الرئيسية / كلامكم نور / طرق الاختبار

طرق الاختبار

إنّ اختبار الله تعالى للناس متنوّع ومتعدّد ولا يقتصر على الجانب السلبيّ.
يقول سبحانه: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ10.

هذه الآية الكريمة تشير الى البلاء والاختبار في الجانب السلبيّ، لكنّ الآية التالية تعمّم الاختبار، يقول تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ11.

يروى أنّ أمير المؤمنين عليه السلام مرض فعاده قوم فقالوا له: كيف أصبحت يا أمير المؤمنين؟ فقال: أصبحت بشرّ، فقالوا له: سبحان الله هذا كلام مثلك؟! فقال: يقول الله تعالى: “ونبلوكم بالخير والشرّ فتنة. فالخير الصحّة والغنى، والشرّ المرض والفقر، ابتلاءً واختباراً12.

8-نهج البلاغة، الخطبة 88.

9- م. ن، الخطبة 123.

10-البقرة، الآيات: 155 ـ 157.

11-الأنبياء: 35.

12-الدعوات، قطب الدين الراوندي، ص 169.

 

 

وعنه عليه السلام في قوله تعالى:﴿أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ13: “ومعنى ذلك أنّه سبحانه يختبر عباده بالأموال والأولاد ليتبيّن الساخط لرزقه والراضي بقسمه، وإن كان سبحانه أعلم بهم من أنفسهم، ولكن لتظهر الأفعال التي بها يستحقّ الثواب والعقاب14.

إذاً، فالامتحانات الإلهية تأتي بصور مختلفة:
فالجماعة الذين يعيشون في محيط ملوّث بالمفاسد والوساوس تحيط بهم من كلّ جانب، فإنّ امتحانهم الكبير في مثل هذا الجوّ والظروف، هو أن لا يتأثّروا بلون المحيط وأن يحفظوا أصالتهم ونقاءهم.

والجماعة الذين يعيشون تحت ضغط الحرمان والفقر، يرون أنّهم لو صمّموا على ترك رأس مالهم الأصيل “الإيمان” فإنّهم سرعان ما يتخلّصوا من الفقر والحرمان لكنّ ثمن ذلك هو فقدانهم للإيمان والتقوى والكرامة والحريّة والشرف، فهنا يكمن امتحانهم..

وجماعة آخرون على عكس أُولئك غرقى في اللذائذ والنعم، والإمكانات المادية متوفّرة لديهم من جميع الوجوه، ترى هل يؤدّون في مثل هذه الظروف الشكر على النعم، أم سيبقون غرقى في اللذائذ والغفلة وحبّ الذات والأنانية، غرقى الشهوات والاغتراب عن المجتمع وعن أنفسهم؟!

وجماعة منهم كالمتغرّبين في عصرنا، يرون بعض الدول بعيدة عن الله والفضيلة والأخلاق حقّاً، ولكنّها تتمتّع بالتمدّن المادّيّ المذهل والرفاه الاجتماعيّ. هنا تجذب هؤلاء المتغرّبين قوّة خفيّة إلى سلوك هذا النوع من الحياة أو سحق جميع القيم والأصول والأعراف التي يعتقدون بها، ويبيعون أنفسهم أذلّاء عملاء لتلك الدول،

13-الأنفال: 28.

14-شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 18، ص 248.

ليوفّروا لهم ولمجتمعهم مثل هذه الحياة… وهذا نوع آخر من الامتحان.

المصائب، والآلام والهموم، والحروب والنزاعات، والقحط والغلاء، وما تثيره الحكومات الأنانية لتجذبهم إليها وتستعبدهم به وأخيراً الأمواج النفسية القوية والشهوات، كلّ منها وسيلة للامتحان في طريق عباد الله، والسائرين في الميادين التي تتميّز فيها شخصيّة الأفراد وتقواهم وإيمانهم وطهارتهم وأمانتهم وحرّيتهم.. الخ.

ولكن لا طريق للانتصار في هذه الامتحانات الصعبة لاجتيازها إلاّ الصبر والجدّ والسعي المستمر، والاعتماد على لطف الله سبحانه.

ومن الطريف أنّنا نقرأ حديثاً عن أحد المعصومين في أصول الكافي في تفسير الآية ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾ يقول فيه: “يُفتنون كما يُفتن الذهب، ثمّ قال: يخلصون كما يخلص الذهب15.

وعلى كلّ حال، فإنّ طالبي العافية الذين يظنّون أنّ إظهار الإيمان كاف بهذا المقدار ليكونوا في صفوف المؤمنين وفي أعلى علّيين في الجنّة مع النّبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين، فهم في خطأ كبير.

وعلى حدّ تعبير أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة: “والذي بعثه بالحقّ لتبلبلنّ بلبلة ولتغربلنّ غربلة، ولتساطنّ سوط القدر حتّى يعود أسفلكم أعلاكم وأعلاكم أسفلكم16.

15-الكافي، الشيخ الكليني، ج 1، ص 370.

16-نهج البلاغة، الخطبة 16.

 

 

https://t.me/wilayahinfo

[email protected]

الولاية الاخبارية

شاهد أيضاً

محاولات هدم قبور الصالحين في التاريخ

‏‪ *محاولة نبش قبر امنة بنت وهب (رضوان الله تعالى عليها)*  *قال الحافظ ابن عقيل ...