27) الأمثال العربية – محمد رضا المظفة
الواجب في الشرع هو ما يثاب عليه فاعله ويعاقب تاركه،والمستحب هو ما يثاب عليه فاعله ولكن من دون عقاب،فالواجب اولى بالتقديم على المستحب،وصلاة الفريضة اجرها أعظم عند الله من الصلاة نافلة وهذا الامر يشمل كل الواجبات،وبناء على ذلك فإن الواجب يكون أفضل من المستحب لا محالة.وقد قال الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله : من أتي بالواجب فهو اعبد العبّاد. وكثير من الأحاديث التي تحث على تقديم الواجبات على المستحبات .
30 – قال وفي حديث آخر ورد في كتاب الامثال من الكتاب والسنة للترمذي،ان رسول الله (ص) قال:
(مثل المنافق مثل الشاة العائرة بين الغنمين تتردد بينهما مرة إلى هذه ومرة إلى هذه) .
قوله العائرة بمعنى المترددة الحائرة التي لا تدري اي الفريقين تتبع.
وفي هذا الحديث بيان لحال المنافق التي لا ثبات له على الايمان،فمرة مع المؤمنين في الظاهر ومرة مع الكفار في الباطن،فهو يكون دائما حريص على المنافع والفوائد الدنيوية،فإذا كان هناك نفع من المؤمنين قال انا معكم،وإن رآى النفع عند غيرهم،قال أنا معكم مذبذب بين الإثنين لا الى هؤلاء ولا الى هؤلاء.وهذا التذبذب هو من الامور الممقوتة عند الله تعالى شأنه بحيث استدعى نزول القران الكريم في المنافقين وفضح اسرارهم ليحذر المؤمنين منهم.فقد ورد في سورة البقرة ثلاثة اصناف،ففي بداية سورة البقرة ذكر المؤمنين في اربع آيات وبعدها آيتين في الكفار وورد ذكر المنافقين في ثلاثة عشرة آية لكثرتهم وشمولية الابتلاء بهم وشدة الفتن بهم،فقد ابتلي الإسلام بهم شرّ بلاء،فهم محسوبون على الاسلام جزافاً والحقيقة هي غير ذلك حيث هم اقرب الى عداء الاسلام،يخرجون عداوته في كل أمر والجاهل يظن أنهم يريدون الاصلاح وهذا هو عين الجهل والغفلة،فلله كم من معقل للاسلام هدموه،وكم من حصن له قد قلعوا أساسه وخربوه، وكم من علم له طمسوه وكم لواء مرفوع انزلوه،وكم ضربوا بمعاول الشُبه اصول الاسلام ليقلعوها عن بكرة ابيها،فما زال الإسلام منهم في محنة وبلية الى يومنا هذا وقد قال الله في كتابه العزيز (ألا أنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون) .وقد وردت عن النبي محمد صلى الله عليه وآله واهل بيته روايات كثيرة في علامات المنافق،ومنها الحديث التالي الذي ورد عن النبي صلى الله عليه واله،حيث قال: (إِن للمُنَافِقِ عَلَامَاتٍ، يُعرَفُونَ بِهَا: تَحِيتُهُم لَعْنَة، وَطَعَامُهُم نُهْبة، وَغَنيمَتُهُم غُلُوا، لَا يَقْرَبُونَ المَسَاجِدَ إِلا هَجْرًا، وَلَا يَأتُونَ الصلَاةَ إِلأ دُبُرًا “.
وفي حديث آخر عن النبي صلى الله عليه وآله قال: ” أَرْبعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وِإذَا وَعَدَ أخْلَفَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ “، وروي: ثلاث) .
31 – وروي عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبي سلام الأسود رضي الله عنهم أن رسول الله رأى رجلا ينقر في صلاته لا يتم الركوع والسجود فقال (لو مات هذا مات على غير ملة محمد فإذا صليتم فأتموا الركوع والسجود فإن مثل المصلي الذي لا يتم ركوعه ولا سجوده كمثل الجائع الذي يأكل المرة والمرتين لا تغنيان عنه شيئا) .
لاشك ان الخشوع والخضوع ما هو الا ثمرة لصلاح القلب إستقامة الجوارح ولا يحصل ذلك إلا بمعرفة الله سبحانه وتعالى والتسليم والخشوع والخضوع له جل وعلا.ولابد من الاستعداد الروحي للصلاة والمحافظة على أدائها في وقتها،ولن يتسنى ذلك إلا إذا عرفنا حقيقة الحياة الدينا وأنها زائلة أننا نعيش فيها كقوم مسافرين لا يعلمون متى سيؤذن لهم بالرحيل.أو كعابر سبيل ليس له إلا الاكتفاء بأدنى المؤن ليصل بعدها الى بر الامان.وقد قال رسول الله صلى الله عليه واله (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل فإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح و إذا أصبحت فلا تنتظر المساء و خذ من صحتك قبل سقمك و من حياتك قبل موتك) .فهكذا يجب ان تكون حياة المسلم بتوقعه للموت في كل لحظة وهذا هو معنى الحديث حقيقة حيث يجب ان يكون المؤمن كيّس فطن يعتبر بما يراه ويلم به في هذه الحياة الدنيا واستغلاله لفرص الخير،وإستغلال الصحة قبل السقم حيث ينقطع السقيم من فعل الخيرات والاستمرار بحياته الطبيعية،وكذلك يحث النبي محمد صلى الله عليه واله على استغلال الحياة قبل الموت لان الإنسان سينقطع عن الدنيا بموته لان الدنيا هي مزرعة الآخرة ولذلك قلنا لا بد للانسان ان يستغل فرص الخير لتكون له الزاد في المعاد عند لقاء الله تعالى.
32 – وفي حديث عن جندب ،ان رسول الله صلى الله عليه واله ،قال :
(مثل العالم الذي يعلم الناس الخير و ينسى نفسه كمثل السراج يضيء للناس و يحرق نفسه).
(السراج يضيء للناس) في الدنيا (ويحرق نفسه) بنار الآخرة فصلاح غيره في هلاكه هذا إن لم يدع إلى طلب الدنيا وإلا فهو كالنار المحرقة التي تأكل نفسها وغيرها فالعلماء ثلاثة إما منقذ نفسه وغيره وهو الراغب إلى اللّه عن الدنيا ظاهراً وباطناً وإما مهلك نفسه وغيره وهو الداعي إلى الدنيا وإما مهلك نفسه منقذ غيره وهو من دعا إلى الآخرة ورفض الدنيا ظاهراً ولم يعمل بعلمه باطناً وهذا وعيد لمن كان له ذكر أو ألقى السمع وهو شهيد، وكان علماء الصحب في غاية من الوجل والخوف ولذلك قالت عائشة لفتى اختلف إليها يسألها وتحدثه فجاءها ذات يوم فقالت: أي شيء عملت بعد بما سمعت قال: مه قالت: فما تستكثر من حجج اللّه علينا وعليك وقال عيسى عليه الصلاة والسلام للحواريين تعملون للدنيا وأنتم ترزقون فيها ولا تعملون للآخرة وأنتم لا ترزقون فيها إلا بعمل وقال: يا علماء السوء بلا عمل جعلتم الدنيا على رؤوسكم والآخرة تحت أقدامكم قولكم شفاء وعملكم داء كشجرة الدفلي تعجب من رآها وتقتل من أكلها .
33- عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله يَقُولُ:
[يُجَاءُ بِرَجُلٍ فَيُطْرَحُ فِي النَّارِ فَيَطْحَنُ فِيهَا كَطَحْنِ الْحِمَارِ بِرَحَاهُ فَيُطِيفُ بِهِ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ أَيْ فُلَانُ أَلَسْتَ كُنْتَ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ فَيَقُولُ إِنِّي كُنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا أَفْعَلُهُ وَأَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ وَأَفْعَلُهُ ].
وعيد عظيم، يثير الفزع في النفوس، بتصور هذا المنظر المخيف، منظر رجل يلقى في النار، فتنصب مصارينه من جوفه، ويدور فيها، فيجتمع أهل النار حوله يتعجبون من هيأته ويسألونه عن شأنه وحاله. إنه ليس وعيداً على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهذا مطلوب من كل أحد، ولكنه وعيد على ارتكابه المنكر عالماً به، ينصح الناس عنه ثم يخالفهم إليه ويفعله.
قال الحسن:’ لقد أدركت أقواماً كانوا آمر الناس بالمعروف وآخذهم به، وأنهى الناس عن المنكر وأتركهم له، ولقد بقينا في أقوام آمر الناس بالمعروف وأبعدهم عنه، وأنهى الناس عن المنكر وأوقعهم فيه. فكيف الحياة مع هؤلاء؟ .