما يجري في سوق العبيد والجواري، مضافاً إلى أن مسألة الإمامة ليست من المسائل العادية، فإنّها تستوجب الحيطة والحذر في كل ما يرتبط بولادة الإمام المعصوم وتربيته ونشأته، وكما أن الأب ينبغي أن يكون في أعلى درجات الكمال الممكن، فكذلك الأم وعلى ذلك قامت الأدلّة.
وهذا البحث جدير بالعناية والدراسة، وإنّما نذكره هنا لصلته القوية بما نحن فيه، وذلك لما أشرنا إليه من أن السيدة المعصومة شقيقة الإمام الرضا (عليه السلام) فأمّهما واحدة وهي السيدة تكتم.
والسؤال الذي يواجهنا هو ما هو السر في اختيار الأئمة (عليهم السلام) للجواري من دون الحرائر العربيّات من البيوتات الرفيعة ذات المنزلة الاجتماعية؟ ولماذا يقترن الأئمة (عليهم السلام) بالجواري ليلدن لهم أفضل الأولاد والبنات؟
وللإجابة عن ذلك لابد أن نسلّط الأضواء على بعض المفاهيم العامّة والركائز الأساسية ذات الصلة بما نحن فيه لنخرج من خلالها بما يرفع الغموض والإبهام عن هذه المسألة.
والذي يظهر من خلال دراسة بعض المفاهيم العامّة والقواعد الأساسية أن وراء اختيار الأئمة (عليهم السلام) الجواري أسباباً أهمّها ثلاثة.
الأوّل: إن ممّا لا شك فيه أن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ـ كما نعتقد وعليه قامت الأدلة ـ قد أوتوا العلم بحقائق الأمور والأشياء ومعرفة مداخلها ومخارجها، ومنها العلم بأحوال الناس وخصوصياتهم، وقد ورثوا ذلك عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أو أطلعهم الله تعالى عليه لنفوذ بصائرهم، وصفاء نفوسهم وطهارة ذواتهم، ولمّا كان الأمر يتعلق بالإمامة ومنصب الولاية فلابد من اختيار الوعاء الطاهر، والأصل الزاكي، والحجر العفيف الذي سيكون حاملاً وحاضناً لوليّ الله، وخليفته على العباد، والحجة على الخلق، ويعدّ ذلك من المسلمات البديهية في عقيدة الشيعة الإمامية، وإنّما وقع اختيار الأئمة (عليهم السلام) على هؤلاء الجواري من دون سائر النساء لعلمهم (عليهم السلام) بأنهنّ قد جمعن شرائط الاقتران بالمعصوم (عليه السلام) وصلاحيتهنّ للأمومة التي ستنجب الإمام المعصوم إذ كما يشترط أن يكون الآباء طاهرين مطهّرين فكذلك الحال بالنسبة للأمهات.
وغنيّ عن البيان مدى تأثير الأم على ولدها، فإن لعامل الوراثة مدخلاً كبيراً في التكوين الخلقي المنعكس على الولد من قبل أبويه، كما نصت عليه روايات أهل البيت (عليهم السلام) وأيّدته البحوث العلميّة التي عنيت بهذا الجانب في حياة الإنسان.
ومما يؤيد هذا الوجه أن الإمام (عليه السلام) قد يختار واحدة بعينها من دون سار الجواري اللاتي عرضن للبيع، وقد تكون غير صالحة ـ بحسب المعايير الماديّة ـ للبيع والشراء إلا أن الإمام (عليه السلام) لا يختار غيرها، بل تذكر المصادر أن هذه الجارية ـ مثلاً ـ قد تمتنع عن الاستسلام لأي مشتر يتقدم لشرائها حتى يكون الذي يشتريها هو الإمام (عليه السلام)، مع أنها في ظروف لا تملك من أمرها شيئاً، الأمر الذي يؤكّد على أن هناك تخطيطاً إلهياً متقناً لأن تكون هذه المرأة قرينة للإمام (عليه السلام) وقد أعدّها الله تعالى لتصبح أمّاً للمعصوم (عليه السلام).
روى الصدوق بسنده عن هشام بن أحمد، قال: قال أبو الحسن الأول (عليه السلام): هل علمت أحداً من أهل المغرب قدم؟ قلت: لا.
فقال (عليه السلام):
بلى، قد قدم رجل أحمر، فانطلق بنا، فركب وركبنا معه حتى انتهينا إلى الرجل، فإذا رجل من أهل المغرب معه رقيق، فقال له: أعرض علينا، فعرض علينا تسع جوار كلّ ذلك يقول أبو الحسن (عليه السلام): لا حاجة لي فيها، ثم قال له: اعرض علينا، قال: ما عندي شيء. فقال له: بلى اعرض علينا. قال: لا والله، ما عندي إلا جارية مريضة. فقال له: ما عليك أن تعرضها. فأبى عليه. ثم انصرف (عليه السلام). ثم أرسلني من الغد إليه. فقال لي: قل له كم غايتك فيها؟ فإذا قال: كذا وكذا فقل: قد أخذتها، فأتيته. فقال: ما أريد أن أنقصها من كذا. فقلت: قد أخذتها وهو لك. فقال: هي لك. ولكن من الرجل الذي كان معك بالأمس؟ فقلت: رجل من بني هاشم. فقال: من أي بني هاشم؟ فقتل: من نقبائهم. فقال: أريد أكثر منه. فقلت: ما عندي أكثر من هذا. فقال: أخبرك عن هذه الوصيفة، إني اشتريتها من أقصى بلاد المغرب، فلقيتني امرأة من أهل الكتاب فقالت: ما هذه الوصيفة معك؟ فقتل: اشتريتها لنفسي. فقالت: ما ينبغي أن تكون هذه الوصيفة عند مثلك. إنّ هذه الجارية ينبغي أن تكون عند خير أهل الأرض. فلا تلبث عنده إلا قليلاً حتى تلد منه غلاماً يدين له شرق الأرض وغربها. قال: فأتيته بها، فلم تلبث عنده إلا قليلاً حتى ولدت له عليّاً (عليه السلام).(1)
ونقل المحدّث القمي أنه (عليه السلام) لمّا ابتاعها (أي تكتم) جمع قوماً من أصحابه ثم قال: والله ما اشتريت هذه الأمة إلا بأمر الله..(2)
على أن المرأة التي يقع اختيار الإمام (عليه السلام) عليها لم تكن من عامّة الناس، بل من أشرف النساء، وذات مكانة في قومها، غير أنها وقعت في الأسر وجرّها ذلك إلى سوق النخّاسين.
روى الشيخ الطوسي بسنده عن محمد بن بحير بن سهل الشيباني أنه قال: قال بشر بن سليمان النخاس وهو من ولد أبي أيوب الأنصاري أحد موالي أبي الحسن وأبي محمد وجارهما بسرّ من رأى: أتاني كافور الخادم. فقال: مولانا أبو الحسن علي بن محمد العسكري يدعوك إليه. فأتيته. فلمّا جلست بين يديه قال لي: يا بشر، إنّك من ولد الأنصار، وهذه الموالاة لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف، وأنتم ثقاتنا أهل البيت، وإنّي مزكّيك ومشرّفك بفضيلة تسبق بها الشيعة في الموالاة بسرّ أطلعك عليه، وأنفذك في ابتياع أمة. فكتب كتاباً لطيفاً بخطّ رومي وبغلة رومية، وطبع عليه خاتمه، وأخرج شقيقة صفراء فيها مائتان وعشرون ديناراً.
فقال: خذها، وتوجّه بها إلى بغداد، واحضر معبر الفرات ضحوة يوم كذا، فإذا وصلت إلى جانبك زواريق السبايا وترى الجواري فيها، ستجد طوائف المبتاعين من وكلاء قوّاد بني العباس، وشرذمة من فتيان العرب، فإذا رأيت ذلك فأشرف من البعد على المسمّى عمر بن يزيد النخّاس عامّة نهارك، إلى أن تبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا وكذا، لابسة حريرين صفيقين، تمتنع من العرض ولمس المعترض، والانقياد لمن يحاول لمسها، وتسمع صرخة روميّة من وراء ستر رقيق.
فاعلم أنها تقول: واهتك ستراه.
فيقول بعض المبتاعين: عليّ ثلاثمائة دينار فقد زادني العفاف فيها رغبة، فتقول بالعربية: لو برزت في زيّ سليمان بن داود، وعلى شبه ملكه ما بدت لي فيك رغبة، فأشفق على مالك، فيقول النخّاس: فما الحلية؟! ولابد من بيعك، فتقول الجارية: وما العجلة؟ ولابد من اختيار مبتاع يسكن قلبي إليه والى وفائه وأمانته، فعند ذلك قم إلى عمر بن يزيد النخّاس، وقل له: إن معك كتاباً ملصقاً لبعض الأشراف كتبه بلغة روميّة وخط رومي، ووصف فيه كرمه، ووقاره، ونبله، وسخاءه، فناولها لتتأمّل منه أخلاق صاحبه، فإن مالت إليه ورضيته فأنا وكيله في ابتياعها منك.
قال بشر بن سليمان: فامتثلت جميع ما حدّه لي مولاي أبو الحسن (عليه السلام) في أمر الجارية، هنا سقط فلمّا نظرت في الكتاب بكت بكاء شديداً وقالت لعمر بن يزيد: بعني من صاحب هذا الكتاب وحلفت بالمحرّجة والمغلّظة أنه متى امتنع من بيعها منه قتلت نفسها، فما زلت أشاحّه في ثمنها حتى استقرّ الأمر فيه على مقدار ما كان أصحبنيه مولاي (عليه السلام) من الدنانير فاستوفاه، وتسلّمت الجارية ضاحكة مستبشرة.
وانصرفت بها إلى الحجيرة التي كنت آوي إليها ببغداد، فما أخذها القرار حتى أخرجت كتاب مولانا (عليه السلام) من جيبها وهي تلثمه وتطبقه على جفنها وتضعه على خدّها وتمسحه على بدنها.
فقلت تعجباً منها: تلثمين كتاباً لا تعرفين صاحبه؟! فقالت: أيّها العاجز الضعيف المعرفة بمحلّ أولاد الأنبياء، أعرني سمعك وفرّغ لي قلبك، أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، وأمي من ولد الحواريين، تنسب إلى وصي المسيح شمعون أنبئك العجب..(3)
إلى غير ذلك من القضايا التي دلّت على أن الأمر لم يكن بصورة عفويّة، أو من القضايا الاتفاقيةّ، بل كانت على وفق تخطيط إلهي محكم، وإن كانت لا تخرج عن ظاهرة الخضوع للأسباب المتعارفة، والتي كانت يبدو فيها أن الأمر طبيعي جداً.
أقول: لا يبعد أن يكون هذا أحد الأسباب التي دعت إلى أن تكون أمهات بعض الأئمة (عليهم السلام) من الجواري.
وحيث أن أم الإمام الرضا (عليه السلام) كانت إحدى الجواري، وإنما وقع اختيار الإمام الكاظم (عليه السلام) عليها لأنّها كانت ذات شرف ومكانة وطهر وعفاف، ولمّا كانت السيدة فاطمة شقيقة الإمام الرضا (عليه السلام) حيث يتحدان في الأب والأم يتبيّن أن أمّها لم تكن امرأة عادية من سائر النساء، بل كانت جليلة القدر عظيمة الشأن ذات منزلة رفيعة كما سيأتي بيان ذلك في محلّه من هذه الصفحات.
الثاني: إن من أعظم الرّكائز التي قام عليه الدين هو إلغاء الفوارق الطبقيّة بين أبنائه والمنتسبين إليه، وقد أكّد القرآن الكريم في آياته، والرسول العظيم (صلّى الله عليه وآله) في سيرته على ذلك، وكانت النظرة إلى جميع الناس على أساس من التساوي ونبذ الفوارق العرقيّة والنسبية، وأنّ المعيار في التفاضل بين الناس هو مقدار ما يتحلّى به الإنسان من الإيمان والتقوى ومكتسباته الشخصية: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ)(4)، (ليس لأحد على أحد فضل إلا بالتقوى)(5) وليس للعنصر العربي فضل على سواه، وليس لسواه فضل عليه، وليس ثمّة ما يميّز أحدهما على الآخر إلا مقدار قربه من الله تعالى، أو بعده عنه، ولذا رفع الإسلام من شأن سلمان الفارسي الأصل حتى غدا ينسب إلى أهل بيت العصمة فقال (صلّى الله عليه وآله): (سلمان منّا أهل البيت)(6)، ووضع الإسلام أبا لهب العربي الأصل والقرشي النسب، وهو عم النبي (صلّى الله عليه وآله) حتى غدا من أشد الناس عداوة لله ولرسوله، ونزل فيه قرآن يتلى: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ)(7).
وقد اتّخذه هذا المنهج القويم صوراً وأشكالاً مختلفة، لتثبيت هذه القاعدة، حتى تكون هي المنطلق والأساس في تقييم الأشخاص، وسعى سعياً حثيثاً بالقول تارة، وبالفعل أخرى، لبيان أن الإنسان لا يقعد به نسبه، ولا يعيقه عنصره، أو صنفه، عن تسنّم أرفع الدرجات، إذا كانت على وفق ما يريد الله ورسوله: (أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ)(8).
ولم يكن الأمر يقتصر على القضايا الرئيسية ذات الأهمية القصوى، بل كانت تشمل الشؤون الجانبية الأخرى، فما كان النبي (صلّى الله عليه وآله) يفاضل بين أحد من المسلمين في العطاء ـ مثلاً ـ وكان يرى أن المال مال الله والناس عباد الله، وهكذا كان أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي اتخذ هذه السيرة النبوية منهاجاً له، يقتفي خطى النبي (صلّى الله عليه وآله) في تطبيقها على المسلمين معتبراً نفسه واحداً منهم، وأنّهم جميعاً أخوة في الدين، حتى أصبح هذا المبدأ أحد الأسس التي مهدت السبيل أمام كثير من الناس للالتحاق بهذا الدين والسير في ركابه.
ولو أن هذا المبدأ أخذ مجراه كما أراد الله تعالى ورسوله، وسعى أمير المؤمنين (عليه السلام) لتطبيقه، لما احتجنا إلى حروب الفتوحات التي يعتبره البعض إحدى إنجازات الإسلام الكبرى.
وما يدرينا فلعلّ ما يحيق بالمسلمين من خصومهم من الكيد والعدوان إنما هو عمل انتقامي واقتصاص ممّا جرى في سالف الزمان من حروب الفتوحات إذ تركت حقداً دفيناً تتوارثه الأجيال، حتى إذا أمكنتهم الفرصة لانتقام شنّوا حروباً لا هوادة فيها على الدين والأخلاق وبأساليب مختلفة.
على أن هؤلاء القائمين على هذه الفتوحات لم يكونوا إلا ذوي أطماع في الدنيا وتهالك عليها، ولم يكن لهم نصيب من الإسلام.
والذي يؤيد ذلك: ما رواه ابن كثير في تفسيره ـ عند قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ)(9) ـ بسنده عن أم الفضل أم عبد الله بن عباس، قالت: بينما نحن بمكة قام رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من الليل فنادى: هل بلّغت، اللهم هل بلّغت، ثلاثاً، فقام عمر بن الخطاب فقال: نعم. ثم أصبح، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): ليظهرنّ الإسلام حتى يردّ الكفر إلى مواطنه، وليخوضنّ رجال البحار بالإسلام وليأتينّ على الناس زمان يتعلمون القرآن ويقرؤونه، ثم يقولون قرأنا وعلمنا، فمن هذا الذي هو خير منّا، فهل في أولئك من خير؟ (وفي رواية أخرى) فما في أولئك من خير، قالوا: يا رسول الله فمن أولئك؟ قال: أولئك منكم، وهم وقود النار(10).
أقول: كان هذا المبدأ أحد الركائز التي فتحت الباب على مصراعيه للدخول في دين الله، ولكن سياسة القائمين على الأمر بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) هي التي أوصدت الباب، وأحكمت إغلاقه، حيث رأت غير هذا.
وأول من أحدث الطبقيّة بين المسلمين وأوجد الفوارق وأحيى النعرات الجاهلية بينهم فميّز العرب على غيرهم، والقرشيين على سائر القبائل، والمهاجرين على الأنصار، والأحرار على الموالي، وفرّق بين المسلمين هو عمر بن الخطاب.(11)
وقد كانت هذه النزعة إحدى الفلتات التي كانت تظهر عليه في حياة النبي (صلّى الله عليه وآله)، ولمّا آل الأمر إليه اتّخذها سياسة أجراها على الناس.
روى الكليني بسنده عن حنان، قال: سمعت أبي يروي عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: كان سلمان جالساً مع نفر من قرش في المسجد، فأقبلوا ينتسبون، ويرفعون في أنسابهم حتى بلغوا سلمان، فقال له عمر بن الخطاب: أخبرني من أنت؟ ومن أبوك؟ وما أصلك؟ فقال: أنا سلمان بن عبد الله، كنت ضالاً فهداني الله عزّ وجلّ بمحمد (صلّى الله عليه وآله)، وكنت عائلاً فأغناني الله بمحمد (صلّى الله عليه وآله)، وكنت مملوكاً فأعتقني الله بمحمد (صلّى الله عليه وآله)، هذا نسبي، وهذا حسبي، قال: فخرج النبي (صلّى الله عليه وآله) وسلمان (رضي الله عنه) يكلّمهم، فقال له سلمان: يا رسول الله ما لقيت من هؤلاء، جلست معهم فأخذوا ينتسبون، ويرفعون في أنسابهم حتى إذا بلغوا إليّ قال عمر بن الخطاب: من أنت؟ وما أصلك؟ وما حسبك؟ فقال النبي (صلّى الله عليه وآله): فما قلت له يا سلمان؟ قال: قلت له: أنا سلمان بن عبد الله، كنت ضالاً فهداني الله عزّ ذكره بمحمد (صلّى الله عليه وآله)، وكنت عائلاً فأغناني الله عزّ ذكره بمحمد (صلّى الله عليه وآله)، وكنت مملوكاً فأعتقني الله عزّ ذكره بمحمد (صلّى الله عليه وآله)، هذا نسبي، وهذا حسبي، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): يا معشر قريش إن حسب الرجل دينه، ومروءته خلقه، وأصله عقله، قال الله عزّ وجلّ: (إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ)(12)، ثم قال النبي (صلّى الله عليه وآله) لسلمان: ليس لأحد من هؤلاء عليك فضل إلا بتقوى الله عزّ وجلّ، وإن كانت التقوى لك عليهم فأنت أفضل. (الروضة من الكافي، الحديث 203، ص181-182).
وكانت هذه السياسة منه طامّة كبرى حرفت مسار الإسلام عن طريقه المستقيم، ولو أعطينا التأمل حقّه في هذا الأمر لرأينا أن ما أحدثه عمر من التمايز والتفاضل بين المسلمين على أساس من اعتبارات محضة، لا واقع لها أو بإزائها، قد أوجد ثغرة كبيرة، وأحدثت ردّة فعل عنيفة راح ضحيّتها كثير من المبادئ المشرقة، بل إن ذلك أوجد الخلاف والشقاق بين المسلمين أنفسهم، وما تمرّد المتمرّدين على أمير المؤمنين (عليه السلام) إلا نتيجة طبيعة لهذه السياسة التي أسّسها عمر بن الخطاب، وذلك لأنّ عليّا (عليه السلام) أراد أن يرجع بالناس إلى سيرة الرسول (صلّى الله عليه وآله) فأباها أكثرهم، وكان الخلاف والشقاق إذا اعترضوا عل أمير المؤمنين (عليه السلام) لمساواته بينهم وبين عبيدهم، ومن يرون أن لهم شأناً، ذلك الشأن الذي غرسه عمر في أنفسهم، ووافق هوى في قلوبهم، فصدّقوا، وقد حليت الدنيا في أعينهم فأبوا الحقّ بل حاربوه.
ولذا فليس من البعيد القول بأنّ قتل عمر إنما هو نتيجة لسياسته التي انتهجها وطبّقها على الناس من تفضيل العرب على غيرهم، فكان الساعي لحتفه بظلفه، وإن كانت المسألة في واقعها أبعد من ذلك.
ولقد استشرت هذه السياسة العمريّة، ولا سيّما في العصر الأموي وما تلاه من العصور، لأنّها وافقت هوى بني أميّة الذين تباهوا بأصولهم العربية حتى بلغ الأمر أن ألغي الإسلام، وكانت الجزية تؤخذ ممن أسلم بحجّة أنّه إنّما أسلم هرباً من دفع الجزية، فانطمست قيم الدين من نفوس الناس، ولم يبق من الإسلام إلا شكل لا يحمل محتوى، وأصبح هم القائمين على الأمر فرض سيطرتهم وسياستهم على الناس في معزل عن الدين، وأصبح الكتّاب والشعراء بعد ذلك يتغنّون بهذه الأمجاد الزائفة حيث يتشدّقون بأنّ الإسلام قد ضرب بأطنابه في أقصى الشرق وأقصى الغرب وما علموا أنّ هذا الإسلام الذي يتحدّثون عنه إنما هو قشور خالية من اللّباب(13)، ولذا تلاشى ذلك الإسلام عند أول وثبة من بعض أهل تلك المناطق، فعادت البلدان إلى كفرها بعد أن كانت بحسب الظاهر في عداد البلاد الإسلامية وأهلها في عداد المسلمين.
إذن كانت هذه السياسة خطيرة إلى حد كبير، وقد تربّت عليها النفوس، وأصبح الذين يرون أنفسهم من سادة القوم أن الاقتران بالجواري عار لا يليق بالأشراف.
ويدل على ذلك ما ورد من معاتبة عبد الملك بن مروان للإمام زين العابدين (عليه السلام)، واعتراضه عليه حين تزوّج بإحدى الجواري، فقد روى الكليني بسنده عن يزيد بن حاتم، قال: كان لعبد الملك بن مروان عين بالمدينة يكتب إليه بأخبار ما يحدث فيها، وإنّ علي بن الحسين (عليهما السلام) أعتق جارية ثم تزوّجها، فكتب العين إلى عبد الملك، فكتب عبد الملك إلى علي بن الحسين (عليهما السلام): أما بعد، فقد بلغني تزويجك مولاتك، وقد علمت أنّه كان في أكفائك من قريش من تمجّد به في الصّهر، وتستنجبه في الولد، فلا لنفسك نظرت، ولا على ولدك أبقيت، والسلام.
فكتب إليه علي بن الحسين (عليهما السلام) أما بعد، فقد بلغني كتاب تعنّفني بتزويجي مولاتي، وتزعم أنه كان في نساء قرش من أتمجّد به في الصّهر، واستنجبه في الولد، وأنه ليس فوق رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مرتقىً في مجد ولا مستزاد في كرم، وإنّما كان ملك يمين خرجت متى أراد الله عزّ وجلّ مني بأمر التمس به ثوابه، ثم ارتجعتها على سنّة، ومن كان زكيّاً في دين الله فليس يخيلّ به شيء من أمره، وقد رفع الله بالإسلام الخسيسة، وتمّم به النقيصة، وأذهب به اللّؤم فلا لؤم على امرئ مسلم، وإنّما اللؤم لؤم الجاهليّة، والسلام.
فلمّا قرأ الكتاب رمى به إلى ابنه سليمان، فقرأه فقال: يا أمير المؤمنين لشدّ ما فخر عليك علي بن الحسين (عليهما السلام)، فقال: يا بني لا تقل ذلك، فإنّه ألسن بني هاشم التي تفلق الصخر، وتغرف من بحر، إنّ علي بن الحسين (عليهما السلام) يا بنيّ يرتفع من حيث يتّضع الناس.(14)
وعرض بعض المحقّقين صوراً من هذه السياسة الهوجاء التي اتبعها الحكّام في احتقار كل من هو غير عربي فقال: لقد أمر الحجّاج أن لا يؤم في الكوفة إلا عربي..، وقال لرجل من أهل الكوفة: لا يصلح للقضاء إلا عربي. كما طرد غير العرب من البصرة والبلاد المجاورة لها، واجتمعوا يندبون: وا محمدا وا محمدا، ولا يعرفون أين يذهبون، ولا عجب أن ترى أهل البصرة يلحقون بهم ويشتركون معهم في نعي ما نزل بهم من حيف وظلم.
بل لقد قالوا: لا يقطع الصلاة إلا حمار، أو كلب، أو مولى.
وقد أراد معاوية أن يقتل شطراً من الموالي عندما رآهم كثروا، فنهاه الأحنف عن ذلك.
وتزوّج رجل من الموالي بنتاً من أعراب بني سليم، فركب محمد بن بشير الخارجي إلى المدينة، وواليها يومئذ إبراهيم بن هشام بن إسماعيل، فشكا إليه ذلك، فأرسل الوالي إلى المولى، ففرّق بينه وبين زوجته، وضربه مائتي سوط، وحلق رأسه وحاجبه ولحيته، فقال محمد بن بشير في جملة أبيات له:
قضيت بسنّة وحكمت عدلاً ولم ترث الخلافة من بعيد
ولم تفشل ثورة المختار إلا لأنّه استعان فيها بغير العرب، فتفرّق العرب عنه لذلك.
ويقول أبو الفرج الأصفهاني: .. كان العرب.. إلى أن جاءت الدولة العباسية إذا جاء العربي من السوق ومعه شيء ورأى مولى دفعه إليه فلا يمتنع.
بل كان لا يلي الخلافة أحد من أبناء المولّدين الذين ولدوا من أمّهات أعجميّات.
وأخيراً فإن البعض يقول: إن قتل الحسين كان الكبيرة التي هوّنت على الأمويين أن يقاوموا اندفاع الإيرانيين إلى الدخول في الإسلام.(15)
ونقل المرحوم السدي عبد الرزاق المقرّم في كتابه مقتل الحسين (عليه السلام) عن أحمد أمين في كتابه (ضحى الإسلام) قوله: الحق أنّ الحكم الأموي لم يكن حكماً إسلامياً يسوّي فيه بين الناس، ويكافئ المحسن عربيّاً كان أو مولى ويعاقب المجرم عربيّاً كان أو مولى، وإنّما الحكم فيه عربي، والحكام خدمة للعرب، وكانت تسود العرب فيه النزعة الجاهلية لا النزعة الإسلامية.(16)
ولما كان أهل البيت (عليهم السلام) هم أئمة الدين، أردوا إظهار فساد هذه السياسة بإجراء عمليّ، وبدأوا بأنفسهم، وهم إن لم يعطوا الفرصة ليمارسوا دورهم في تطبيق تعاليم الدين إلا أنّهم لا يتخلّون عن أداء وظيفتهم مهما أمكن، لذلك اختاروا أمّهات الأولاد الجواري ـ مع ملاحظة سائر الشرائط ـ ليثبتوا أن لا فرق بين أحد من الناس، وأنّ ما وضع من الامتيازات لبعض دون بعض لم تكن بحسب المقاييس الإلهية، وإذا كانت الظروف قد قهرت بعض أولئك النسوة فأصبحن يبعن في أسواق الرقيق فلا يعني ذلك أنّهن خاليات من الشرف والفضيلة، بل قد يكون العكس صحيحاً، فربّ جالية أحاطتها العناية الإلهية لتكون قرينة للعصمة وأمّاً للمعصوم، وهذا ما حدث بالنسبة إلى أمّهات بعض الأئمة (عليهم السلام).
ولا يقاس بعد ذلك فضل هذه الجواري والإماء اللاتي أصبحهن أوعية لحمل الإمامة بأيّ امرأة أخرى مّن لم تحظ بهذا الشرف العظيم وإن كانت من أرقى البيوتات العربيّة بحسب الظاهر.
الثالث: إن ممّا لا شك فيه أن رسالة النبي المصطفى (صلّى الله عليه وآله) هي الخاتمة الناسخة لجميع الرسالات السابقة وهي الشاملة لكافّة البشر، فلا دين بعد دين الإسلام (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلاَمُ)(17) ولا نبيّ بعد النبي محمد (صلّى الله عليه وآله)، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وذلك من البديهيات المسلمة التي لا مجال للنزاع فيها، وأيّدت ذلك الأدلّة والبراهين.
وقد اقتضت الحكمة الإلهية أن يبقى هذا الدين محفوظاً وإن رحل النبي (صلّى الله عليه وآله) إلى الرّفيق الأعلى، وقد أوكلت مهمّة حفظ الدين إلى ذريّة النبي (صلّى الله عليه وآله) وعترته، وهم ورّاث علمه ومقامه الأئمة الاثنا عشر أوّلهم أمير المؤمنين (عليه السلام)، وآخرهم الحجة بن الحسن العسكري (عليه السلام)، وعلى ذلك قامت الأدلة والبراهين أيضاً.
ونتيجة ذلك أنّه كما أنّ نبوة النبي (صلّى الله عليه وآله) عامّة شاملة، فكذلك إمامة الأئمة (عليهم السلام) عامة وشاملة، ومعنى ذلك أن إمامة الأئمة (عليهم السلام) ليست مقتصرة على مجتمع معيّن أو عنصر معيّن، أو فئة من الناس معينة، فكما أن النبي (صلّى الله عليه وآله) بعث للأبيض والأسود على السواء، فكذلك إمامة الأئمة (عليهم السلام) لكافة الناس.
ومن هنا يتّضح لنا وجه آخر في اقتران بعض الأئمة (عليهم السلام) بنساء غير عربيّات بل من قوميّات أخرى كالفارسية أو الرّومية أو غيرهما، وقد وردت الرّوايات الدالّة على ذلك. فإنّ أم الإمام السجــــاد (عليه السلام) كانـــت من أصــل فـــارسي(18)، وكانت أم الإمام الكاظم (عليه السلام) من أشراف الأعاجم(19).
وكانت أم الإمام الرضا (عليه السلام) من أهل المغرب(20)، وكانت أم الإمام الجواد (عليه السلام) من أهل النوبة من قبيلة مارية القبطيّة أما إبراهيم ابن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وكانت أفضل نساء زمانها، وأشار إليها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بقوله: بأبي ابن خير الإماء النوبيّة الطيّبة(21)، وكانت أم الإمام الهادي (عليه السلام) مغربيّة، ولم يكن لها مثيل في الزهد والتقوى(22)، وكانت أمّ الإمام الحسن العسكري في بلدها من الأشراف في مصاف الملوك(23)، وكانت أم الإمام الحجة بنت قيصر ملك الروم، وأمّها من ولد الحواريين، وتنسب إلى وصيّ المسيح شمعون.(24)
والذي نود أن نشير إليه في هذا الوجه أن الإمامة لمّا كانت عامّة وأن الإمام إمام لكل الناس على شتى اختلاف أعراقهم وأصولهم انحدر بعض الأئمة من جهة أمّهاتهم من أصول غير عربيّة ليكون ذلك علامة بارزة على عالميّة إمامتهم، وشمولها لجميع أهل الأرض، وأنّ لكل من السلالات البشرية طرفاً يوصلها بهذا الدين الإلهي العظيم، وتلك حكمة بالغة ولطف عام لكل البشر، وأما العروبة فليس لها خصوصيّة في حدّ ذاتها من حيث هي (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ).
ولعلّ هناك سرّاً آخر ينطوي تحت هذا الوجه قد تكشف عنه الأيام نورده كاحتمال ليس إلا، إذ لا نملك دليلاً قاطعاً عليه، وإن كان في نفسه غير بعيد، وحاصله: أن الإمام المهدي الموعود به على لسان النبي (صلّى الله عليه وآله)، ونطق بذلك القرآن الكريم، وأكّدت عليه الروايات المتواترة عن أهل البيت (عليهما السلام) سيكون له الشأن العظيم في إعلاء كلمة الله تعالى، وسيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، وسيقوم بأداء مهمّته في أغلب أحواله بشكل طبيعي، وإن كان يأتي بالمعجزة والكرامة تأييداً من الله تعالى، ولا شكّ أن تلك مهمّة شاقّة كما شرحتها الرّوايات والآيات.
وإذا كانت أم الإمام المهدي (عليه السلام) تنحدر من سلالة أحد أوصياء عيسى ابن مريم (عليهما السلام) فما يدرينا.. لعلّ في ذلك تمهيداً وتسهيلاً لإنجاز مهمّة الإمام (عليه السلام) في خضوع النصارى والكفّار وتسليمهم له نظراً إلى أن أجداده لأمّه منهم، فيحرّك في نفوسهم الجانب العاطفي للرّحم القائمة بينه وبينهم، الأمر الذي يختصر عليه كثيراً من الأمور وينجزها في سهولة ويسر.
على أن ذلك أحد أسباب اللطف العام بأولئك النصارى حيث يكونون على مقربة من الهداية والنجاة.
وبعد هذا نقول: عن أم السيدة فاطمة المعصومة هي أم الإمام الرضا (عليه السلام)، وقد اجتمعت فيها الكمالات والفضائل التي أهّلتها لأن تكون أمّاً لولي الله (عليه السلام) وحاضنة لكرمية أهل البيت (عليهم السلام)، ولم تسعفنا الروايات الواردة في تاريخ مراحل حياتها إلا بالنّزر القليل، وإن كان يكشف عن جلالة قدرها ورفعة مقامها، فقد ورد في بعض الرّوايات أنّها كانت تعـــيش في بيت الإمـــام الصادق (عليه السلام) قبــل اقترانــها بالإمام الكاظــم (عليه السلام)، وكانت جليلة ذات عقل ودين(25).
روى الصدوق بسنده عن علي بن ميثم أنه قال: اشترت حميدة المصفّاة ـ وهي أم أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) ـ وكانت من أشراف العجم ـ جارية مولّدة واسمها تكتم، وكانت من أفضل النساء في عقلها ودينها وإعظامها لمولاتها حميدة المصفّاة، حتى أنّها ما جلست بين يديها منذ ملكتها إجلالاً لها.
وكانت علائم الجلالة والنجابة تلوح منها حتى شهدت بذلك مولاتها حميدة المصفّاة على ما يروي الصدوق، فقد روى أن حميدة قالت لابنها موسى (عليه السلام): يا بني إن تكتم جارية ما رأيت جارية قطّ أفضل منها، ولست أشكّ أن الله تعالى سيطهّر نسلها، إن كان لها نسل، وقد هبتها لك فاستوص بها خيراً.(26)
ولا شك أن الحياة في بيت الإمام الصادق (عليه السلام)، في حد ذاتها كافية في تأسيس حياة هي أفضل ما تكون، حيث منبع الطهر والعفاف والقداسة والكمال، فإذا انضمّ إلى ذلك الاستعداد التام كانت النتيجة هي بلوغ الغاية الممكنة، في الكمال والاستقامة.
وقد انعكس ذلك على حياة السيدة تكتم، فكانت من أهل العبادة والتهجّد، فإنّها لما أنجبت الرضا (عليه السلام) وكان كلما تصفه الروايات يرتضع كثيراً، وكان تامّ الخلقة، قالت: أعينوني بمرضعة، فقيل لها: أنقص الدرّ؟ فقالت: لا أكذب، والله ما نقص، ولكن عليّ ورد من صلاتي وتسبيحي وقد نقص منذ ولدت.(27)
وفي ذلك دلالة على عظمة هذه المرأة، ومدى تعلّقها بالله تعالى وارتباطها به، ولا شك أن لذلك تأثيراً على ما ينحدر منها من نسل.
1 – عيون أخبار الرضا: ج1، ص17-18.
2 – منتهى الآمال: ج2، ص406.
3 – كتاب الغيبة، ص208-210.
4 – سورة الحجرات: 13.
5 – مجمع البيان: ج9، ص138.
6 – بحار الأنوار: ج22، ص326.
7 – سورة المسد: 1-3.
8 – سورة آل عمران: 195.
9 – سورة آل عمران: 10.
10 – تفسير القرآن العظيم: ج1، ص357.
11 ـ الإمام الحسين (عليه السلام)، ص232-233.
12 – سورة الحجرات: 13.
13 – الشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب، ص59-67.
14 – الفروع من الكافي: ج5، كتاب النكاح، باب آخر منه الحديث 4، ص344.
15 – الحياة السياسية للإمام الرضا (عليه السلام)، ص26-27.
16 – مقتل الحسين (عليه السلام)، هامش ص27.
17 – سورة آل عمران: 19.
18 – الأنوار البهية، ص107.
19 – الأنوار البهية، ص179.
20 – عيون أخبار الرضا: ج1، ص18.
21 – منتهى الآمال: ج2، ص523.
22 – منتهى الآمال: ج2، ص591.
23 – منتهى الآمال: ج2، ص649.
24 – منتهى الآمال: ج2، ص695.
25 – منتهى الآمال: ج2، ص405.
26 – عيون أخبار الرضا: ج1، ص15.
27 – عيون أخبار الرضا: ج1، ص15.
الأمام الخامنئي العراق متحد ضد الارهاب 2019-07-20