الوقت- حاولت السعوديّة جاهدةً اللعب على وتر الجبهة الداخليّة. وقد أدركت الرياض منذ الأشهر الأولى للعدوان أن لا سبيل لتحقيق الأهداف من عدوانها سوى باستهداف هذه الجبهة ومحاربة اليمنيين داخليّاً.
ولا يخفى على الشعب اليمني وكافّة المتابعين لتفاصيل العدوان كيف أن السعوديّة تناطح نفسها للوصل إلى صنعاء منذ اليوم الأوّل، فقد سمعنا عن “تحرير صنعاء” من وسائل الإعلام السعوديّة أو المحسوبة عليها بعدد رمال “الربع الخالي”، إلا أنّ القوات السعوديّة وبعد كلّ هذه المدّة لا تزال تقاتل على حدودها الجنوبيّة، وأحياناً داخل محافظاتها الجنوبيّة التي كانت يمنيّة في يوم من الأيّام.
بعدها، أدركت الرياض ضرورة اللجوء إلى خيار النفاق الإعلامي والعمل على إيجاد شرخ داخلي في الجبهة الداخلية اليمنية لضرب وحدة الصف، وتحديداً بين حركة أنصار الله وحزب المؤتمر الشعبي العام. وبالفعل، وقع بعض من تصحّ تسميتهم بالمراهقين فريسة التضليل الإعلامي السعودي الذي استند على بعض الخلافات التي تحصل داخل الحزب الواحد، إلا أنّه لا يمكن تسجيل هذه الأمر كنجاح للسعوديّة، فرغم كافّة الأخبار والتقارير التي تحدّثت عن حصول الطلاق بين الحزب والحرك، اتفق الجانبان على إعادة البرلمان وتشكيل الحكومة والمجلس الرئاسي.
هناك قناعة راسخة لدى أنصار الله والمؤتمر الشعبي بضرورة الحفاظ على الوحدة الداخلية لكونها أحد أبرز أسباب الصمود والانتصار اليمني من اليوم الأوّل للعدوان. هذا ما أكّده زعيم حركة أنصار الله السيد عبد الملك الحوثي بالأمس في خطبه لحكماء وعقلاء اليمن في تحت عنوان الحفاظ على وحدة الصف الداخلي وتماسك الجبهة الداخلية، حيث شدّد على أهمية الحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية، والعمل على تعزيز الموقف الداخلي في مواجهة العدوان والتصدي له.
لم تقتصر المحاولات السعوديّة على إيجاد الشرخ بين حركة أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام، خاصّة أن هذا الموضوع قد نال، ولا يزال، حصّة دسمة من الكعكة الإعلاميّة السعوديّة. بل سعت الرياض لإيجاد الشرخ بين الحزب الواحد، وفي مقدّمة هذه الأحزاب المؤتمر الشعبي العام. ففي 22 أكتوبر 2015، أقرّت قيادات في حزب المؤتمر الشعبي العام، في اجتماع بالرياض، عزل الرئيس عليعبدالله صالح من رئاسة الحزب، وترشيح هادي إلى قيادة المؤتمر.
ورغم نجاح السعوديّة في تسجيل الانشقاقات داخل الحزب عبر شراء بعض قياداته التي أيّدت العدوان السعودي على البلاد، إلا أنّها فشلت في عزل صالح الذي بقي يحظى بتأييد الشقّ الأكبر داخل الحزب لأسباب تتعلّق بشعبية وقدرة الرجل السياسي المخضرم والرئيس السابق من ناحية، وموقف صالح من العدوان حيثّ عزّز موقفه الحازم ضدّ العدوان رصيده الشعبي والحزب، فيما ضعّف موقف المنشقيين الذين خسروا شعبياً وربحوا مالياً من ناحية أخرى.
الصمود اليمني
هناك أسباب عدّة تقف خلف الصمود والانتصار اليمني على الجور والعدوان السعودي، وكما أن أسباب وأهداف العدوان متعدّدة الأوجه، فإن أسباب الصمود اليمني متعدّدة الأوجه أيضاً، نذكر منها:
أوّلاً: لا شكّ في أن تماسك الجبهة الداخلية، كما أسلفنا أعلاه، يعدّ أحد أبرز أسباب النصر اليمني، وهذا ما دفع بالسيد الحوثي بالأمس للقول: “هذا الهدف نعتبره هدفاً مشروعاً وهدفاً مقدساً وهدفا مهما يعنينا كشعب يمني نتصدى لهذا العدوان الجائر، وبالتالي كنا نتوقع التفاعل الإيجابي الذي لمسناه ونشكره ونقدره من كل القوى والمكونات في الجبهة الداخلية سواءً الحزبية والسياسية منها وفي طليعتها المؤتمر الشعبي العام”. هذه اللهجة من الخطاب ظهرات مرّات عدّة في كلام الرئيس السابق ورئيس المؤتمر الشعبي علي عبدالله صالح الذي جدّد في خطابه الأخير موقفه الداعم لأنصار الله والرفض للعدوان، متحدّثاً عن مخزون استراتيجي من الصواريخ الباليستية الذي لن يطاله قصف التحالف، وفق صالح. وعند مراجعة خطابات صالح نرى تأكيده مراراً وتكراراً على أنّ علاقته مع أنصار الله راسخة ضدّ السعوديّة، أي أن وجود أي خلاف أو اختلاف رأي داخلي لن يؤثر على موقف الطرفين من العدوان، بخلاف محاولات التضليل السعوديّة.
ثانياً: إن البأس والقوّة التي أظهرها الشعب اليمني من خلال معادلة ذهبية جيش-لجان-شعب تعدّ أحد أركان الصمود اليمني. هذا البأس يستند إلى قناعة راسخة وتجربة تاريخية تمتد إلى عدّة قرون خلت دافع فيها الشعب اليمني عن أرضه ومقدّساته. وبالتالي، فإن امتلاك اليمنيين لأسلحة ليست بالسهلة، وتحديداً الصواريخ البالستيّة التي شهدت قفزة نوعية منذ بدء العدوان، إضافةً إلى العقيدة حال دون تحقيق السعوديّة لأهدافها. ما يحصل اليوم يتشابه كثيراً بما حصل في اليمن خلال الحقبات السابقة الاحتلال التركي لشمال البلاد، والاحتلال البريطاني لجنوبه. وكما انخرط بعض اليمنيين في التشكيلات الأجنبيّة حينها ضدّ وطنهم، ينخرط اليوم البعض تحت إمرة ضبّاط سعوديين وإمارتيين ضدّ شعبهم، ولكن كما كانت النهاية السابقة ستكون النهاية الآنية، فالتاريخ يعيد نفسها، والعملاء في مزابله.
ثالثاً: لعلّ طبيعة الشعب اليمني الذي اعتاد على شجوبة العيش عزّزت من صمود البلاد أمام هذا العدوان الذي حصد الآلاف من أبناء الشعب، بينهم آلاف الأطفال والنساء. في الحقيقة، يكشف التاريخ كيف أنّ الشعب اليمني اعتاد منذ مئات السنين على الصراع ومواجهة التحدّيات، خاصّة في ظل وجود الطابع القبلي الذي يعدّ هاجساً للقوى الطامعة بأرض سبأ منذ ما قبل الإسلام. هذا الشعب بخلاف السعودي والإماراتي الذي اعتاد على الرفاهية ولم يعش الحروب منذ عشرات السنين.
رابعاً: هناك أسباب تتعلّق بالجانب السعودي نفسه فغياب الرؤية الواضحة واستخدام نظرية المكابرة المتمثّلة بـ”أنا أضرب أن موجود” صبّ في صالح الجانب اليمني. من الأسباب السعودية أيضاً هي الخلافات التي وصلت للمواجهات العسكرية في عدن، فضلاً عن غياب العقيدة عن جزء كبير من المقاتلين السودانيين وغيرهم. أضف على ذلك أنّ استرخاء قيادات داعمة للعدوان في فنادق الرياض، أفقد ثقة عناصرهم الذين بحثوا عن جمع الأمول سواءً عبر الدعم السعودي المباشر أو تجارة السلاح.
https://t.me/wilayahinfo