البــدعــة مفهومها وحدودها
12 أكتوبر,2017
بحوث اسلامية, صوتي ومرئي متنوع
813 زيارة
ثانياً: عدم وجود دليل شرعي على الاَمر الحادث من الدين
وهذا القيد يعتبر من أوضح القيود التي تشخّص البدعة وتحددها، إذ إنّ من الشروط الاَساسية التي تُدخل «الاَمر الحادث» ضمن دائرة الابتداع هو أن لا يكون لهذا العمل أصل في الدين لا على نحو الخصوص ولا على وجه العموم..
قال تعالى:(وَمَنْ أظلَمُ مِمَّنِ افتَرَى عَلَى اللهِ كَذِباً أوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إنَّهُ لا يُفلِحُ الظَّالِمُون)(1).
____________
(1) الانعام 6: 21.
الصفحة 40
ويقول عزَّ من قائل:(قُل ءَاللهُ أذِنَ لَكُم أم عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ)(1).
وواضحة دلالة الآيتين الشريفتين على أن هناك من يحاول إدخال ما ليس من الدين أو الشرع أو أوامر الله سبحانه وتعالى في الدين.
إنّ «الاَمر الحادث» هو الاَمر الذي يقع في زمن غياب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بحيث لا نملك اتجاهه سُنّة نبوية معروفة، وإلاّ لكان من السُنّة وخرج عن كونه أمراً حادثاً، ولذا فإن وجدنا دليلاً خاصاً ينطبق عليه ويحدد الموقف منه فإنَّ هذا الدليل يُخرج هذا الاَمر عن دائرة الابتداع، ويدخله ضمن دائرة السُنّة والتشريع.
وكذلك الاَمر لو وجدنا دليلاً عاماً يمكن تطبيقه على هذا الاَمر الحادث ، فإنّه سيخرجه عن حدِّ الابتداع أيضاً.
وكلّ ذلك منوط بصحة الاَدلة الخاصة والعامّة وصحة صدورها من الشارع المقدّس، لكي يتحقق ارتباط الاَمر الحادث بالدين على نحو القطع واليقين.
ولتوضيح فكرة الدليل الخاص والدليل العام على الاَمر الحادث سنورد المثال التالي:
استثناء ما ورد فيه دليل خاص
إنّ ورود دليل شرعي خاص بخصوص أمرٍ معيّن، وإن لم يقع في حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فإنَّ هذا الاَمر يأخذ موقعه في كونه جزءاً من التشريع بالعنوان الذي يذكره الدليل الخاص، ويخرج بذلك عن دائرة الابتداع، إذ
____________
(1) يونس 10: 59.
الصفحة 41
المقياس ليس وقوعه أو عدم وقوعه في عصر التشريع، بل المقياس هو انطباق الدليل الخاص عليه أم عدمه.
وسنوضح هذه الفكرة من خلال عدّة نماذج:
1 ـ تعتبر صلاة الآيات بالاَدلة الشرعية واجبة عند حدوث الظواهر الطبيعية المخوفة كالزلزال وغيره، فإذا افترضنا أنّ زلزالاً لم يقع طيلة حياة الرسول الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم أو طيلة عصر التشريع، وأنّ هذا الزلزال وقع بعد حياته صلى الله عليه وآله وسلم وانقطاع الوحي الاِلهي، فإنّ القول بوجوب أداء صلاة الآيات والمتعلقة في هذه الحالة «بالزلزلة» لا يُعدّ بدعة بحجة أنّ هذا الاَمر حادث ولم يقع في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم !!، بل إنّه هنا من صميم السُنّة الشريفة، لاَنّه وجب عن طريق الدليل الشرعي الخاص، غاية الاَمر أنّه لم يقع في زمن التشريع أو في زمن حياة الرسول الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم.
2 ـ ومن أمثلة الدليل الخاص أيضاً ما ورد من النصوص الشرعية التي تحرّم على الرجل أن يتزيّى بزي النساء، وتحرم على المرأة ان تتزيّى بزي الرجال.
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنّه قال: «لعنَ اللهُ الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل»(1).
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: «ليس منّا من تشبّه بالرجال من النساء، ولا من تشبّه بالنساء من الرجال»(2).
____________
(1) كنز العمال 8: 323 | 41235.
(2) كنز العمّال، لعلاء الدين الهندي 8: 324 | 41237.
الصفحة 42
إنّ تشبّه الرجال بالنساء، وتشبّه النساء بالرجال أخذ عنوانه الشرعي بالحرمة من خلال نصه الخاص، وتحريمه بعد وقوعه عقب زمن التشريع لا معنى لجعله ضمن دائرة «البدعة»، بل إنّ تحريمه يُعتبر من صميم التشريع لورود الدليل الخاص فيه.
وخلاصة القول: إنّ النصّ الخاص هو جزء من التشريع، وإن كان الاَمر الذي ورد فيه ذلك النص لم يحدث إلاّ بعد عصر التشريع.
[email protected]
الولاية الاخبارية
2017-10-12