قصة الشهادة المباركة للشهيد القائد علي شبيب محمود ابو تراب الرويس
8 ديسمبر,2019
الشهداء صناع الحياة, صوتي ومرئي متنوع
3,501 زيارة
رجع أبو تراب إلى المحاور، غير أن سؤالاً واحداً لم يبارحه ولم يجد له جواباً : لماذا السيدة زينب؟
لقد كان في المستشفى طريح الفراش حينما سمع صوت أمير المؤمنين عليه السلام يطلب إليه الذهاب إلى ابنته زينب.. لماذا لم يشفه هو؟! لماذا كان عليه الذهاب إلى هناك؟ ثمة سرّ في ذلك..
سرٌّ أنبت الحيرة في مفاصل قلبه، وقد حاول كثيراً أن يتناسى الأمر، فالمعجزة قد حصلت معه واستجاب الله لدعواه ببركة الأمير والسيدة زينب..
ولكن هيهات، إن القلوب لتأبى الركون إلا إلى الجواب اليقين، وقد أحبّ أن يحصل على هذا الجواب في كل لحظة من لحظات حياته..
وفي كل مرة يزور فيها الشام، يقف أمام البوابة الكبيرة للحضرة ويتذكر كل ما حدث معه في ذلك النهار..
فيضع يده على قلبه معاهداً سيدته من جديد أن يظل على عهده..
وعلى حين غرةٍ ذات نهار.. وبعد سنوات، كتب على جدارِ مقام السيدة زينب في الشام : سترحلين مع النظام..
كانت الأسواق خالية، والدمار يتزاحمُ حوله.. حتى الحمام هجر السماء بعد أن صار الكلام الفصل للرصاص والقذائف..
يومها، وقف أبو تراب أمام البوابة الكبيرة للمرقد متقلداً سلاحه.. يحمل قلبه وردة ليرميها عند أعتابها.. خنقته العبرات وقد رأى وشاح الغربة والوحدة قد ألقي على تلك الحجارة التي بانت دموع الحسرة بين تشققاتها.. لم يعد ثمة زوار..
الحضرة المقدسة صارت فقط للمتقلدين سلاحهم..
نظر أبو تراب إلى القبة بعينيه ثم رمق السماء، وكأنه يريد القول : لقد جئتُ.. يا أمير المؤمنين جئتُ إلى ابنتك زينب..
وانكشفَ السرُّ أمام قلبه.. هنا مصيرهُ.. هنا بزغَ فجر العشق على جبينه، ولن يغيب.. الآن هو يحمل سلاحه ليدافع عن سيدته، فالزمن لن يتكرر، ولن تسبى زينب مرتين..
كانت الشمسُ غابت خلف غمام القذائف، قام ابو تراب ورفاقه بتنظيف المقام، وصعد إلى القبة ومسحها، ورفع الراية عليها صارخاً: بزينب حفيدة المختار، وبابنة علي الكرار، وبابنة الزهراء ابنة الاطهار، نحن قوة حيدرية حسينية لن تنهان لبيك يا زينب..
رفع الراية الحمراء.. والراية الحمراء في مفهوم العرب ترفع لمن قُتل ولم يؤخذ بثأره..
بالقرب من الحضرة بقي ابو تراب اياماً وشهوراً، وكيف له أن يغيب عن المحور، والمقام هو محوره؟! كيف تغفو عينه وهو الذي يحرسه..
لكن ساعة الرحيل قد أذنت.. فاستأذن ابو تراب من سيدة المقام.. فقد آن الأوان ليرتاح القلب من غربة الدنيا.. فطلب منها طلباً أخيراً، أن يكون يوم رحيله في العاشر من المحرم، وأن يكون عندها في حضرتها ليلة الحادي عشر..
كانت الأيام تمرّ، وابو تراب يتحين فرصة الرحيل، فهو ورفاقه قد أعادوا الأمن إلى منطقة السيدة زينب، ورويداً رويداً عادت الحياة لتلوّن المكان، وضجّت الحضرة من جديد بالزائرين من كل حدب وصوب.. فزينب بقيت وستبقى حيث هي!
حل المحرم، وابو تراب قد أسرج جواده للرحيل، وكأنه كان على الموعد، فالعاشر اقترب وهو ما عاد بإمكانه الصبر أكثر، وصدق حدسه، فالقذيفة عاجلته غدراً في اليوم التاسع من المحرم..
نقل جريحاً ابو تراب إلى المستشفى، وفي اليوم التالي.. يوم العاشر من المحرم ارتفع ابو تراب إلى الملكوت الأعلى.. كفّن ووضع طوال الليل بالقرب من المقام، والشموع من حوله تذرف ما تبقى لها من وجود..
2019-12-08