الوقت- على وقع تهاوي دفاعات المسلحين في الجنوب والتقدم السريع الذي يحرزه الجيش السوري على هذا المحور يبدو أن هناك تقدّماً إعلامياً لا يقل أهمية عن التقدم الميداني بعد أن سقطت ورقة التوت عن الكيان الإسرائيلي وطريقة تعامله مع المسلحين وعائلاتهم الذين كان لهم حتى الأمس القريب حظوة كبيرة من تل أبيب ومن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفسه.
وبعد نحو شهر من بدء العملية العسكرية في الجنوب بات الجيش السوري الآمر الناهي في المنطقة وبات يسيطر باعتراف المسلحين وأذرعهم الإعلامية على أكثر من 91% من مساحة محافظة درعا، فيما تُسيطر المجموعات المرتبطة بداعش على مساحة7.2% من مساحة المحافظة، حيث قام الجيش السوري أمس بتوسيع نطاق سيطرته في ريف درعا الشمالي الغربي وسيطر على قرية المال وتلّها الواقع غرب القرية، وعلى قرية عقربا وتلّها، وتل المحص جنوب قرية نَمَر، بالإضافة إلى قرية العالية غرب مدينة جاسم في ريف درعا الشمالي الغربي بعد أن بات واضحاً أن المسلحين في هذه المنطقة ليس لديهم إرادة حقيقية للقتال بعد خذلان الداعمين الإقليميين والدوليين من جهة والنجاحات الكبيرة التي حققها الجيش السوري خلال الفترة الماضية ولا سيما استعادة الجيش السيطرة على غوطة دمشق الشرقية قبل أشهر التي كان يظنها المسلحون حصناً منيعاً لا تسقط، أضف إلى ذلك تطور الأساليب القتالية للجيش السوري ما مكّنه بمساعدة الحلفاء من استهداف مواقع المسلحين بدقة عالية ودفع بالمسلحين للالتحاق بقطار المفاوضات والخضوع لشروط الجيش السوري.
وكعادته في التعامل مع أي عميل بعد انتهاء فترة صلاحياته وافتضاحه و انكشاف أمره لم يتعامل كيان الاحتلال الإسرائيلي بشكل مختلف مع عملائه في الجنوب السوري فبعد أن اقترب عشرات المسلحين وعائلاتهم من السياج الحدودي على هضبة الجولان المحتلة يوم الثلاثاء فيما يبدو محاولة لخطب ودّ أصدقاء وحلفاء الأمس، خاطب ضابط في الجيش الإسرائيلي على الجانب الآخر من السياج الحدودي الحشد باللغة العربية عبر مكبّر للصوت قائلاً “صباح الخير يا جماعة، ارجعوا عن الشريط لحدود دولة إسرائيل، ابعدوا لورا أحسن ما يصير شي مش منيح، ارجعوا لورا”.
المتابع للشأن السوري يستطيع أن يرى بأم العين كيف استقبل كيان الاحتلال الإسرائيلي ورئيس وزرائه بنيامين نتنياهو عناصر جبهة النصرة في المستشفيات الإسرائيلية عل مدار الأعوام الماضية وكيف سعت وسائل الإعلام العبرية والغربية إلى تلميع صورة كيان الاحتلال بوصفه يتعامل بمواقف إنسانية مع هؤلاء، ولكن الصورة اليوم فضحت كذب كيان الاحتلال فهناك مقطع فيديو انتشر بشكل كبير عن رفض تل أبيب ادخال عملائها وعوائلهم الذين كان الأحرى بهم أن يعودوا إلى جيش بلادهم والاعتراف بأخطائهم بدل مراكمتها وصبّ الزيت على النار.
“إسرائيل” لم تخفِ عنصريتها عندما أقفلت الأبواب بوجه هؤلاء المسلحين وعوائلهم فمن المؤكد أن هذا الكيان الذي لا يتوقف عن تعريف نفسه كدولة يهودية لن يقبل عرباً ومسلمين داخله وهو الذي هجّر مئات الآلاف من الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين على مدى سبعين عاماً من إنشاء هذا الكيان المزعوم بالإضافة إلى أن عنصرية هذا الكيان لا تقتصر على الدين والعرق فقط بل تصل إلى اللون فـ “تل أبيب” لا تقبل أي لاجئ إفريقي، والسود الموجودون فيها المعتنقون لليهودية يعاملون كمواطنين من الدرجة الرابعة، فهل كان يتصور هؤلاء المسلحون السوريون أن يقوم نتنياهو بفرش السجاد الأحمر لهم، ألم يتعظوا من تجربة عملاء جيش لحد الجنوبي وكيف سد جيش الاحتلال عام 2000 السياج الحدودي بين لبنان وفلسطين المحتلة بوجههم رغم الخدمات الكبيرة التي قدمها لحد وعملاؤه للكيان الإسرائيلي على مدى 30 عاماً، ومن استطاع عبور السياج الحدودي انتهى به الحال مرميّاً على قارعة الطريق في شوارع حيفا وتل أبيب يعاني أوضاعاً مادية مزرية ومنبوذاً من عرب الـ 48 الذين رفضوا استقبال هؤلاء الخونة في قراهم ومناطقهم.
في النهاية يستحضرنا هنا المثل العربي الذي يقول “الأمينُ آمِنٌ، والبرِيءُ جرِيءٌ، والخائِنُ خائِفٌ، والمسيءُ مُستوحِش” ولولا أن هؤلاء الذين اندفعوا إلى أحضان العدو على أمل الحصول على بعض المزايا لم يرتكبوا جرائم من العيار الثقيل ضد بلدهم سوريا لما توجهوا إلى أعتى أعداء الأمة يطلبون حمايتهم، ولكن من الأحمق الذي يقبل من خان في وطنه (رغم أن فلسطين ليست وطناً للكيان الاسرائيلي)؟ وحتى هذا العدو لم يقبلهم ولا أسف على من باع نفسه وخان وطنه فكل من يتعاون مع العدو على حساب وطنه يكون مصيره كمصير كالمناديل الورقية تستخدم لمرة واحدة فقط من ثم إلى مكبّ النفايات، وليت من تبقّى من المتعاونين يتعظون ويعودون قبل فوات الأوان حفاظاً على ما تبقّى من آدميتهم وليس كرامتهم لأن المتعاونين مع أعداء وطنهم لا يملكون ذرة كرامة.