تنطلق إيران في استراتيجيتها العسكرية من ثوابت أساسية تقوم على مواصلة الحفاظ على المكتسبات التي توصل إليها الشعب الإيراني على مختلف المستويات ومنع أي اعتداء محتمل يطال هذه المكتسبات و مقومات الدولة الإيرانية وسيادتها هذا من جهة ومن جهة ثانية الحفاظ على علاقات صداقة وتعاون مع دول الجوار انطلاقاً من ثوابت العيش المشترك والمصالح المشتركة والروابط التاريخية والجغرافية والإنسانية. ولذلك فإن المناورات الإيرانية المختلفة البرية والبحرية والجوية ليس هدفها تشكيل أي خطر أو تهديد على دول الجيران بمقدار ما هي حق مشروع لتعزيز استراتيجية الدفاع عن النفس…
المناورات الصاروخية الجديدة، وحسب العارفين بشؤون إيران الإسلامية، فلها مهمتان إحداهما للأصدقاء وهي كالنسيم العليل لجميع الدول الصديقة، وفي ذلك رسالة واضحة على ثبات الموقف الإيراني من الأصدقاء وقضاياهم العادلة، وأن المناورات تأتي لتؤكد القوة العسكرية التي تدعم الموقف السياسي للقيادة الإيرانية في هذا الشأن، حيث أرست هذه المناورات التي أجرتها إيران الأحد والإثنين، بإسم مناورات ”بيت المقدس 28”، في صحراء مرنجاب في منطقة آران وبيدكل، أرست واقعاً جديداً على الأرض من شأنه أن يعيد إلى حد كبير بحسب ردود الأفعال الدولية التي صاحبت وأعقبت تلك المناورات تشكيل خارطة الأولويات والنيات المبيتة والقرارات الموضوعة والحاضرة دوماً على طاولة الحرب الأميركية والإسرائيلية كبند مهم وأساسي في جدول الأعمال المتخم بالمخططات والمشاريع الاستعمارية لدول المنطقة.
فالمناورات الصاروخية، حملت بين طياتها رسالة سياسية واضحة السطور والمعاني إلى أولئك الذين يحاولون إعادة رسم المشهد الإقليمي والدولي وترتيب مفرداته بما يتناسب مع مخططاتهم ومشاريعهم الاستعمارية التي تسعى لإعادة استعمار المنطقة والاستيلاء على ثرواتها وخيراتها والتحكم بإرادتها وقراراتها، الأمر الذي يفسر ويشرح سبب قيام إيران بهذه المناورات الصاروخية في هذا الوقت تحديداً وبعد سلسلة من التهديدات الأميركية والإسرائيلية، والتي اعتبرت بمثابة الصدمة القوية لكل النيات الشيطانية ولكل القرارات التي يشغل عليها خلف الكواليس وداخل غرف العمليات الأميركية والإسرائيلية… وإيران، لا شك، محقة في ذلك، فالسياسة العدوانية الغربية والأمريكية ضدها مستمرة، والرغبة الغربية في الاتفاق النووي معها لم تأت نتيجة تغيير مبدئي في هذه السياسة، بقدر ما أتت نتيجة فشل خيار الحصار والعقوبات الذي تبناه الغرب لإركاع طهران وإجهاض طموحها النووي السلمي، إذ لم يعد أمامه، بعد ذلك الفشل، سوى التسليم بحق إيران النووي السلمي…
لقد تم خلال المناورات وحسب تصريح صحفي لقائد القوة البرية في الجيش الإيراني، العميد أحمد رضا بوردستان، استعراض قوة وطاقات الوحدات التابعة للقوات البرية في الجيش الإيراني، وتم خلالها اختبار أحدث الأساليب الدفاعية والصاروخية وإطلاق صواريخ من طراز ”نازعات N10 ”، و”نازعات N6 و”فجر 5” التي تم تصنيعها بأيدي مختصين إيرانيين. ولفت القائد العسكري إلى أن المناورات تهدف أيضاً للارتقاء بالقدرات القتالية لوحدات القوة البرية والمعدات والأسلحة الجديدة.
واعتبر بوردستان بأن رسالة المناورات الإيرانية تتمثّل في السلام والأمن للبلدان الصديقة والجوار والرد الحازم والشديد على أعداء إيران، مشيراً إلى أن مهمات الجيش الإيراني لا تقتصر على داخل الحدود، مؤكداً أن جهوزية قوات بلاده منعت أمريكا من مهاجمتها.
من المنظور العسكري أكدت إيران عبر تلك المناورات الصاروخية وبحسب الكثير من المتابعين والمحللين العسكريين قدرة فائقة على التصدي لأي عدوان محتمل قد تفكر بشنه إسرائيل أو أميركا وعلى أكثر من جبهة. وفي هذا السياق، أكد قائد القوة البرية في الجيش الإيراني، أن أمريكا لا تملك الجرأة على الهجوم على إيران، نظراً ”لجهوزية قواتنا المسلحة واستعداد جنودنا وأصابعهم الجاهزة للضغط على الزناد”. وأضاف: إن عجز أمريكا دفعها إلى تغيير أسلوبها، بحيث قامت بـ ”إطلاق الجماعات الإرهابية، بمساعدة دول رجعية كالسعودية وقطر”، وأكد أن ”داعش والنصرة أعداء صغار، ونعتبر أمريكا و”إسرائيل” عدونا الرئيسي”.
وحسب المتتبعين لشؤون الاستراتيجيا، فالمناورات الصاروخية الإيرانية الجديدة ”بيت المقدس 28”، تحمل رسالة محبة وسلام ووحدة بين المسلمين، وهي إذ تأخذ هذا الطابع العام السلمي إنما تعطي رسالة واضحة لدول الجوار والأصدقاء أنها ليست موجهة ضد شعوب المنطقة ولا توجد أي نوازع من شأنها زيادة التوتر في المنطقة، إنما جاءت لتعزز الموقف الإيراني المناصر لقضايا المنطقة العادلة ورفض هيمنة الدول الاستعمارية ومحاربة الأذرع الإرهابية للقوى الاستعمارية التي تريد شراً بالمنطقة وشعوبها حيث تستخدم هذه القوى التنظيمات الإرهابية لنسف استقرار المنطقة وإضعاف شعوبها وبالتالي فرض الإملاءات التي تحقق مصالح القوى الغربية الاستعمارية والكيان الصهيوني على حساب مصالح واستقرار الشعوب، ما يعني أن المناورات الصاروخية جاءت لتؤكد قوة إيران وثباتها على مواقفها العادلة من الأصدقاء وشعوب المنطقة وعدم الخضوع للضغوط الخارجية من أجل ثنيها عن مواقفها المحبة للسلام وسعيها لإحقاق الحق عبر دعم القضايا الإقليمية العادلة…
لقد أكدت إيران من خلال سلسلة المناورات التي أجرتها خلال الأعوام الماضية ولا سيما بعد التهديدات الإسرائيلية وقوى الشر والعدوان بضرب المفاعلات النووية الإيرانية التي تستخدم للأغراض السلمية ومحاولة حرمان الشعب الإيراني من التكنولوجيا العلمية بالإضافة إلى نشر الإرهاب في المنطقة وتهديد امن واستقرار شعوب المنطقة قاطبة، أن الأوهام والأحلام التي تعشش في نفوس وعقول قوى الشر والعدوان بإمكانية النيل من مصالح الشعب الإيراني هي مجرد أضغاث أحلام، وما وصل إليه الشعب الإيراني من تطور في المجال العلمي والعسكري والقدرات التي يتمتع بها الجيش الإيراني وبمختلف صنوف الأسلحة البرية والجوية والبحرية كفيلة بحماية منشآتها ومصالحها ولا يمكن أن تتنازل قيد أنملة عن أي حق من حقوق الشعب الإيراني في كافة المجالات ولا سيما الاستفادة من كل أنواع التكنولوجيا التي تحقق تطلعات الشعب الإيراني في بناء مستقبل زاهر لكل الإيرانيين ويساهم في امن واستقرار المنطقة.