الحلقة الخامسة
السيد عبد الستار الجابري
العقيدة وبناء الفرد والمجتمع – القسم الثاني
كما ان الايمان بالحياة الاخرى والجزاء الاخروي بالاضافة الى كونه حقيقة مستقبلية اخبر عنها الله تعالى في ضمن المسيرة التكاملية للانسان الذي عاش ويعيش ادوارا مختلفة ابتدأت في عالم الذر ثم في عالم الاجنة وبعدها في الحياة الدنيا ثم الى الحياة البرزخية وبعدها يوم القيامة ثم الخلود في النعيم او الجحيم، فان العقيدة باليوم الاخر والايمان به من شانها ان تبني الانسان اخلاقيا وتهذب طباعه وتأخذ بيده نحو الالتزام بقيم الشريعة واخلاقياتها حيث ان الذي ينتظر حياة اخرى لا يستشعر الخذلان والخسران فيما اذا فقد شيئا من دنياه المادية اذ كان ينتظر مغانم كبيرة يفيضها الرب تبارك وتعالى جزاء لطاعته واحسانه، فكما ان اصحاب المشاريع المادية الضخمة يبذلون الاموال الطائلة في سبيل تحقيق مكاسب اكبر واضخم فكذا المؤمن في الحياة الدنيا يقدم في حياته الدنيا ما من شانه ان يبني الحياة الاخروية لينال بذلك سعادة الدنيا والاخرة، خاصة وان من يؤمن بالدين لا يرى حالة انقطاع في مسيرته الحياتية بل يراها في حالة امتداد دائم سواء في الوجود الدنيوي المتواصل من خلال الذرية التي سيكون لايمان الاباء واحسانهم اثر كبير في رسم سعادة الاجيال اللاحقة كما وضحت ذلك صراحة قصة موسى والخضر (عليهما السلام) في جدار اليتيمين، او الحياة الدائمة التي تستمر بعد مغادرة الدنيا الى عوالم اخرى لها خصوصياتها التي اشارت اليها جملة من النصوص واحسها بالوجدان العديد من ابناء البشر وان كان العلم الحديث الى الان عاجزاً عن كشف غورها.
كما ان اختصاص العبودية بالله تعالى امر في غاية الاهمية اذ ان بعض الطبقات الاجتماعية من اتباع الديانات الحقة تجعل من نفسها حراساً للدين وكان الدين اصبح مختصاً بها وتستغل بذلك الشعوب لاشباع غرائزها وتحقيق مآربها فتستغل الجهل بالدين لتمرير غاياتها وتحريف الدين عن سبيل الحق واستغلال الدين استغلالاً مادياً يحول المجتمع من مجتمع عابد لله مؤمن بدينه الى مجتمع عابد لحراس الهياكل وكهنة المعابد تائهاً في بحر الضلالة التي يغلفها وعاظ السلاطين بغلاف من القدسية مستغلين بذلك جهل الناس وضعف ادراكهم وسذاجة تفكيرهم، ولذا دعى الله تعالى الناس الى اتباع تعاليم الانبياء (عليهم السلام) والحذر من تجار الدين، وقد اشار القران الكريم في العديد من الايات الكريمة الى تحريف الاحبار والرهبان الكلم عن مواضعه وخديعة البسطاء عن دينهم لتحقيق اغراض شخصية وبناء طبقات اجتماعية تستغل ايمان الناس وضعف ادراكها، وبين القران الكريم ان هذه الامة ليست بدعاً من الامم الاخرى، وانه سيجري فيها من الناحية العملية ما جرى في الامم الاخرى، فان الطبيعة البشرية واحدة في الجميع والاختلاف انما يكون في الطرق والاساليب.
ولضمان نجاة المجتمع من كيد الكائدين بين الله تعالى ان هناك اشخاصاً مصطفين هم القدوة التي على الانسان المؤمن اتباعها والحذر من الدعوات التي لا تنسجم مع ما جاء به اولئك المصطفون.
فمن هنا نجد ان العقيدة الاسلامية تبني الفرد والمجتمع على صعيد الاستقامة الفكرية من جهة والتطبيق العملي من جهة اخرى.