الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / أفضل الاَعمال بعد معرفة العقائد

أفضل الاَعمال بعد معرفة العقائد

ـ حقائق الاَصول ج 2 ص 211
قوله : فإن الاَمر الاِعتقادي ، يعني أن العمل على الظن في الاَصول الاِعتقادية يتوقف على تتميم مقدمات الاِنسداد فيها وهو غير ممكن إذ منها عدم إمكان الاِحتياط الموجب للدوران بين الاَخذ بالطرف المظنون والموهوم ، وبقاعدة قبح ترجيح المرجوح يتعين الاَول ، وفي المقام لا مجال للدوران المذكور لاِمكان الاِعتقاد بها إجمالاً على ما هي عليه واقعاً ، إلا أن يدعى وجوب الاِعتقاد بها تفصيلاً حتى في حال الجهل ، فإنه حيث لا يمكن العلم بها لابد من سلوك الظن لاَنه أقرب إلى الواقع ، لكن لابد من الاِلتزام بالكشف إذ لو لم تكشف المقدمات عن كون الظن حجة شرعاً كان الاِعتقاد المطابق له تشريعاً محرماً عقلاً ، فتأمل جيداً .
إلا أن دعوى وجوب الاِعتقاد تفصيلاً مطلقاً لا دليل عليها من عقل أو شرع فلاحظ .
قوله : كمعرفة الواجب تعالى ، لا ريب ظاهراً في وجوب هذه المعارف وإنما الخلاف في وجوبها عقلاً أو شرعاً ، فالمحكي عن العدلية الاَول ، وعن الاَشاعرة الثاني ، والخلاف في ذلك منهم مبني على الخلاف في ثبوت قاعدة التحسين والتقبيح العقليين ، فعلى القول بها ــ كما هو مذهب الاَولين ــ تكون واجبة عقلاً لاَن شكر المنعم ودفع الخوف عن النفس واجبان وهما يتوقفان على المعرفة وما يتوقف عليه الواجب واجب ، وظاهر تقرير هذا الدليل كون وجوب المعرفة غيري ، والمصنف رحمه الله جعل وجوبها نفسياً بناء منه على كون المعرفة بنفسها شكراً ، فإذا كان الشكر واجباً عقلاً لكونه حسناً بنفسه كانت المعرفة بنفسها واجبة لا أنها مقدمة لواجب ، ولذا قال في تعليل وجوبها : أداء لشكر بعض . . . . الخ .
نعم لو كان الشكر واجباً من باب وجوب دفع الضرر كان وجوبه غيرياً فيكون وجوب المعرفة حينئذ غيرياً ، بل لو قلنا حينئذ بأن وجوب دفع الضرر ليس عقلياً بل فطرياً كان وجوبها فطرياً غيرياً لا عقلياً لا نفسياً ولا غيرياً .
( 210 )
والاِنصاف يقتضي التأمل في وجوب الشكر لنفسه وإن كان حسناً لاَن حسنه لا يلازم وجوبه ، نعم هو واجب من باب وجوب دفع الضرر المحتمل ، فيكون وجوب المعرفة غيرياً لا نفسياً . وأما كونه عقلياً أو فطرياً فقد عرفت فيما سبق تحقيقه . فلاحظ .
ثم إنه قد يتوهم كون وجوب المعرفة غيرياً من جهة توقف الاِعتقاد عليها ، لكنه إنما يتم لو كان الاِعتقاد واجباً تفصيلاً مطلقاً غير مشروط بالمعرفة مع توقفه على المعرفة ، وقد عرفت الاِشكال في الاَول ، كما يمكن منع الثاني لاِمكان تحقق الاِعتقاد بلا معرفة غاية الاَمر أنه تشريع محرم عقلاً لكن تحريمه كذلك لا يقتضي وجوب المعرفة . نعم لو كان الواجب عقلاً هو الاِعتقاد عن معرفة كانت واجبة لغيرها لكنه أول الكلام .
قوله : فإنهم وسائط ، يعني فتكون معرفتهم أداء للشكر الواجب وكذا معرفة الاِمام عليه السلام على وجه صحيح ( هامش : وهو كون الاِمامة كالنبوة منصباً إلَهياً يحتاج إلى تعيينه تعالى ونصبه لا أنها من الفروع المتعلقة بأفعال المكلفين وهو الوجه الآخر منه قدس سره ) فالعقل يستقل بوجوب معرفة النبي ووصيه لذلك ولاِحتمال الضرر في تركه ولا يجب عقلاً معرفة غير ما ذكر إلا ما وجب شرعاً معرفته ــ كمعرفة الاِمام عليه السلام ــ على وجه آخر غير صحيح أو أمر آخر مما دل الشرع على وجوب معرفته وما لا دلالة على وجوب معرفته بالخصوص لا من العقل ولا من النقل كان أصالة البراءة من وجوب معرفته محكمة ولا دلالة لمثل قوله تعالى : وما خلقت الجن والاِنس ، الآية ولا لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : وما أعلم شيئاً بعد المعرفة أفضل من هذه الصلوات الخمس ، ولا لما دل على وجوب التفقه وطلب العلم من الآيات والروايات على وجوب معرفته بالعموم أن المراد من : ليعبدون ، هو خصوص عبادة الله ومعرفته والنبوي إنما هو بصدد بيان فضيلة الصلوات لا بيان حكم المعرفة فتجب .
قوله : وكذا معرفة الاِمام عليه السلام ، يعني واجبة لنفسها لاَن الاِمامة كالنبوة من المناصب
( 211 )
الاِلَهية فيكون الاِمام عليه السلام من وسائط النعم فتجب معرفته كمعرفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهذا هو الوجه الصحيح . . . .

ـ نهاية الاَفكار ج 2 ص 188
أما المقام الاَول ، فلا ينبغي الاِشكال في وجوب تحصيل معرفة الواجب تعالى ومعرفة ما يرجع إليه من صفات الجمال والجلال ، ككونه واحداً قادراً عالماً مريداً حياً غنياً لم يكن له نظير ولا شبيه ، ولم يكن بجسم ولا مرئي ولا له حيز ونحو ذلك .. كما لا إشكال أيضاً في كون الوجوب المزبور نفسياً ، لاَن المعرفة بالمبدأ سبحانه هي الغاية القصوى والغرض الاَصلي من خلق العباد وبعث الرسل كما ينبيء عنه قوله سبحانه : وما خلقت الجن والاِنس إلا ليعبدون ، حيث أن حقيقة العبودية هي المعرفة ولا ينافي ذلك مقدميتها لواجب آخر عقلي أو شرعي كالتدين والاِنقياد ونحوه . ثم إن عمدة الدليل على وجوب المعرفة إنما هو حكم العقل الفطري واستقلاله بوجوب تحصيل المعرفة بالمبدأ تعالى على كل مكلف بمناط شكر المنعم باعتبار كونها من مراتب أداء شكره فيجب بحكم العقل تحصيل المعرفة به سبحانه ، وبما يرجع إليه من صفات الجمال والجلال ، بل ويجب أيضاً معرفة أنبيائه ورسله وحججه الذين هم وسائط نعمه وفيضه .
وإلا فمع الاِغماض عن هذا الحكم العقلي الفطري لا تجدي الاَدلة السمعية كتاباً وسنة من نحو قوله سبحانه : ما خلقت الجن والاِنس إلا ليعبدون ، لعدم تمامية مثل هذه الاِستدلالات للجاهل بهما لا إلزاماً ولا إقناعاً ، لاَن دليليتهما فرع الاِعتقاد بهما وبكلامهما ، وحينئذ فالعمدة في الدليل على الوجوب هو حكم العقل الفطري .
نعم بعد تحصيل المعرفة بالمبدأ ووسائط نعمه بحكم العقل ، لا بأس بالاستدلال بالكتاب والسنة لاِثبات وجوب المعرفة لما عداهما في فرض تمامية إطلاق تلك الاَدلة من حيث متعلق المعرفة ، وإلا فبناء على عدم إطلاقها من هذه الجهة فلا مجال للتمسك بها أيضاً .
( 212 )
ثم إنه مما ذكرنا ظهر الحال في المقام الثاني حيث أنه بعد ما وجب تحصيل المعرفة بالواجب تعالى وبوسائط نعمه يجب بحكم العقل الاِعتقاد وعقد القلب والاِنقياد له سبحانه لكون مثله أيضاً من مراتب أداء شكره الواجب عليه . بل الظاهر أن وجوب ذلك أيضاً كوجوب أصل المعرفة مطلق غير مشروط بحصول العلم من الخارج ، فيجب عليه حينئذ تحصيل العلم مقدمة للاِنقياد الواجب .
هذا كله بالنسبة إلى أصل وجوب المعرفة ، وأما المقدار الواجب منها فإنما هو المعرفة بالمبدأ جل شأنه وبوحدانيته وبما يرجع إليه من صفات الجمال والجلال ، وكذا معرفة أنبيائه ورسله وحججه الذين هم وسائط نعمه وفيضه ، وكذلك الحشر والنشر ولو بنحو الاِجمال .
وأما ما عدا ذلك كتفاصيل التوحيد وكيفية علمه وإرادته سبحانه ، وتفاصيل المحشر وخصوصياته ، وأن الميزان والصراط بأي كيفية ، ونحو ذلك فلا يجب تحصيل العلم ولا الاِعتقاد بها بتلك الخصوصيات .
نعم في فرض حصول العلم بها من الخارج يجب الاِعتقاد وعقد القلب بها . فوجوب الاِعتقاد بخصوصيات الاَمور المزبورة إنما كان مشروطاً بحصول العلم بها من باب الاِتفاق ، لا أن وجوبها مطلق حتى يجب تحصيل العلم بها من باب المقدمة. نعم الواجب على المكلف هو الاِعتقاد الاِجمالي بما هو الواقع ونفس الاَمر فيعتقد وينقاد بتلك الاَمور على ما هي عليها في الواقع ونفس الاَمر .
ومن هذا البيان ظهر الحال في المقام الثالث أيضاً ، فإن مقتضى الاَصل فيما عدا المقدار المزبور هو عدم وجوب تحصيل المعرفة زائداً على المقدار الذي يستقل العقل بوجوب تحصيله ، إلا ما ثبت من الخارج وجوب الاِعتقاد به من ضرورة ونحوه كالمعاد الجسماني .
وأما الاِستدلال على وجوب المعرفة بتفاصيل الاَمور المزبورة بما ورد من الاَدلة النقلية كتاباً وسنة كقوله سبحانه : وما خلقت الجن والاِنس إلا ليعبدون ، وعموم آية
( 213 )
النفر وقوله عليه السلام : لا أعلم شيئاً بعد المعرفة أفضل من الصلوات الخمس ، وقوله : طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ، فيدفعه مضافاً إلى قضاء العادة بامتناع حصول المعرفة بما ذكر إلا للاوحدي من الناس ، أنه لا إطلاق لها من حيث متعلق المعرفة لاَنها بين ما كان في مقام بيان فضيلة الصلاة والحث والترغيب إليها لا في مقام بيان حكم المعرفة ، وبين ما كان بصدد إثبات أصل وجوب المعرفة بالمبدأ ورسله وحججه لا في مقام وجوبها على الاِطلاق ، حتى بالنسبة إلى التفاصيل المزبورة . وعليه فعند الشك لابد من الرجوع إلى الاَصل المقتضى لعدم وجوبها .
نعم حيث قلنا بعدم وجوب تحصيل المعرفة في الزائد عن المقدار المعلوم فليس له إنكاره والجحد به ، إذ لا يستلزم عدم وجوب المعرفة بشيء جواز إنكاره ، بل ربما يكون إنكاره حراماً عليه ، بل موجباً لكفره إذا كان من الضروريات ، لما يظهر منهم من التسالم على كفر منكر ضروري الدين كالمعراج والمعاد الجسماني ونحوهما . فلا بد لمثل هذا الشخص حينئذ من الاِعتقاد إجمالاً بما هو الواقع .

شرح المواقف للجرجاني ج 8 ص 105
. . . والجواب منع التكليف بكمال معرفته إذ هو أي التكليف بقدر وسعنا فنحن مكلفون بأن نعرف من صفاته ما يتوقف تصديق النبي عليه السلام على العلم به لا بمعرفة صفات أخرى . أو بأن نقول سلمنا تكليفنا بكمال معرفته لكن لا يلزم من التكليف به حصوله من جميع المكلفين بل ربما يعرفه معرفة كاملة بعض منهم كالاَنبياء والكاملين من أتباعهم . . . .
فإن قلت : مرادهم أنا مكلفون بكمال معرفة ممكنة ، وقد لا يسلمون كون معرفته تعالى بالكنه ممكنة .
قلت : لو سلم فلعل له تعالى صفة لا يمكن لنا معرفتها أيضاً فلا يتجه لهم بما ذكروه نفي صفة غير السمع بالكلية فتأمل .
قوله فنحن مكلفون إلى آخره .. هذا مترتب على منة التكليف بكمال المعرفة ثم
( 214 )
الترتب باعتبار الاَخبار نظيره الفاء في قوله تعالى : وما بكم من نعمة فمن الله ، أي إذا كان التكليف بكمال المعرفة ممنوعاً فأخبركم أنا مكلفون بكذا لا بكذا ، وحينئذ لا يرد أن مثل السمع والبصر والكلام داخل تحت الوسع ، فيقتضي قوله إذ هو بقدر وسعنا أن نكون مكلفين بمعرفته أيضاً مع أن التفريع يقتضي عدم التكليف بها ، إذ لا يتوقف تصديق النبي عليه السلام على شيء منها ، فتدبر .

 

434312423_223123

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...