صلى الله عليك ياأبا عبد الله.. من قالها ثلاث مرات حصل على ثواب الزيارة 2
3 نوفمبر,2017
أخبار وتقارير
882 زيارة
كربلاء : تراجيديا مفردة
الإنسان اهتم بالتراجيديا منذ نعومة أظفار الحضارة، فكتب عن المأساة والألم، وجعل من تلك النصوص تعبيراً جماعياً يهتم به الجميع ويرفعونه إلى مصاف القيمة الثقافية والحضارية العليا، فقد كانت المأساة الإنسانية محل اهتمام ولا تزال. عاشوراء تراجيديا مفردة، فهي أنزلت المثال المتخيل إلى الواقع التاريخي فيما كانت التراجيديا صناعة مبتكرة غير واقعية للمثال، ففي كربلاء التقى الواقع بالمثال بحيث لم يعد هناك حجاب مادي يحجب المثال المجرد، أصبح المثال واقعاً فانمحى الفاصل بين الإلهي والسياسي فالعمل لله والعمل للناس صار واحداً، فالحسين استشهد لأجلك ولأجلي وفي سبيل الله في آن
التطلع التراجيدي كان طموحاً بشرياً لمشاهدة المثال ولو بالمحاكاة، أما كربلاء هي إثبات لإمكانية تحول المثال إلى واقع، وهي تراجيديا موضوعها عذابات العروج إلى الله سبحانه وتعالى، وهي بذلك كربلاء معجزة محمد، وهي المشهد الجمالي العاطفي الإنساني للشريعة السماوية، وهي حياة التعاليم وحركتها الحيوية التي تجعلها واقعاً، وهي تمثل تحقق الروح الإنسانية السامية في الجسد وسيطرتها عليه بالكامل، وبالخلاصة فإن تراجيديا كربلاء هي الجمع بين العقل الفلسفي العقائدي والعاطفة الإنسانية.
كربلاء، سقاية الجدب، دمع ودم
الشريعة التي تنزلت على رسول الله محمد صلوات الله عليه تحمل مجموعة من القواعد التي تضع الإنسان في مساره التكاملي الهائل وتحدد طريقه إلى العلياء الشامخة في القرب من الخالق والعبودية له، والإنسان الذي يتلقى تلك الرسالة يحتاج إلى فهمها والإنتقال من ثم إلى المشاهدة والمعرفة القلبية بالرسالة وبالمرسل ومن جهة أخرى فإن هذا السير التكاملي الشاهق يحتاج فيه الإنسان إلى الحافز، أي المثال الجمالي الجذاب الذي يحركه نحو تخطي الحجب المادية والمعنوية ويظهر له إمكانية وقدرة الإنسان على الوصول إلى التطبيق الحقيقي لتعاليم الشريعة التي تجعله في أقرب درجة ممكنة للإنسان المخلوق في القرب من الخالق المطلق.
الشريعة إذن بحاجة إلى التجربة المثالية الواقعية التي توجد الصلة بين الإنسان بالقوة والإنسان بالفعل. كربلاء أخذت هذا الدور، فمضافاً إلى الحفاظ على وجود الرسالة من الناحية التاريخية، كان تقع عليها مسؤولية حفظ وجودها من الناحية المعنوية من خلال إظهارها لحقيقة الشريعة والناتج المباشر لتطبيقها على مستوى الفرد والجماعة، وبالتالي الحفاظ على روح الشريعة ومضمون الوحي، وتظهير معاني الوحي الإلهي.
كربلاء هي أعلى تجلي للشريعة، الإنسان الكامل، الصفات الإلهية، في سياق التجربة البشرية، فهي أوضح تعبير عن هذه القضايا الثلاث، هذا هو الطرح العام والكلي لهذا البحث.
كيف حافظت كربلاء على الدين الإسلامي في الساحة التاريخية ؟
في البعد التاريخي منعت واقعة كربلاء مشروع اجتثاث الإسلام من التحقق، ذلك المشروع الذي وصل في عهد يزيد إلى الذروة، فغدا مشروعاً مباشراً وعملياً ومعلناً، قابله سكوت مطبق من العالم الإسلامي. أوجدت الواقعة ردود فعل ثورية قاسية، وحددت خطاً أحمر أمام السلطات الزمنية التي حكمت العالم الإسلامي، بأن لا إمكانية لاجتثاث الإسلام.
كيف حفظت كربلاء مضمون وروح الوحي ؟
حفظ الإسلام على المستوى الزمني هو إحدى أبعاد حفظ الإسلام، كما أشرنا، فمن ناحية الحفاظ على روح الرسالة ومضمونها وحقيقتها كان لتلك الواقعة الدور الكبير، فهي قدمت روح الشريعة تطبيقاً حياً أمام المجتمع الإسلامي وأمام التاريخ والعالم، فحين وضع النموذج الإنساني الكامل في اطار تجربة قصوى، تنطوي على اكبر قدر من التحديات والصعوبات، ظهرت كمالاته الفعلية لكل من شاهد أو سمع بالتجربة، فغدا هذا النموذج أمراً واقعياً ملموساً ومحسوساً بشكل مباشر، وبذلك أنجزت الواقعة الدامية المكللة بالدموع مهمة الحفاظ على اتصال الإنسان المسلم بروح الشريعة حينما يريد، فهي بمثابة المرآة التي تعكس بصفاء روح الرسالة بحيث تشكل مرجعاً واضحاً لكل من واجه شبهة أو اشكالاً، ودليلاً تطبيقياً يتخطى المسألة القتالية والجهادية ليصل إلى المستوى الحضاري الواسع، ما سنبينه خلال الفصول القادمة بالتفصيل بإذنه تعالى.
يشتبك هنا التاريخي مع السماوي المجرد، فقد كانت الخلافات السياسية والزمنية قد ولدت مشكلات عديدة جداً على المستوى الفكري والروحي والأخلاقي نخرت جسد المجتمع الإسلامي، بحيث وصل إلى حد السكوت الشامل على مشروع الإجتثاث ومشاركة شرائح رئيسية فيه، هنا كان لا بد، من زاوية نظر تاريخية، من إحداث صدمة في الوعي، في العقل والعاطفة معاً، لإيقاف مسار الإنحراف ووضع خطوط حمراء أمامه.
* هادي قبيسي.
2017-11-03