قصص المعصومين (عليهم السلام )
ساعتين مضت
قصص وعبر
6 زيارة
فقلت مندهشا : ـ وهل سيقضي الامام السجاد(ع ) حياته بالبكاء على مصيبة والده الامام الحسين (ع ) .. ؟ جده رسول اللّه (ص ) . وفي هذه الاثناء.. وجدت الشيخ يرفع يده في وجهي قائلا : ـ لاياولدي يجب ان لا تشك ابدا في دور الامام السجاد(ع ).. لان ما جاء في الرسالة المحمدية الا صيلة لا يمكن ان تـتـجـسـم كـامل افعاله في شخص اي انسان مهما يكن , سوى في اهل بيت النبوة (ع ) فهم معدن الـرسـالـة ومـهبط الوحي ومختلف الملائكة .. بهم فتح اللّه .. وبهم يختم .. وبكاء الامام السجاد(ع ) يـاولدي ليس لما حصل لوالده الامام الحسين (ع ) ولاهل بيته من مصائب وفواجع في يوم العاشر من محرم .. وانما هو يبكي ليذكر الناس باهمية الاسباب التي دعت الامام الحسين (ع ) الى تلك التضحية الكبيرة التي نتج عنها استشهاده .. واستشهاد اولاده واخوته وابناء اخوته واصحابه وسبي نسائه , في ثـورة اراد بها ايقاظ الضمير الانساني .. وتوعية العقل المفكر..وما بكاء الامام السجاد(ع ) الا ثورة مكملة لثورة ابيه الامام الحسين (ع )يريد بها ايقاظ عواطف الناس وضمائرهم .. وتذكيرهم بما قدمه والـده الامـام الـحسين (ع ) بعد ان اصبح الامويون يجرون الناس الى مجالس اللهووالرقص والغناء والخمر.. والناس ينساقون متناسين بذلك ما ضحى به الامام الحسين (ع ) من اجلهم .. لهذا وجد الامام الـسـجاد(ع ) ان من واجبه اصلاح ما افسده الامويون في رسالة جده رسول اللّه (ص ) واراد بذلك اكمال الطريق الذي رسمه والده سيد الشهداء(ع ).. فهو حين يبكي على المصائب العظيمة التي حدثت فـي يوم العاشر من محرم .. يريد بذلك تذكير الناس بهذه الفاجعة المؤلمة التي حفظ من خلالها والده الامـام الـحسين (ع ) المبادئ الاسلامية الاصيلة .. وعلمهم كيفية الدفاع عنها والتضحية من اجلها.
لان فـيها كرامتهم .. وشرفهم .. وآخرتهم .. ولذلك فالامام السجاد(ع ) حتى عندما يخرج الى السوق .
فـيـشـاهد قصابا يذبح خروفا يساله عما اذا كان قد سقى الخروف ماء قبل ان يذبحه ام لا.. فيجيبه الـقـصـاب بـانـه لا يـذبح خروفا حتى يسقيه ماء.. هنا يحدق الامام السجاد(ع ) في وجوه الجموع من الناس .. ليقول لهم : ـ (انظروا : الكبش لا يذبح حتى يسقى الـمـاء.. وابـي الـحـسـين (ع ) ذبح عطشانا دون ان يسقى من الماء..) يريد بذلك ان يبين للناس تلك الـظـروف الـقـاسية التي استشهد فيها الامام الحسين (ع ) ومن معه من اهل بيته واصحابه . وهناك طريقة اخرى يحاول من خلالها الامام السجاد(ع ) ان يبين للناس حقيقة ما يجري حولهم .. فيقول (ع ) : ـ ى اذارايتم الرجل قد حسن سمته وتمادى في منطقه وتخاضع في حركاته , فرويدا لايغرنكم , فما اكثر من يعجزه تناول الدنيا , وركوب الحرام منها لضعف نيته ومهانته وجبن قلبه , فنصب الدين فـخـا لـهـا.. فـهو لا يزال يختل بظاهره فان تمكن من حرام اقتحمه .. واذا وجدتموه يعف عن المال الـحـرام فـرويـدا لايـغـرنـكـم .. فـان شهوات الخلق مختلفة فما اكثر من يتابى عن الحرام وان كـثـر..ويحمل على نفسه شوهاء قبيحة فياتي فيها محرما.. ولا يغرنكم الرجل حتى تنظروا عقدة عـقـلـه .. فـمـا اكثر من ترك ذلك اجمع ثم لا يرجع الى عقل متين فيكون ما يفسده بجهله اكثر مما يـصـلـحه بعقله .. فاذا وجدتم عقله متينافرويدا لا يغرنكم حتى تنظروا ايكون هواه على عقله .. ام يكون عقله على هواه .. وكيف محبته للرئاسة الباطلة وزهده فيها.. فان في الناس من يترك الدنيا لاجل الـدنيا.. ويرى ان لذة الرئاسة الباطلة افضل من رئاسة الاموال والنعم المباحة المحللة .. فيترك ذلك طـلبا لها حتى اذا قيل له : (اتق اللّه ..)اخذته العزة بالاثم .. فحسبه جهنم وبئس المهاد.. فهو يتخب ط بشكل عشوائي يقوده طلبه الى الخوض في طغيانه .. فيحل ما حرم اللّه .. ويحرم ما احل .. لايبالي بما فات من دينه اذا سلمت له الرئاسة .. ه . مـعـنـى هـذا ان الامام السجاد(ع ) حينما وجد ان الظروف غير مناسبة للقيام باي عمل عسكري .
اسـتـخدم اسلوبا في الاصلاح وتوعية الناس .. ليقف بهم في مواجهة الحكم الاموي بعد ان يتمكن من اسقاط الاقنعة التي تغطي سياسة هذا الحكم .
فـتـهـلل وجه الشيخ فرحا وهو يقول لي : ـ نعم . هذا ما اردت توضيحه لك من خلال حديثي معك .
فـالامام السجاد(ع ) يريد توسيع القاعدة الشيعية الموالية لاهل البيت (ع ) عن طريق اثارة عواطف الـناس .. ومن ثم السعي بها الى ولاء حقيقي فعال يستطيع من خلاله رفع المستوى العملي للحفاظعلى رسـالـة جـده رسول اللّه (ص ) بعد ان يكون قد خلق قيادات فكرية متميزة تحمل الفكر الاسلامي الـصـمـيـم .. لذلك فهو دائما يقيم مجالس العزاءفي بيته لتبقى ذكرى الامام الحسين (ع ) واهل بيته واصـحـابـه خـالـدة فـي ضميرالامة .. وهناك اسلوب آخر يتبعه الامام السجاد(ع ) وهو الدعاء.
كـون الـدعـاء يـحـمـل وجها عباديا.. وآخر اجتماعيا.. ويسير مع مسار الحركة الاصلاحية التي يـقودها.. ودعاء الامام السجاد(ع ) يمنحنا محتوى روحياواجتماعيا متعدد الجوانب .. فهو بالاضافة الـى كـونـه يـعلمنا كيفية تمجيد اللّه وتقديسه ومناجاته والانقطاع له والتوبة اليه .. ويعلمنا كذلك اسلوب البربالوالدين .. فيشرح لنا حقوق الوالد على ولده وبـالـعكس .. وحقوق الجيران .. وحقوق المسلمين بعضهم على بعض في كافة المجالات .. وقد اتخذ الامـام الـسـجـاد(ع ) مـن المسجد النبوي الشريف ومن داره المباركة مجالا خصبا لنشر المعرفة الاسلامية .. وان شاء اللّه سوف يتخرج من تحت يده الكريمة قادة يعتمد عليهم في المستقبل .
وبـعـد ان انتهى الشيخ من كلامه .. ابتسمت في وجهه قائلا : شكرا جزيلالك ياشيخي الجليل .. لقد قدمت لي فكرة رائعة عن مسار الحركة الاصلاحية للامام السجاد(ع ).
كانت رحلة ممتعة قضيتها بين احداث التاريخ .. وكاني كنت اعيش في ذلك الزمن .. بعدها رحت اواصل مـتـابـعـة الاحـداث عـبـر صـفـحات ذلك التاريخ وانا اتساءل : هل استطاع الامام علي بن الحسين السجاد(ع ) ان يحقق ماكان يصبو اليه ..؟ نعم .. فقد اصبح الامام السجاد(ع ) يتمتع بشعبية هائلة .. بعد ان نال بعلمه وعبادته اعجاب الناس .. وقد بـهرهم بصبره وحلمه .. واحتل قلوبهم وعواطفهم بكرمه واحسانه .. فصار السعيد منهم من يحظى برؤيته ..ويتشرف بمقابلته والاستماع لحديثه .. فشق ذلك على الامويين .. واقض مضاجعهم .. لا سيما الـولـيد بن عبدالملك فقد كان هذا الخبيث من اعظم الحاقدين على الامام السجاد(ع ) وقد كان يردد بغضب شديد : ـ لا راحة لي وعلي بن الحسين موجود في دار الدنيا.
فجاة .. عـلـيه قسوة الالام .. لقد فعلها ذلك الخبيث الملعون الوليد ابن عبدالملك فسخر من يدس السم للامام السجاد(ع ).
وبـعد ان هرع الناس لعيادة الامام السجاد(ع ).. وجدوه يدعو اللّه تعالى ويحمده , ويثني عليه وهو يـعـانـي مـن شـدة الالام وقـساوتها.. وقد بقي على هذا الحال بضعة ايام حتى استشهد في الخامس والعشرين من المحرم الحرام سنة خمس وتسعين من الهجرة الشريفة .. وقد كان عمره الشريف سبعا وخمسين سنة .
الامام الباقر(ع ) رحلة عبر كتاب كـنـت اءقـراء كتابا.. وبينما اءنا اءقلب صفحاته .. شعرت كاءني اءدخل مدينة قديمة .. يبدو عليها من خلال مظاهرها اءنها مدينة اسلامية .. فالكثير من الرجال الذين كانوا يمرون من اءمامي يرتدون الزي الاسـلامـي .. هـي اذن مدينة اسلامية .. ولكن هناك بعض المظاهر الاخرى تتناقض مع هذاالمبداء.
فـاءنـا اءرى بـعـض الـرجـال وهـم يمرون من اءمامي سكارى يترنحون في مسيرهم .. وتتعالى من اءفواههم قهقهات ضحك عالية .. وكلمات لا يمكن ان تقال في اءماكن عامة .. فهم يتحدثون عن النساء.
ويتناولون بالتفصيل مفاتنهن .. واءسمع من اءماكن متفرقة اءصوات موسيقى وغناء.. وبينما اءنااءواصل سـيري واذا بي اءجد نفسي اءمام شاب يرتدي الزي الاسلامي ..تاءملت وجهه وهو يسير باتجاهي .
كان يبدو عليه اءنه شاب مؤدب وعـلـى خلق جيد.. صار الشاب بالقرب مني فسلمت عليه .. فتوقف وقدارتسمت على شفتيه ابتسامة لـطـيـفـة جدا. وهو يقول لي : – وعليك السلام يااءخي ورحمة اللّه وبركاته .. يبدو اءنك غريب .
مظهر ملابسك يدل على ذلك .
– نـعـم اءنا كذلك .. ولكن هذا ليس مهما يا اءخي .. اءريد اءن اءساءلك عن هذه المدينة .. فهي من خلال طـراز بـيـوتـها.. وملابس رجالها.. يبدو اءنها مدينة اسلامية .. ولكني اءشاهد بعض المظاهر التي تتناقض مع الاسلام .. فما هوالسبب في هذا.. ؟ فـجـاة .. واذا بـالـشـاب يـبدو عليه الحزن .. واءخذت الدموع تسيل من عينيه وهو يردد : – انهم الامويون .. الامويون اءباحوا لا نفسهم ما يحلو لهم في ظل حكمهم .
– الامويون .. ؟ قال الشاب وهو يجفف دموعه : – هل تعرفهم .. ؟ – لقد عرفت عنهم الكثير.. واءنا اءقراء عن حياة اءهل البيت (ع ) . – يـا اءخـي .. اءنت الان في زمن الامام محمد بن علي الباقر(ع ) وها هم الامويون مازالوا يمارسون الرذيلة بكل اءشكالها ومظاهرها.. معلنين الفسق والفجور في قصورهم ونواديهم واءينما حلوا.
انفجرت عينا الشاب بالدموع من جديد.. وخنقته العبرة وهو يحاول مواصلة كلامه .. فحزنت كثيرا لحاله .. وبادرته بالكلام محاولا التخفيف عنه : – هون عليك يا اءخي .
– يـا اءخـي ان مـن الـمـؤسـف جدا ما يجري في قصور هؤلاء الامويين وقد اءثرعلى الكثير من الـمـسلمين فاءصبحوا يمارسون جميع المنكرات .. ويبحثون عن ملذات العيش ومغريات الدنيا.. ماذا يـمـكـن اءن نـفـعـل .. ؟ لـقـد اخـتـارالـحـكام الامويون لبناء دولتهم شتى اءساليب العنف والظلم والاضـطـهاد..فقتلوا الابرياء والصلحاء.. وبذروا اءموال المسلمين في سبيل عروشهم وشهواتهم .
وقد ذهب العلويون وشيعتهم ضحية لتلك السياسة الخرقاء.. لا لشي ء الا لا نهم يتمتعون بما يشدهم الى الناس .
ويؤهلهم لخلافة رسول اللّه (ص ) . – انـي عرفت عن هؤلاء اءنهم بلغوا اءقصى الحدود في القسوة على اءهل البيت (ع ) وعلى شيعتهم .
واءسرفوا في اراقة الدماء وشراء الذمم .. بالاموال حتى صارت الحياة مشحونة بالظلم والفساد.
– والناس مازالوا مستمرين في خذلان اءهل البيت (ع ) في ساعات محنتهم وهم يحاولون رفع الظلم عـن الـضـعـفـاء والـمساكين .. وانقاذ الاسلا م من هذاالمصير الذي يهدده مع استمرار الحكام في طـغـيـانـهـم .. لقد حدث انقلاب في التفكير وفي جميع اءسباب الحياة .. برزت اءلوان من النزعات والاتـجـاهات تجر وراءها الالحاد والزندقة .. وكل هذا الذي طراء على الفكر الاسلامي امتد حتى اءصبح يهدد العقيدة الاسلامية في جوهرها.. وهؤلاء الذين اءثاروا تلك الافكار ومهدوا لها هم اءناس لاعلاقة لهم بالاسلام .. جروا المسلمين وجعلوهم يحملون اءفكارهم .
ومـاذا كـان دور الامام الباقر(ع ) ازاء هذه الظروف ..؟ فاني قراءت عنه .وعرفت اءنه خليفة اءبيه عـلـي بـن الحسين (ع ) ووصيه القائم بالامامة من بعده ..وقد برز على جميع اخوته بالفضل والعلم والزهد والسؤدد.. وكان اءنبههم ذكرا . واءجلهم عند العامة والخاصة .. واءعظمهم قدرا.. فلم يظهر مـن ولـدالـحـسن والحسين (ع ) بقدر ما ظهر من الامام الباقر(ع ) في مجال العلوم والاثاروالسنة والـتـفـسـير وسائر الفنون .. لذلك لقب بالباقر لتبقره بالعلم اءي انه توسع فيه وعرف جميع مبادئه واءصوله .. وبما اءنه اءحد الائمة الاثني عشرلذلك اءنا اءساءلك عن دوره في هذه الظروف .
– فـي هـذا الـجو المشحون بالصراع العقائدي .. وجد الامام محمد الباقر(ع )اءن مصلحة الاسلام تـفـرض عـلـيـه ان ينصرف الى الدفاع عن العقيدة ونشرتعاليم الاسلام .. فالتف حوله الالاف ممن يطلبون العلم والحديث من شيعته وغيرهم .
2025-10-13