الرئيسية / القرآن الكريم / تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان سورة البقرة الى 225

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان سورة البقرة الى 225

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

220

((فِي)) أمر ((الدُّنْيَا)) ((وَ)) أمر ((الآخِرَةِ)) فتجمعوهما في التفكير ثم ترون جمال الأحكام إذ التفكير في الدنيا فقط يوجب شلل قسم من الأحكام فلماذا ينفق الإنسان -مثلاً- وهو بحاجة الى المال، كما إنّ التفكير في الآخرة فقط يوجب شلل قسم آخر من الأحكام فإنها لا يصرف جميع أمواله لتحصيل أجر الآخرة وهكذا سائر الأحكام فإنها لا يُعرف جمالها إلاّ إذا إفتكر الإنسان في كلتا الحياتين وعرف المصلحتين ((وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى)) كيف يعاشرونهم فقد ورد أنه لما نزل (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) ذهب كل من عنده يتيم ليعزل اليتيم في مأكله ومشربه عن نفسه لئلاّ يبتلي بماله واشتدّ ذلك عليهم فسألوا عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فنزلت ((قُلْ)) يارسول الله ((إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ)) بأن يصلح الإنسان أموال اليتيم ويعاشره معاشرة المصلحين بدون أجرة وعوض خير من عزلهم وطردهم ((وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ)) بأن تخلطوا أموالهم بأموالكم وتشاركون معهم بالنسبة وحفظ المقدار ((فَـ)) هم ((إِخْوَانُكُمْ)) في الإيمان والأخ يعاشر الأخ بالإصلاح والغبطة ((وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ)) فهو عارف بنيّة المخالطين للأيتام وأنهم يريدون لالمخالطة والإفساد وأكل مال اليتيم أو الإصلاح والتحفّظ على اليتيم حتى يبلغ ويرشد ((وَلَوْ شَاء اللّهُ لأعْنَتَكُمْ))، أي أوقعكم في العنت والمشقّة بالنسبة الى اليتيم بأن يوجب الإجتناب عن أموالهم وإعتزال أموالكم عن أموالهم فحيث لم يفعل أنه ذلك رحمة بكم فلا تأكلوا أموالهم فساداً وطمعاً ((إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ)) فهو يقدر -بعزته- من إعناتكم ((حَكِيمٌ)) لا يفعل إلا الصلاح وما تقتضيه الحكمة.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

221

ثم إنتقل السياق الى فئة من أحكام الأسرة في النكاح والطلاق وشؤونها ولعل الإرتباط العام بين هذه الآيات والآيات السابقة أنها إنتهت الى حكم اليتيم، فاللازم بيان العش الذي يتربّى فيه فراخ الإنسان، وأنه كيف يلزم أن يكون لينشأ الأولاد صالحين أصحاء جسماً وعقلاً وعاطفة ((وَلاَ تَنكِحُواْ)) أيها الرجال المسلمون النساء ((الْمُشْرِكَاتِ)) سواء كُنّ أهل كتاب أم لا فإنّ أهل الكتاب أيضاً مشركون كما قال سبحانه: (تعالى الله عمّا يُشركون) ((حَتَّى يُؤْمِنَّ)) ويدخلن في الإسلام ((وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ)) تلك المشركة لجمالها أو مالها أو حسبها أو نسبها ((وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ)) بناتكم أيها المسلمون ((حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ)) تزوّجوه بنتكم ((خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ)) ذلك المشرك ((أُوْلَئِكَ)) المشركات والمشركون ((يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ)) أما بالتبليغ وأما بحكم دينهم فإنّ جليس الإنسان إذا كان غير متدين لابد وأن يسري الى جليسه ((وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ))، أي غفران الذنوب ((بِإِذْنِهِ)) فالمسلمات والمسلمون حين أخذوا مبادئهم عن الله سبحانه لابد وأن يدعون بلسانهم أو بحكم دينهم الى الجنة ((وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ)) أحكامه ودلائله ((لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ))، أي لكي يتذكّرون ويتّعظوا ويرشدوا.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

222

((وَيَسْأَلُونَكَ)) يارسول الله ((عَنِ الْمَحِيضِ)) الحيض والمحيض بمعنى واحد وأنه هل يجوز مقاربة النساء في حالة الحيض أم لا ((قُلْ)) يامحمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((هُوَ))، أي المحيض ((أَذًى)) قذر نجس أو مشقة ((فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ)) والإعتزال هو الإبتعاد عنهم و((وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ)) بالجماع ((حَتَّىَ يَطْهُرْنَ)) وينظفن عن الدم ((فَإِذَا تَطَهَّرْنَ)) عن الدم ((فَأْتُوهُنَّ)) جامعوهنّ ((مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ)) بمقاربتهنّ من الفرج الذي هو محل الدم ((إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ)) الذين يرجعون كثيراً عن ذنوبهم الى الندم والإستغفار بمعنى أنهم كلما أذنبوا تابوا ورجعوا واستغفروا، ولعلّ ذكر التواب بمناسبة أنّ من زلّ فقارب في المحيض يقبل الله توبته وإن تكرر منه إذا ندم ندماً حقيقياً وتاب توبة نصوحاً ((وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)) بالماء عن الأقذار الباطنية والظاهرية أو بالإستغفار عن الذنوب.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

223

((نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ))، أي مزرعة ومحترث فكما يحرث الحارث البذر في الأرض كذلك يحرث الرجل في زوجته ((فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ)) وزرعكم ((أَنَّى شِئْتُمْ)) “أنّى” أما زمانية بمعنى أي وقت شئتم باستثناء أيام الحيض التي سبق أنها لا يجوز وسائر ما استثنى من حال الصوم والإحرام وشبههما، وأما مكانية أي إتيانها في قُبُلِها من خلفها أو قدّامها أو جانبها، وأما بمعنى الكيفية باركة ونائمة وقائمة، أما أن يُراد السبيلان فبعيد عن سياق الآية ((وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ)) بالولد فإنه يبقى ذخراً لكم، أو قدّموا لأنفسكم بالطاعة حيث ذُكرت أوامر ونواهي ((وَاتَّقُواْ اللّهَ)) في أوامره ونواهيه ((وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ)) والملاقات هنا بمعنى أنه عليكم حساب الملاقي لملاقيه ((وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)) بأنهم يفوزون بكل كرامة.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

224

وناسب قصة النساء حلف إبن رواحة حين حلف أن لا يدخل على ختنه ولا يكلمه ولا يصلح بينه وبين إمرأته فكان يقول أني حلفت بهذا فلا يحلّ لي أن أفعله، فنزلت الآية مما ناسب قصة العائلة والنساء التي سبقت وتأتي، فقال سبحانه ((وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً))، أي معرضاً ((لِّأَيْمَانِكُمْ)) بأن تحلفوا به ((أَن تَبَرُّواْ))، أي لئلا تبرّوا، أي تريدون بالحلف عدم البِر ((وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ))، أي وعدم التقوى وعدم الإصلاح، فإن هذه اليمين فاسدة لا تنعقد ((وَاللّهُ سَمِيعٌ)) لأيمانكم وأقوالكم ((عَلِيمٌ)) بأحوالكم ونيّاتكم.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

225

((لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ)) ولا يعاقبكم ((بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ)) دمع يمين، ويمين اللغو هو ما يجري على عادة الناس من قوله “لا والله” و”بلى والله” من غير عقد على يمين يقتطع بها مال ولا يظلم بها أحد ((وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ))، أي بحنث يمين نويتم اليمين الحقيقية حين إجرائها ((وَاللّهُ غَفُورٌ)) يغفر الذنب ((حَلِيمٌ)) يحلم عن العصاة لعلهم يتوبوا، وتكرار كلمة غفور في كثير من الآيات لفتح باب التوبة أمام العصاة الذين هم كثيراً ما يعصون عن شهوة ونزوات وهوى، فإن الله سبحانه لا يسدّ عليهم باب التوبة وإن تكررت منهم المعاصي والذنوب.

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...