الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / (أن كان وصي محمد عليا فوصي محمد علي) نلتمس من فيضه

(أن كان وصي محمد عليا فوصي محمد علي) نلتمس من فيضه

في لقاء أعضاء مجلس خبراء القيادة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام علي سيّدنا محمّد وآله الطاهرين، ولعنة الله علي أعدائهم أجمعين.
قدمتم خير مقدم أيّها السادة الكرام والإخوة الأعزّاء!
أتقدّم بأحرّ التعازي لكم جميعاً أيّها الإخوة الأعزّاء، باستشهاد الصدّيقة الطاهرة -، فأنتم تلامذة هذه المدرسة.

وددت أن أشير إلى مسألة في هذا المضمار: خلال الأيام الفاطمية، وبمناسبة ذكر مناقب تلك السيدة الجليلة واستعراض مصائبها، ينبغي الالتفات إلى تحاشي طرح المسائل المثيرة للتفرقة. فإنّ السياسات العجيبة والشيطانية الدولية في الوقت الراهن تهدف جاهدة لإثارة الشقاق والخلاف بين الشيعة والسنّة.

حروب سياسية بامتياز
ثمّة اليوم حروبٌ في المنطقة، وأقولها لكم، إنّ أيّاً من هذه الحروب لا تُصنَّف في صنف الحروب العقائدية، وإنّما هي حروبٌ سياسية قد اشتعلت نيرانها بشتّى الدوافع السياسية والقومية وأمثال ذلك، ولا صلة لها بالدين. بيد أنّ العدوّ المتمثّل بأمريكا والصهيونية وبريطانيا، يحاول تحويل هذه الصراعات، وهذه الاختلافات إلى اختلافات مذهبية، لأنّكم تعلمون بأنّ الاختلافات المذهبية لا تنتهي بهذه السهولة.

فلا ينبغي لنا أن نساعد على تحقيق هذا الهدف.
نحن اليوم، نشاهد من إخواننا أهل السنّة أناساً يصطفّون إلى جانبنا ويواكبوننا في الدفاع عن حرم أهل البيت، ويقدّمون الضحايا والشهداء.

فقد جاءتني مجموعة من عوائل الشهداء المدافعين عن الحرم ومن بينهم عدد من العوائل السنية. وهؤلاء الإخوان من أهل السنّة الذين قد أرسلوا شبّانهم إلى الجبهات دفاعاً عن حرم السيدة زينب أو حرم أمير المؤمنين أو حرم سيّد الشهداء، حينما يأتون إلينا، وبدلاً من التعبير عن أسفهم، أو إبداء حُزنهم وألمهم، أو إظهار عتابهم وشكواهم، يعبّرون عن فخرهم واعتزازهم لاستشهاد ولدهم في هذا الطريق، أفهل ينبغي لنا أن نلحق بهؤلاء الأذى والألم؟ وهل يجب علينا أن نفعل ما من شأنه إقصاؤهم عنّا؟ هذه نقاط هامّة وأساسية. وإنّ واحدة من الأولويات الأساسية لمجتمع العلماء الدينيّين هي الحؤول دون أن يتمّ على أيدينا وبكل سهولة، إمرار المشاريع التي يحاول الأمريكيون والصهاينة تنفيذها بمشقّة. وهذا ما يجب عليكم أن تتنبّهوا له.

لقد عمد علماء السنّة في محافظة سيستان وبلوشستان إلى حثّ الناس على المشاركة في الانتخابات، وإذا بالجماعات التكفيرية أخذوا يهددونهم – اليوم – بأنّكم لماذا قدّمتم العون في سبيل الانتخابات، وذلك لكونهم شجّعوا على هذا الأمر.

فالجماعات التكفيرية لا تعادي

الشيعة وحسب، بل تعادي النظام الإسلاميّ، وتعادي كل من يقدّم العون والمساعدة للنظام الإسلاميّ، وهذا أمرٌ لا بدّ من الالتفات إليه. ولطالما ذكرتُ بالطبع، أنّه لا إشكال من بيان المسائل التاريخية مع مراعاة الموازين والالتزام بالأدب، وأخذ المصالح الهامة بنظر الاعتبار، بيد أنّ الحيلولة دون بثّ الفرقة وإثارة البغضاء، تعتبر اليوم من أمّهات المسائل التي يجب التركيز عليها والاهتمام بها.

مجلس جديد لخبراء القيادة
اجتماعكم في هذا اليوم، يعدّ آخر اجتماع لأطول دورة في مجلس الخبراء. وخلال هذه السنوات – التي تبلغ نحو تسع سنين كما ذكر سماحة الشيخ اليزدي (رئيس مجلس خبراء القيادة) – عقد هذا المجلس اجتماعات، وأنجز مهامَّ، وتداول أبحاثاً هامّة، وأضحى منشأً للآثار. كما وقد افتقد مجموعة من الأعضاء، ويبدو – بحسب التقرير الذي رُفع لي – أنّ هناك زهاء سبعة عشر عضواً من أعضاء هذا المجلس قد رحلوا عن الدنيا على مرّ هذه السنوات. وعلى هذا الغرار أيضاً ستكون الدورة الجديدة التي سوف تشرع بعملها، وهذا هو حال الدنيا، حيث يصل البعض إلى المحطة الأخيرة، وحركة أبناء البشر باتّجاه عالم البقاء حركة دائمة متواصلة، وهذا إنّما يدلّ على قدرة الله وعلى التقدير الإلهيّ. فلنراقب أنفسنا، ولنستغفر لأولئك الأعزاء الذين رحلوا عنّا ممّن كانوا قد شاركوا في هذه الدورة، وبذلوا المساعي والجهود فيها.
وأخصّ بالذكر المرحوم الشيخ الطبسي (رضوان الله تعالى عليه)، والمرحوم الشيخ الخزعلي (رضوان الله تعالى عليه)، فقد كان هذان الأَخَوان الصالحان، ممن حافظ في مجلس الخبراء على مكانة أهل الخبرة بكلّ ما في الكلمة من معنى، وخرجا من هذا الاختبار بنجاح حقاً.

بساطة عيش الشيخ الطبسي
إنّ المرحوم الشيخ الطبسي (رحمة الله عليه) المعروف لدى غالبيتكم بتاريخه الجهاديّ في فترة القمع والكبت، وبخدماته بعد ذلك في الروضة الرضوية المقدسة، وفي مجموعة قضايا الثورة، كان يتّصف بسمات بارزة لا يستطيع المرء أن يغضّ الطرف عنها – رحمة الله على هذا الرجل العظيم وهذا الأخ العزيز لنا – ففي أحلك الظروف وأشدّها خطورة، حافظ على مكانته الثورية وأعلنها جهاراً وأصرّ عليها وصرّح بها. وفي خضمّ الفتنة التي اشتعلت عام 2009م، ترك كلّ التحفظات جانباً، ونزل إلى وسط الساحة، وتخلّى عن الصداقات والمجاملات ونحو ذلك. وهذا ما شاهدناه منه في مواطن كثيرة، فلقد كان إنساناً صريحاً مؤمناً حاسماً. وهذه هي الأمور التي تبقى في بناء شخصية الأفراد وفي صناعة تاريخ حياتهم، وهي التي

تبقى في الحسابات الإلهية. ثمّ إنّ حياة هذا الرجل المؤمن والجليل لم تتغيّر طيلة فترة تقلّده للمسؤولية، فقد فارق الحياة في نفس ذلك المنزل الذي لطالما كنّا نتردّد إليه قبل الثورة، وبنفس الأثاث المنزليّ. والكنبات التي كان يمتلكها في داره – في تلك الأيام التي لم نكن نعرف كيف نجلس على الكنبات – منذ 40 أو 45 عاماً بقيت نفسها في بيته يستفيد منها، فلم يوسّع وضع معيشته، ولم تصطبغ حياته بالصبغة الأرستقراطية. وهذه بالتالي تترك آثارها في نفوس الناس. ورغم كل الإعلام المكثّف ضده، رأيتم كيف ودّع أهالي مشهد هذا الرجل. فإنّ تشييع جنازة المرحوم الشيخ الطبسي والصلاة عليه، كانت تضاهي أكبر المسيرات التي تنطلق في مشهد، حيث شاهدنا ذلك الصحن الكبير جداً، كان مليئاً بالحشود، وكلّهم من أهالي مشهد – إذ لم يكن الموسم موسم زيارة، حتّى نقول إنّ الزوار قد حضروا في هذه المراسم. كلّا، بل كانوا من أهالي مشهد، حيث جاؤوا تقديراً وعرفاناً للجميل. فرحمة الله على هذا الفقيد العزيز.

موقف المرحوم الشيخ الخزعلي
وأما المرحوم الشيخ الخزعلي (رضوان الله تعالى عليه) فقد أدّى امتحاناً من نوع آخر، كان في غاية الصعوبة، حيث ثبت على كلمته وعلى نهج الثورة، ووقف بكل صراحة وبسالة عندما امتُحن بالمقرّبين والمنتسبين إليه. ولطالما حدّثني بأمورٍ سُجّلت في صدري وفي مدوّناتي، وهناك مسائل كثيرة طرحها على الملأ العام وسمعها الآخرون. وهذه هي التي تمنح الإنسان ثمناً وقيمة، وتجعل حركته الثورية ذات مضمون ومعنى. رحمة الله عليهم. نسأل الله تعالى أن يتغمّدهم برضوانه ورحمته. “كَأَنّي بِنَفْسي واقِفَةٌ بَيْنَ يَدَيْكَ وَقَدْ أَظَلَّها حُسْنُ تَوَكُّلي عَلَيْكَ، فَقُلْتَ ما أَنْتَ أَهْلُهُ وَتَغَمَّدْتَني بِعَفْوِكَ” . نرجو الله سبحانه وتعالى أن يجعلهم من المشمولين بهذه الفقرة من المناجاة الشعبانية .

انتخابات متألّقة
وأمّا الانتخابات فكانت في هذا العامّ عميقة المعاني بالغة الأهمية. ورغم كلّ الجهود التي بُذِلت والأعمال التي مورست ضد الانتخابات للتشكيك فيها والتقليل من أهميتها، شارك في كلتا الانتخابات 34 مليون ناخب، وهذا يعني في الحقيقة أنّ الشعب الإيرانيّ قد أدخل زهاء سبعين مليون ورقة تصويت في صناديق الاقتراع، وهو أمرٌ في غاية القيمة والأهمية، والناس قد تألّقوا حقاً في هذه الساحة. فأن يشارك 62 بالمائة ممّن يحقّ لهم الاقتراع، تعتبر

نسبة مئوية عالية إذا ما قورنت بأكثر البلدان، لا ببعضها بل بأكثرها. وبحسب التقارير التي بلغتني، لم تصل نسبة مشاركة الناس في أمريكا خلال الأعوام العشرة المنصرمة، في مختلف الانتخابات، سواءٌ الانتخابات النيابية أو الرئاسية، إلى أربعين بالمائة على الإطلاق. فإنّ هذه المشاركة الجماهيرية ذات مغزى عميق، والناس قد سجّلوا ثقتهم بالنظام الإسلاميّ بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى، وأثبتوا ذلك عمليّاً. هذه واحدة من النقاط الهامة.

حضور الشيخ مصباح قيمة للمجلس
علماً بأنّه في جميع الانتخابات هناك من يخرج اسمه من صناديق الاقتراع، وهناك من لا يخرج اسمه، ولهذا الأمر أسبابٌ مختلفة. ومن هذا المكان أرى من الضروريّ أن أتقدّم بالشكر لأولئك الذين حضروا في هذه الدورة التي طالت تسعة أعوام، وبذلوا جهودهم ومساعيهم وليس لهم حضورٌ في الدورة الـمُقبلة. علماً بأنّ البعض من علمائنا الأعلام لا يمسّ انتخابهم أو عدم انتخابهم أيّ مساس بشخصيّتهم، وهناك البعض ممّن ينتفع مجلس الخبراء من حضورهم، لا أن يزيدهم حضورهم في هذا المجلس فائدة ونفعاً. أمثال سماحة الشيخ (محمد) اليزدي أو الشيخ مصباح (اليزدي)، يضفي حضورهم على مجلس الخبراء مزيداً من الثقل والوزن، وعدم حضورهم في المجلس لا يتسبّب في أن يلحق بهم أيّ ضرر، بل يُعدّ خسارة لهذا المجلس نفسه. فإنّ الشخصية البارزة للأفراد تعود إلى معنوياتهم ورصيدهم وثروتهم المعنوية. كما ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يمنّ بالتوفيق على كلّ من دخل حديثاً إلى هذه الدورة ولم يكن سابقاً، وعلى كافّة أعضاء مجلس الخبراء بإذنه ومشيئته.

سمات انتخاباتنا
إنّ للانتخابات في بلدنا – ومنها هذه الانتخابات – سمات وخصائص عدّة. وسوف أستعرض منها ما أرى فيه أهمّية خاصّة.

1- المشاركة بحرية واندفاع ورغبة
الأولى، أنّ الناس أحرار في سلوكهم تجاه المشاركة في هذه الانتخابات، وفي سائر الانتخابات التي تُجرى في بلدنا. ولكنّها في بعض البلدان، وحتّى في البلدان الغربية – الأوروبية منها وغير الأوروبية – مسألة إجبارية، ومعنى ذلك أنّ عدم المشاركة في الانتخابات مكلف لهم. وأمّا في بلادنا فإنّ عدم المشاركة لا يكلّف أي ثمن، والناس يشاركون بحرية واندفاع ورغبة، ويسيرون في ذلك وراء الفكر الذي يحملونه. وهذا أمرٌ بالغ الأهمية.

2- التنافسية
والنقطة الثانية، التي تتّسم بها أغلب انتخاباتنا، وهذه الانتخابات أيضاً بشكل جليّ وواضح، هي الطابع التنافسي للانتخابات. ولقد حاول البعض القول إنّ هذه الانتخابات غير تنافسية، وهذا قولٌ يخالف الواقع، بل اتّخذت هذه الانتخابات طابعاً تنافسياً، حيث شارك فيها مختلف التيارات والأفراد برايات وعناوين وشعارات متنوعة، وطرحوا آراءهم، ومنحت الإذاعة والتلفزيون الفرصة لمرشّحي مجلس الخبراء، وقام مرشّحو مجلس الشورى الإسلاميّ بممارسة الدعاية الانتخابية في مدنهم، وبذلوا قصارى جهدهم في ذلك. ومن هنا، فإنّ الانتخابات تنافسية بالكامل، والناتج منها كان حصيلة منافسة تامة.

3- الأمن والاستقرار
والسمة الهامة الأخرى الجديرة بالالتفات، والتي تعدّ من مواطن شكر الله حقاً، هي سيادة الأمن والاستقرار في أجواء الانتخابات، حتّى في الأماكن التي تحمل بعض الدوافع والمحفّزات لنشوب الاختلاف، كوجود الاختلاف والتنافس بين القوميّات وبين المدن، وهذا ما له وجوده في كافّة أنحاء البلاد، وعلى الرغم من ذلك لم تقع أيّ حادثة مرّة. وهذا بالطبع، واضحٌ بالنسبة إلى المدن الكبيرة وما شابهها. ولكنّ الأمر كان كذلك حتّى في أطراف البلاد أيضاً، إذ لم يطرأ أيّ حدث يعكّر أجواء الانتخابات، ويؤدّي إلى خسائر في الأرواح لا قدّر الله. ولكم أن تلاحظوا انعدام الأمن في البلدان المحيطة بنا شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً. ولا أقصد من هذا أنّهم لا يستطيعون إجراء انتخابات هادئة ونزيهة وحسب، بل إنّهم لا ينعمون بحياة سليمة ومستقرّة أيضاً. فالمرء حين يخرج من داره لا يعلم أنّه سيعود إليها أم لا. هذه هي الأوضاع السائدة تقريباً في البلدان المحيطة بنا من انعدام الأمن. وفي بلدنا، والحمد لله، تقام انتخابات بهذه العظمة، وبهذه المشاركة الواسعة، حتّى إنّ الناس في طهران شاركوا منذ الثامنة صباحاً وحتّى الثانية من منتصف الليل – ففي بعض الدوائر الانتخابية بطهران، كما في التقارير التي بلغتني، شارك الناس وأدلوا

بأصواتهم لا إلى الثانية عشرة مساءً، بل وحتّى الثانية من منتصف الليل كانوا يأتون ويذهبون – بمنتهى الهدوء والاستقرار والأمن. وهذا غاية في الأهمية، ويعتبر لبلدنا رصيداً ونعمة إلهية كبرى، فلنعرف قدرها. ومن هنا يتحتّم علينا حقّاً أن نتقدّم بالشكر إلى الذين تمكّنوا من توفير هذا الأمن لنا، بما فيهم وزارة الداخلية، وقوات الشرطة، والحرس الثوريّ، وقوات التعبئة، وكلّ من ساهم في هذا الموضوع.

4- النزاهة والأمانة
والخصوصية الأخرى لهذه الانتخابات، كما هي حال الانتخابات الأخرى عندنا، هي النزاهة والأمانة، ومعنى ذلك أنّ الانتخابات قد أُجريت بصورة نزيهة، وهذا مخالف تماماً لما يروّج له الأعداء دوماً على مرّ هذه الأعوام. وغالباً ما تتصاعد وتيرة هذا الترويج عند الاقتراب من موعد الانتخابات، قائلين إنّه تُرتكب خيانة وغشّ، حيث يدخل في صناديق الاقتراع اسم شخصٍ، ويخرج منها اسم شخص آخر! وهذه أقوالٌ سمعتموها، ودوماً ما يردّدها البعض في الخارج، ويعيدها البعض الآخر ويكرّرها في الداخل أيضاً. ومع هذا فقد كانت الانتخابات نزيهة، والحمد لله، بل كانت نزيهة على الدوام. وهذا ما أثبت بطلان قول وعمل أولئك الذي اعتبروا في فترة ما بطلان الانتخابات، كالذي حدث في سنة 2009م، وأجّجوا تلك الفتنة المضرّة والرهيبة للبلاد، والسبب في ذلك أنّهم رشقوا البلد بتهمة عدم نزاهة الانتخابات. كلّا، بل كانت الانتخابات وما تزال نزيهة، وكذلك الحال في الدورات السابقة وفي سنة 2009م و2005م، فقد كانت الانتخابات فيها تتّسم بالنزاهة والسلامة، ولم تسقط الانتخابات عن النزاهة مطلقاً. أجل، قد يتمّ التلاعب بعشرة أصوات أو عشرين صوتاً أو مائة صوت في زاوية من الزوايا وفي صندوقٍ من الصناديق، سواء عن غفلة أو عن قصد، ولكن لا توجد في بلادنا أيّ حركة منظّمة تؤدّي إلى التغيير في نتائج الانتخابات، لا في الماضي ولا في الحاضر، ويحدونا الأمل أن لا تحدث أبداً في المستقبل أيضاً، إن شاء الله.
5- السلوك الشريف للخاسرين

والنقطة الأخرى، التي ظهرت بكلّ وضوح وتجلّت في هذه الانتخابات، هي السلوك الشريف والنبيل تماماً لأولئك الذين لم يحصلوا على أغلبيّة الأصوات. فلو قام هؤلاء بالاعتراض والشكوى والعتاب والتحدّث في الأبواق (الإعلامية)، لارتبك الوضع ولسادت البلبلة والاضطرابات بالتأكيد. ولقد عبّر سماحة الشيخ اليزدي (أدام الله بقاءه) في بداية هذا الاجتماع، – كما قالها سابقاً – عن فرحه وابتهاجه ورضاه، وبارك للذين فازوا في الانتخابات، وهذه

مسائلُ في غاية الأهمية والعظمة والقيمة، وقيمٌ لا بدّ من معرفة قدرها. هذا على خلاف السلوك الرذيل والذميم لأولئك الذين لم يحرزوا الأصوات في سنة 2009م، ما أدّى إلى أن يثيروا الضجيج، ويجرّوا الناس إلى الشوارع، ويسوقوا الأمور إلى المواجهة والاشتباك، ويكلّفوا البلد ثمناً (باهظاً)، ويُطمّعوا العدوّ، ويمنحوه الجرأة والجسارة، وهذا ما تحقّق بالفعل. وإنّ الله سبحانه وتعالى هو الذي أخمد نيران تلك الفتنة، وإلّا فالفتنة التي أجّجوها لم تكن صغيرة. هذه أيضاً خصوصية أخرى.
إنّني، لم أذكر اسم وزارة الأمن من ضمن الذين ساهموا مساهمة جادّة في إحلال الأمن للانتخابات، وأعتذر منهم عن ذلك، فإنّ حضورهم كان بالتأكيد حضوراً مؤثّراً في تكريس الأمن والحؤول دون بروز بعض الأحداث التي كان من الممكن وقوعها.

الشعب والنظام، لا قطبية
إنّ ما يمكن أن نقوله في حصيلة هذا الجانب من الحديث، هو:
أنّ الشعب في هذه الانتخابات، قد أبدى ثقته بالنظام الإسلاميّ وتبعيّته له، وأثبت أنّه تابع للجمهورية الإسلامية، ويؤمن بقوانينها، ويتصرّف ويعمل وفق هذه القوانين، وهذا على جانب كبير من الأهمية، وهو يقف (موقفًا) مخالفًا تمامًا ممّا يهدف إليه أعداؤنا من خلق قطبية ثنائية بين الحكومة والنظام من جانب، والشعب من جانب آخر.

والناس قد أثبتوا بطلان ذلك لا بالقول، بل بالنزول إلى الساحة، كما كانوا قد أثبتوا ذلك من قبل، من خلال مشاركتهم الحاشدة في مسيرة الثاني والعشرين من بهمن (ذكرى انتصار الثورة الإسلامية)، بتلك العظمة، وبذلك الوعي والاندفاع. هكذا هم الناس حقاً.
ومن هنا، ولحسن الحظّ، فقد أخفقت مساعي العدوّ الرامية إلى إسقاط الانتخابات عن القيمة والاعتبار، حيث أُجريت الانتخابات بكامل قيمتها واعتبارها.

إحراز الأهلية شرط
ثمّة نقطة أخرى تُطرح في هذا المجال، وهي أنّ البعض – ولا بدّ من القول تبعاً للعدوّ من غير قصد وعلم – يوجّهون جملة من الإشكالات لمجلس صيانة الدستور – وإني حقاً أوجّه عتابي لأمثال هؤلاء -، فلقد أنجز هذا المجلس عمله بجدّ وسعي حثيث، وجهد بليغ. ولو كنتم أنتم أيضاً مكان مجلس صيانة الدستور، لما عملتم غير ذلك. فلقد كان على هذا المجلس أن يناقش 12 ألف ملفّ خلال عشرين يوماً – كما أشار إلى ذلك سماحة السيد (محمود الهاشمي) الشاهرودي (نائب رئيس مجلس خبراء القيادة) -. وهذا إشكالٌ نابعٌ من القانون، ولو أزيل هذا الإشكال القانونيّ، لارتفعت تلك المشكلة المترتّبة عليه. فلماذا نكتب هذا الإشكال القانونيّ باسم مجلس صيانة الدستور؟ إنّ السادة يتحدّثون عن إحراز الأهلية وعدمه، وإنّي لأعجب ممّا يقوله البعض.

فإنّكم جميعاً من أهل الفضل والعلم، أفهل يمكن تأييد شخصٍ، من دون إحراز الشرائط التي تؤهّله لتولّي مسؤولية؟ وهل يمكنكم تأييده من دون إحراز الشرائط القانونية فيه للنهوض بهذه المهمة؟ وهل سيكون لديكم جواب أمام الله سبحانه وتعالى؟ لا يمكنكم ذلك فيما إذا كنتم تحلّون محلّ مجلس صيانة الدستور. فإن لم يقم المجلس بالإحراز، لا مفرّ له سوى القول إنّي لم أحرز الأهلية، وهذا سيؤول بالطبع إلى رفض الشخص، وليس هذا بالإشكال الذي يمكن إيراده على مجلس صيانة الدستور. ولو أردتم أن تتوافر للمجلس فرصة إحراز الأهلية، عليكم بتعديل القانون وإصلاحه – ولطالما ذكرنا هذا الأمر فيما مضى، وأخذ البعض حالياً يفكرون في هذه القضية – لعلّهم يتمكّنون، إن شاء الله، من تعديل القانون – علماً بأنّنا طرحنا السياسات العامّة للانتخابات، وأرسلناها إلى مجلس تشخيص مصلحة النظام، وخضعت للدراسة والنقاش، ولو تمّ إنجاز عملٍ صحيحٍ بالاستناد إليها فلا كلام في ذلك – ولكن لا تغيير في الأوضاع بهذا القانون الموجود حالياً، ومجلس صيانة الدستور لا مناص له، ولا يستطيع تأييد من لم يُحرز فيه شروط الأهلية، ولا بدّ له من إحرازها.

الأعداء وتشويه مجلس صيانة الدستور
إنّكم تقولون إنّ القانون ذكر أربعة مصادر ، وفي هذا نقاشٌ بالطبع، ولكن فلنفترض أنّه ذكر هذه المصادر لاكتساب المعلومات. فلو كنتَ أنتَ مسؤولاً، واطّلعت عن طريق معيّن على فقدان أهلية هذا الشخص، هل يمكنك تأييده؟ لا يمكنك ذلك، ولا يوجد لديك جواب أمام الله سبحانه وتعالى. فلماذا يُشنُّ كلّ هذا الهجوم على مجلس صيانة الدستور؟

علماً بأنّ البعض يستاؤون إذا ما رُفضوا في مجلس صيانة الدستور، وهذا الاستياء مقبولٌ ويمكن إدراكه. وأنا أيضاً قد أتألّم إذا ما قيل لي بشأن مهمّة معيّنة “إنّك غير مؤهّل لها”. ولكن حينما ينتابنا الاستياء والألم، هل ينبغي لنا إثارة الضجيج والصخب؟ إذا امتعض الإنسان وكان هنالك طريق قانونيّ، عليه أن يتوسّل بذلك الطريق. وإنّ ممّا يثير عجبي، هو أنّ البعض يتصدّى للكتابة في الصحف وينشرها هنا وهناك، ويقوم بممارسات من هذا القبيل متهجّماً على مجلس صيانة الدستور بأنّكم لـِمَ رفضتموني، مع أنّي كنتُ صالحاً ومؤهّلاً؟ جيّد جدّاً، فإنّك صالح، ولكن لو كان قد أخطأ مجلس صيانة الدستور في هذا الأمر، عليك أن ترجع إليه، ليقوم بأداء دوره الملقى على عاتقه وفقاً للقانون. وإن لم تحصل النتيجة المرجوّة، لا يمكن النيل من مجلس صيانة الدستور.

وليعلم الجميع بأنّ هذا المجلس، هو أحد المراكز الرئيسية التي تعرّضت للتشويه من قِبَل الاستكبار منذ انطلاق الثورة الإسلامية. فإنّ أحد أهم المراكز التي حاول الجهاز الإعلاميّ الشيطانيّ الصهيونيّ الأمريكيّ الاستكباريّ منذ انبثاق الثورة النيل منه، هو مجلس صيانة الدستور. فلا ينبغي لنا أن نساعدهم على ذلك، ونقوم نحن أيضًا بالإساءة إلى هذا المجلس لهذا السبب.
أجل، قد تكون لنا شكاوى في هذا المجال، أو توجد هناك مشكلة، ولكن المفترض أن نطرح المشكلة، لا أن نشوّه سمعة مجلس صيانة الدستور. فلا يجوز لنا تشويه هذا المركز القانونيّ. وأيّما إساءة إلى مجلس صيانة الدستور تعتبر حقاً عملاً غير إسلاميّ، وغير شرعيّ، وغير قانونيّ، وغير ثوريّ.

وظائف مجلس الخبراء

أولاً: مجلس ثوريّ قولاً وعملاً
لقد تألّق الناس حقاً وأنجزوا ما كان يُتوقَّع منهم، والآن قد حان دورنا، أي دور مجلس الخبراء لأن يعمل بوظائفه، وكذلك دور مجلس الشورى الإسلاميّ لأن ينهض بواجباته، وأيضاً دور الحكومة المحترمة لأن تؤدّي تكاليفها. فهناك واجبات في أعناقنا. إذ إنّ الناس قد نزلوا إلى الساحة، وحدّدوا نوّابهم. ومجلس الخبراء – باعتقادي – هو المكان الأهمّ الذي لا بدّ وأن ينظر إلى وظائفه. ولو أردتُ أن ألخّص ذلك في كلمة واحدة، أقول إنّ على مجلس الخبراء أن يبقى ثورياً في ذاته وثورياً في فكره وثورياً في عمله. هذا هو خلاصة الأمر. وهناك كلمات كثيرة يمكن إطلاقها في تفسير هذا الموضوع، منها أن تجعلوا الله في انتخاب القائد المستقبليّ نُصب أعينكم. فإنّ احتمال أن تُبتلى هذه الدورة، التي ستشرع بعملها حديثاً، بهذا الاختبار ليس بالاحتمال القليل. ففي ذلك الوقت الذي يتعيّن فيه اختيار القائد، ينبغي التخلّي عن التحفّظات والمجاملات، ويجب التوجّه إلى الله، والاهتمام بأداء الواجب، وأخذ متطلّبات البلد بنظر الاعتبار. فليتمّ اختيار القائد على هذا الأساس. هذه هي الوظيفة الأهمّ باعتقادنا، فليكونوا مراقبين. والتقصير في هذه المرحلة وفي هذه الوظيفة الكبرى، سيؤدّي إلى بروز مشكلة في أساس العمل. هذه هي القضية الأهمّ التي يجب أن تحظى باهتمام كبير.

ثانياً: الاهتمام بشؤون الناس
علماً بأنّ هناك، ما سوى هذا الواجب، واجبات أخرى تقع على عاتق مجلس خبراء القيادة. وكما أشار السادة، فإنّ مجلس الخبراء يتألّف من العلماء والأعلام والشخصيات البارزة في المحافظات، وبوسعهم أن يؤثّروا، وأن يستمعوا إلى كلام الناس ويطرحوه في هذا المكان، ويكون بذلك حلقة وصل بين متطلبات الشعب وبين المسؤولين المحترمين في السلطة التنفيذية أو القضائية. هذه هي إحدى المهامّ. أو أن يعمدوا، بالنظر إلى مكانتهم الخبروية وشخصيتهم الحقيقية، لتبيين الحقائق والموضوعات الهامّة إلى الناس، سواء في صلاة الجمعة أو في أماكن أخرى.

ثالثاً: التبيين الصريح
والنقطة التي أشار إليها سماحة الشيخ اليزدي في آخر كلمته واضحة جليّة، فإنّ تكليفنا الأساس هو التبيّين، ولا بدّ لنا من التصدّي لذلك. بيد أنّ هذا التبيّين قد يتمّ بأشكال مختلفة، فإن كان بالشكل الذي يؤول إلى تأجيج الفتنة وإثارة الصراع، فهو مرفوض، وإن كان بالشكل الذي يؤدّي إلى توعية الناس وتنبّه المسؤولين إلى طرق الحلّ، فهو مطلوب للغاية ولا يوجد فيه إشكال. وعلى الأعضاء أن يحافظوا على مكانتهم القانونية. فإنّ الإعلان عن المواقف أمر جيّد، ولكن كما ذكرنا، قد يتمّ بطريقتين: الأولى، أن يؤدّي إلى

الفساد والإفساد، وهي طريقة يجب تحاشيها، والثانية، أن يتمّ بيان الحقائق بطريقة تؤدّي إلى إيقاظ الناس وتوعية المسؤولين، وتستجلب شكرهم (وهي المطلوبة). فأحياناً يتكلم المرء بكلمة، حتّى ولو كانت انتقادية، ولكنها تؤدّي إلى أن يشكره المسؤولون عليها، وهذا ما حدث لنا مراراً، حيث يقول المسؤولون إنّ هذه النقطة التي ذكرتموها، عبّدت لنا الطريق، ووفّرت لنا إمكانية القيام بأعمالنا، وقد تؤدّي إلى شكرهم أيضاً. هذا فيما يخصّ هذه القضية. إذاً فإنّ الذي نقوله بشأن مجلس الخبراء، هو ضرورة عدم مراعاة المصالح الشخصية والمجاملات، والنظر إلى أصل الحقيقة وإلى الواجب الملقى على عاتق الإنسان، والذي سيكون مسؤولاً عنه أمام الله سبحانه وتعالى، فليكن اهتمامنا بما سوف يسألنا الله عنه.

دور مجلس الشورى
وأما حول مجلس الشورى الإسلاميّ، فإنّني – كما ذكرت سابقاً – وعلى مرّ السنوات المتمادية، وفي مختلف المجالس والحكومات، دوماً ما شجّعت المجلس على مواكبة الحكومة ومساعدتها. وفي الظرف الراهن أيضاً أعتقد بأنّ على المجلس أن يساعد الحكومة وأن يعبّد لها الطريق للتنفيذ، لأنّ التنفيذ ليس بالأمر اليسير، بل هو عملٌ عسير. علماً بأنّ تشريع القوانين عملية هامّة، ولكنّ التنفيذ هو النزول في الطرق الوعرة وإزالة العقبات واجتياز الموانع، وهو ليس بالعمل الهيّن، وعلى الجميع أن يساعدوهم في ذلك. ولكن لا يعني هذا أن يغضّ المجلس طرفه عن وظائفه القانونية. كلّا، بل يجب عليه الالتزام بها ومراعاتها بالكامل. فإنّ تلك الأمور التي وضعها القانون على كاهل المجلس – سواء الدستور وهو الأغلب، أو القوانين العادية – واضحة ومحدّدة، ولا بدّ من مراعاتها بالكامل وعدم التغاضي عنها. ولكن ينبغي لهم أن ينتهجوا نهج التعاون مع الحكومة ومساعدتها، ولا تعارض بينهما.
وصايا للحكومة

وأودّ أن أطرح ملاحظة لرجال الحكومة أيضاً، ولحسن الحظّ، فإنّ رئيس جمهوريتنا المحترم حاضرٌ في هذا الاجتماع، علماً بأنّنا نطرح عليه في الجلسات الخاصة والاجتماعات الحكومية، الملاحظات التي نراها ضرورية،

والفرصة جيدة في هذا المكان أيضاً. ينبغي للحكومة أن تأخذ أولويات البلاد بعين الاعتبار، فإنّ لنا أولويات. علماً بأنّ المتطلّبات كثيرة، وساحة احتياجات البلد ساحة وسيعة، بل قد لا يتأتّى إحصاؤها، ولكن بالاستناد إلى القاعدة العقلائية، يجب الاهتمام بالأولويات وبالقضايا الفورية أو التي هي أكثر جذريةً. وباعتقادي، هناك ثلاث قضايا تتّسم بمزيد من الأهمية عن غيرها من حيث الأولوية والجذرية ومعالجة المشاكل الأخرى:

الأولى، هي الاقتصاد المقاوم: فإنّ البلد من دون الاقتصاد المقاوم لا ينمو، ولا تُعالج مشاكله الاقتصادية. ولو أعرضنا عن العمل بالاقتصاد المقاوم، لتضاعفت معضلاته يوماً بعد يوم. إنني طالبتُ إخواننا الأعزاء في الحكومة بأن يُعدّوا مقرّاً للاقتصاد المقاوم، ويعيّنوا له قائداً. فإنها حربٌ بالتالي، غير أنها حربٌ اقتصادية، وإن خلت هذه الحرب من القذيفة والرصاصة والبندقية، فإنّ فيها أدوات أشدّ خطورة من القذيفة والبندقية. فهي حربٌ، تحتاج إلى مقرّ، ويحتاج المقرّ إلى قائد. وهذا ما اقترحناه عليهم، ووافقوا عليه، وقُطِعت بعض الخطوات في هذا المسير، ولكن يجب أن تكون هذه الخطوات ملموسة ومشهودة. كما وينبغي بالنسبة للأنشطة الحكومية – كالعقد الفلانيّ الذي يُبرَم في المكان الفلانيّ – تحديد محلّها من الاقتصاد المقاوم.

ولقد نبّهنا المسؤولين الأعزاء بأنّكم في المكان الفلانيّ تشترون الشيء الفلانيّ أو تُبرمون العقد الفلانيّ، إلا أنّ هذا العقد، أي موضع يحتلّ في هذا الجدول العظيم من ساحة الاقتصاد المقاوم؟ هذا ما يجب تحديده. ومعنى ذلك ضرورة أن تقوم كافة أعمالنا وأنشطتنا الاقتصادية على أساس مشروع الاقتصاد المقاوم العظيم والشامل.

ولم أنفرد أنا بالحديث عن هذا المشروع، وإنّما تمّ تنظيمه بالفكر والعقل الجمعيّ، ثمّ صادق عليه الجميع – موافقين ومخالفين – من دون استثناء، وقالوا إن السبيل الوحيد لإنقاذ البلد هو الاقتصاد المقاوم. إذاً فهذه هي إحدى الأولويات الثلاث الأولى.

والأولوية الثانية، هي القفزة العلمية: فلا ينبغي أن نسمح بإيقاف هذه الحركة. ولو اهتمّ البلد بالشأن العلميّ، وحثّ الخطى في هذا المسار، سيكون سيّداً بكلّ ما في الكلمة من معنى: “العلمُ سلطان” . فلو كنّا نطلب القوّة والعزّة، ونريد أن نكون نحن المرجع الذي ترجع الدول والحكومات إليه، لا أن يكونوا هم المرجع لنا، علينا إرساء دعائم العلم، وهذا أمرٌ ممكن ومتاحٌ عملياً.

قبل زهاء أربعة عشر أو خمسة عشر عاماً، أنا العبد، طرحتُ قضية العلم وتخطّي الحدود العلمية الموجودة والإبداع العلميّ، فقال البعض لا يمكن ذلك، وأعلنوه على شاشات التلفاز، واليوم تشاهدون أنّه تحقّق، وهذا ما أقرّ به الجميع. فقد كانت سرعة التقدّم في البلاد تفوق متوسّط السرعة العالمية للتقدّم العلميّ بأضعاف المرّات، ولكنّنا ولشدّة تخلّفنا، كان لا بدّ لنا من مواصلة المسيرة التقدّمية المتسارعة لسنوات طويلة حتّى الوصول إلى الخطوط الأمامية. بيد أنّ هذه المسيرة كانت بالأمس تمضي بمزيد من السرعة واليوم قد تباطأت، وهذا ما حذّرت منه أيضاً، ولكنّ البعض اعترض على ذلك. فقرأتُ اليوم أو يوم أمس في الأنباء أنّ وزير العلوم تحدّث عن تباطؤ سرعة التقدّم العلميّ. فانظروا! هذا ما تعرّضنا له خلال حديثنا قبل نحو ستة أو سبعة أشهر تقريباً، ما أثار امتعاض البعض واعتراضهم، واليوم نجد وزير العلوم يتحدّث عن هذا الأمر. فالواجب علينا أن نحول دون تباطؤ هذه السرعة، وأن نتابع التقدّم العلميّ بكلّ جدّ. ولو قمنا بذلك، ستتفتّح أمامنا أبواب الاقتصاد المبنيّ على المعرفة، وهو الاقتصاد الذي تكون استثماراته قليلة، ومحاصيله ونتاجاته كثيرة جداً.

والأولوية الثالثة، هي التحصين الثقافيّ: ولأتحدّث الآن قليلاً في بيان هذا الموضوع، ثمّ أتناوله من بعد ذلك بمزيد من الإيضاح، وسيطول حديثنا قليلاً فتحمّلوا. يجب علينا أن نحصّن بلدنا وشعبنا وشبابنا من الناحية الثقافية، وهذا ما يحتاج إلى برمجة وتخطيط. وعلينا أوّلاً قبول هذا الهدف والإيمان به، ثمّ التخطيط لتحقيقه. ولا يمكن تحقيق هذا الهدف اعتباطاً، بل ولا (يتمّ) من خلال المحاضرات وتأليف الكتب، وإنّما يحتاج التحصين الثقافيّ إلى عملٍ وبرمجة.

تقدّم حقيقيّ لا صوريّ!
والناتج عن هذه الأعمال التي ذكرناها، فيما لو قمنا بها، هو تقدّم البلاد. فلو أنّ البلد في الدرجة الأولى نظر إلى هذه الأولويات الثلاث – وهناك، بالطبع، مهامّ أخرى لا بدّ من إنجازها، إلا أنّ هذه الأولويات الثلاث تحتلّ الصدارة – بنظر الاعتبار، سوف يتقدّم إلى الأمام. ولا نقصد بذلك التقدّم الصوريّ، وإنما هو التقدّم الحقيقيّ. فالتقدّم الصوريّ هو أن نهب للاقتصاد ازدهاراً ظاهرياً، ونستورد جملة من السلع والبضائع، ونقوم بتزويقها وتنميقها، هذا هو التقدّم الصوريّ الذي لا طائل من ورائه، وبالإمكان أن يستجلب رضى الشعب في بادئ الأمر، ولكنّه في نهاية المطاف يؤول إلى ضرر البلد. فالتقدّم لا بدّ وأن يكون حقيقياً، عميقاً، ومستنداً إلى أسس ودعائم داخلية محكمة. هذا هو التقدّم الحقيقيّ.

يوم أمس سمعتُ حديث ذلك القائد المحترم في الحرس الثوريّ (العميد أمير علي حاجي زاده، قائد القوة الجوفضائية) بشأن الإنجازات الصاروخية وما شابه، حيث قال: لو عمدوا إلى بناء سور على حدود بلدنا بأجمعها، وتعذّر استيراد أو تصدير أيّ شيء، لما واجهتنا مشكلة في تصنيع هذه الصواريخ. وهذا هو التقدّم. فلا بدّ أن تتحرّكوا بطريقة لو فرضوا العقوبات ومارسوا الضغوط، لا تتوقّف مسيرتكم التقدّمية، بل إنّ العدوّ سيشعر بحاجته إلى التقدّم باتّجاهكم. ولو أردنا لهذا التقدّم الحقيقيّ أن يتحقّق، يجب أن نحافظ على خصائصنا الثورية، وعلى حركتنا الجهادية، وعلى عزّتنا وهويّتنا الوطنية، وأن لا نذوب في الجهاز الهضميّ العالميّ الثقافيّ والاقتصاديّ الخطير. ولو التزمنا بهذه الأمور، سيسير التقدّم بالاتّجاه الصحيح.

مقاصد التغلغل: استهداف المسؤولين والشعب
إنني طرحتُ، أنا العبد، قبل الانتخابات، قضية النفوذ والتغلغل. أيها السادة! إنها لقضية هامّة، والسبب من قولي هذا لا يعود إلى احتمال يراود ذهني بأنّ الاختراق والتوغّل والنفوذ أمرٌ من الممكن حدوثه. كلّا، نحن على علمٍ بالكثير من مجريات الأمور، وعلى اطّلاعٍ على كثير من الأحداث التي تقع في البلد من دون أن يطّلع عليها في الأغلب عامة الناس بل وحتّى الكثير من الخواصّ. وأقول عن معرفة إنّ التوغّل والنفوذ في البلاد هو المخطّط الجادّ للاستكبار والبرنامج الأساس لأمريكا، وتراهم يبحثون عن السبل للنفوذ والاختراق. ولا يلتبس الأمر! فإنهم لا يهدفون من وراء هذا النفوذ إلى تدبير انقلاب عسكري. كلا، لأنهم يعلمون أن الانقلاب أمرٌ لا معنى له في إيران وفي الجمهورية الإسلامية وفي البنية التي شيّد هذا البلد أسسه عليها. ففي بعض البلدان أحياناً ما يتغلغلون في القوات المسلحة بغية تدبير انقلاب لعزل شخص وإحلال شخص آخر محلّه، بيد أن النفوذ هنا لا يصبو لتحقيق هذا الهدف، وإنّما يتمّ لمنظورين آخرين:

الهدف الأول من هذا النفوذ هو استهداف المسؤولين، والثاني استهداف الشعب. فالمسؤولون مستهدفون في هذا التوغّل والنفوذ، ولكن من أجل ماذا؟ ولأيّ هدف؟ الهدف

هو قلب الحسابات لدى المسؤولين وتغييرها، وهذا يعني أنّ المسؤول في الجمهورية الإسلامية يصل إلى هذه النتيجة: أنّه ومن خلال حساب التكاليف والعائدات، يشعر بأنّه لا بدّ وأن يقوم بهذا العمل، وأن لا يقوم بذاك، والنفوذ من أجل أن يصل إلى هذه النتيجة أنّه يقوم بقطع العلاقة الفلانية، وإيجاد العلاقة الفلانية، فالنفوذ من أجل أن تتغير هذه الحسابات في أذهان المسؤولين. وبالتالي حينما تصبح أفكار المسؤولين وإرادتهم في قبضة العدوّ، لا تبقى ثمّة حاجة لتدخّل العدوّ بشكل مباشر، بل سيتّخذ المسؤول في البلد نفس القرار الذي يرنو إليه العدوّ. فلو تغيّرت الحسابات – لدى هذا الحقير – سأتّخذ القرار الذي هو يريده، وسأمارس الإجراء الذي هو يطلبه من دون مقابل، وأحياناً بل غالباً ما أقوم بهذا العمل من دون أن أعلم. إذاً، فإنّهم يحاولون التغيير في حسابات المسؤولين. وبالتالي فالمستهدف الأوّل هو المسؤولون.

والمستهدف الثاني هو الشعب. فلا بدّ من تغيير معتقدات الناس وإيمانهم، بما في ذلك الإيمان بالإسلام، والإيمان بالثورة، والإيمان بالإسلام السياسيّ، والإيمان بأنّ في الإسلام، ما عدا التكاليف الفردية، مهامّ اجتماعية وحكومة وبناء مجتمع وبناء حضارة، واستبدال هذه المعتقدات بالإيمان برفضها ونفيها. فلا بدّ من إزالة هذه

المعتقدات عن أذهان الناس، وإحلال ما يعارضها.
كما ويهدفون إلى تغيير “الإيمان بالاستقلال” أيضاً. علماً بأنّ البعض يتصرّفون بسذاجة، حيث نرى أحياناً في عددٍ من الصحف، يصرّحون بأنّ استقلال البلد أضحى قضيّة قديمة بالية، ويقولون إنّ استقلال البلدان لم يعد يُطرح في الوقت الراهن. ولكن ماذا يعني ذلك؟ يعني أن هناك في الخارطة الجغرافية العالمية قوة هي التي تتّخذ القرار، والبقية تنفّذ، حالها حال الحرارة المركزية التي تولّد شيئاً والباقون يستهلكون. وهذا ما راحوا يروّجون له، وهذا هو المقصود من النفوذ. وهو مخطّط يتمّ تنفيذه في الظرف الراهن.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

https://t.me/wilayahinfo

5

شاهد أيضاً

قيادي في الحرس الثوري: إعادة النظر في الاعتبارات النووية في حال وجود تهديدات اسرائيلية

قال قائد قوات حماية المراكز النووية التابعة للحرس الثوري العميد احمد حق طلب: إذا كانت ...