٢٧ رجب – البعثة النبوية المباركة
في (27) من شهر رجب بعث النبي محمّد(ص) برسالته الخالدة المكمّلة لجميع رسالات الانبياء قبله و كان عمره الشريف (40) سنة، و المبعث النبوي هو عيد من الاعياد العظيمة في الاسلام إذ انقذ الناس من الظلمات إلى النور و من الجهل إلى العلم و من الوهم إلى الفهم.
تمثل نصوص القرأن الكريم أقدم النصوص التأريخية التي تتمتع بالصحة و الدقة و المعاصرة لأحداث عصر الرسالة الاسلامية، و المنهج العلمي يفرض علينا أن لا نتجاوز القران الكريم فيما يخص عصر النبي (ص) الذي نزلت فيه الايات حين بعثته و استمرت بالنزول حتى وفاته.
و اذا عرفنا أن الروايات التأريخية المتمثلة في كتب الحديث و السيرة قد تأخّر تدوينها عن عصر وقوع الحوادث أوّلاً ، كما أنّها قريبة من الدس و تطرق التزوير اليها ثانياً؛ كان من الطبيعي و المنطقي أن نعرضها على محكمات الكتاب و السنة و العقل لنأخذ ما يوافقها و نرفض ما يخالفها.
و ينبغي أن لا يغيب عنا أن النبوة سفارة ربّانية و مهمة إلهية تتعيّن من قبله سبحانه و تعالى لغرض رفد البشرية بالهداية اللازمة لها على مدى الحياة. و أن الله إنما يصطفي من عباده من يتمتّع بخصائص فذة تجعله قادراً على اداء المهامّ الكبير المراد منه و تحقيقه بالنحو اللائق.
اذن لابدّ أن يكون المرسل من قبله تعالى مستوعباً للرسالة و أهدافها و قادراً علي أداء الدور المطلوب منه على مستوي التلقيّ و التبليغ و التبيين و التطبيق و الدفاع و الصيانة و كل هذه المستويات من المسؤولية تتطلب العلم و البصيرة (و المعرفة) و سلامة النفس و صلاح الضمير و الصبر و الاستقامة و الشجاعة و الحلم و الانابة و العبوديّة لله و الخشية منه و الاخلاص له و العصمة (و التسديد الرباني) على طول الخط. و لم يكن خاتم المرسلين بدعاً من الرسل بل هو أكملهم و أعظمهم فهو أجمع لصفات كمالهم و الله أعلم حيث يجعل رسالته.
و من أبده القضايا و من مقتضيات طبائع الاشياء أن يكون المرشّح لمهمّة ربانيّة كبرى على استعداد تام لتقبّلها و تنفيذها قبل أن يتولّى تلك المهمة أو يرشّح لأدائها. إذن لابد للنبي الخاتم أن يكون قد أحرز كل الخصائص اللازمة لتحقيق هذه المهمة الربانية قبل البعثة المباركة.
فعن الإمام علي بن محمد الهادي (ع) : أنّ رسول الله لمّا ترك التجارة الى الشام و تصدّق بكل ما رزقه تعالى من تلك التجارات كان يغدو كل يوم الى حراء يصعده و ينظر من قلله الى اثار رحمة الله، و إلى أنواع عجائب رحمته و بدائع حكمته و ينظر إلى أكناف السماء و أقطار الأرض و البحار و المفاوز و الفيافي، فيعتبر بتلك الاثار، و يتذكّر بتلك الايات، و يعبد الله حقّ عبادته.
فلمّا استكمل أربعين سنة و نظر الله عزّ و جلّ إلى قلبه فوجده إفضل القلوب و إجلّها و أطوعها و أخشعها و أخضعها أذن لأبواب السماء ففتحت و محمّد ينظر إليها و اذن للملائكة فنزلوا و محمّد ينظر إليهم ، و أمر بالرحمة فانزلت عليه من لدن ساق العرش إلى رأس محمد و غرّته، و نظر إلى جبرئيل الروح الأمين المطوّق بالنور طاووس الملائكة هبط إليه و أخذ بضبعه[1] و هزّه و قال:
يا محمد اقرأ، قال: و ما اقرأ ؟ قال يا محمّد ( اقرأ باسم ربّك الذي خلق* خلق الإنسان من علق * اقرأ و ربّك الأكرم* الّذي علّم بالقلم* علّم الإنسان ما لم يعلم*)[2] .
ثمّ اُوحي إليه ربّه عزّ و جلّ ثمّ صعد إلى العلو.
و نزل محمّد (ص) من الجبل و قد غشيه من تعظيم جلال الله و ورد عليه من كبير شأنه ما ركبه الحمّي و النافض … و قد اشتدّ عليه ما يخافه من تكذيب قريش في خبره و نسبتهم إيّاه إلى الجنون، و إنّه يعتريه شياطين، و كان من أوّل أمره أعقل خلق الله ، و أكرم براياه، و أبغض الأشياء إليه الشيطان و أفعال المجانين و أقوالهم، فأراد الله عزّ و جلّ أن يشرح صدره ؛ و يشجّع قلبه ، فأنطق الله الجبال و الصخور و المدر، و كلّما وصل إلى شىء منها ناداه:
السلام عليك يا محمّد، السلام عليك يا وليّ الله ، السلام عليك يا رسول الله أبشر، فإنّ الله عزّ و جلّ قد فضّلك و جمّلك و زيّنك و أكرمك فوق الخلائق أجمعين من الأوّلين و الاخرين، لا يحزنك أن تقول قريش إنّك مجنون، و عن الدين مفتون ، فإنّ الفاضل من فضّله ربّ العالمين، و الكريم من كرّمه خالق الخلق أجمعين، فلا يضيقنّ صدرك من تكذيب قريش و عتاة العرب لك، فسوف يبلغك ربّك أقصى منتهى الكرامات، و يرفعك إلى أرفع الدرجات، و سوف ينعّم و يفرّح أولياءك بوصيّك عليّ بن أبي طالب،
و سوف يبثّ علومك في العباد و البلاد بمفتاحك و باب مدينة حكمتك: علي بن أبي طالب، و سوف يقر عينك ببنتك فاطمة، و سوف يخرج منها و من عليّ: الحسن و الحسين سيّدي شباب أهل الجنّة، و سوف ينشر في البلاد دينك و سوف يعظّم اجور المحبّين لك و لأخيك، و سوف يضع في يدك لواء الحمد فتضعه في يد أخيك عليّ ، فيكون تحته كلّ نبيّ و صدُّيق و شهيد، يكون قائدهم أجمعين إلى جنّات النعيم[3].
——————————————————————————–
1. الضبع: وسط العضد و في مصدر: بضيعيه. وهزه: حركه.
2- العلق(96): 1-5.
3. بحار الأنوار: 18/205، ح 36
المصدر : مؤسسة السبطين العالمية .
https://t.me/wilayahinfo