الهدف من البحث
تقييم الأحاديث الواردة عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بخصوص وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى حال القيام في الصلاة.
طريقة البحث
اعتمدنا على القرص المضغوط المسمى ” موسوعة الحديث الشريف “، الذي أعدته شركة صخر لبرامج الحاسب، و الذي يحتوي على نصوص كتب الحديث التسعة: صحيح البخاري، و صحيح مسلم، و سنن الترمذي، و سنن النسائي، و سنن أبي داود، و سنن ابن ماجة، و مسند أحمد، و موطأ مالك، و سنن الدارمي.
اخترنا الأمر (بحث) من القائمة الرئيسية للبرنامج، و منه (بدلالة موضوع فقهي)، و منه (العبادات)، و منه (الصلاة)، و منه (سنن الصلاة و هيئاتها)، و منه (هيئة وضع اليدين في الصلاة). فحصلنا على قائمة تضم ٨٠ رواية.
بعد تفحص الروايات وجدنا أن بعضها يخص هيئة وضع اليد في الركوع و التشهد و غير ذلك فأهملناها لعدم علاقتها بموضوع البحث، و أخذنا فقط الروايات التي تخص هيئة وضع اليد حال القيام. فحصلنا بذلك على ٤٢ رواية.
ثم بدأنا بتصنيف الروايات، و ضم المتشابهة إلى بعضها و دراسة أسانيدها، و مقارنة متونها لتحديد نقاط الاختلاف و الاتفاق بينها، و ما إلى ذلك مما يتطلبه هذا البحث.
و قد اعتمدنا في تقييمنا للرواة على كتاب ” تهذيب التهذيب ” لابن حجر العسقلاني، لأنه من العلماء المتأخرين و قد جمع في كتابه هذا أقوال من سبقه من العلماء، و بين اختلافاتهم إن وجدت، مما أعطى لهذا الكتاب أهمية كبيرة جدا مقارنة بغيره من كتب الرجال.
الحديث الأول: حديث سهل بن سعد
حصلنا على ٣ روايات لهذا الحديث. الأولى واردة في موطأ مالك(١)، و الثانية واردة في مسند أحمد(٢)، و الثالثة واردة في صحيح البخاري(٣)، و هي الرواية الوحيدة للبخاري في هذا الخصوص.
نص الحديث:
أبو حازم، عن سهل بن سعد، قال: كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة.
قال أبو حازم: لا أعلمه إلا ينمي ذلك إلى النبي صلى الله عليه و آله و سلم.
سند الحديث:
المخطط رقم (١) يوضح سند هذا الحديث برواياته الثلاثة.
ديث رقم ٦٩٨.
مناقشة المتن
هناك مشكلتان في متن هذا الحديث.
الأولى هي أن الصحابي (سهل بن سعد) لم يصرح برفعه إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، بل فهم التابعي (أبو حازم) أن الحكم مرفوع. و هناك نقاش حول هذا الموضوع بين علماء الأصول.
و قد بين ابن حجر العسقلاني عددا من الأمور المتعلقة بذلك منها:
و رُدّ بأن (….) قول الصحابي: كنا نؤمر بكذا، يصرف بظاهره إلى من له الأمر، و هو النبي صلى الله عليه و سلم، لأن الصحابي في مقام تعريف الشرع، فيحمل على من صدر عنه الشرع. و مثله قول عائشة: كنا نؤمر بقضاء الصوم، فإنه محمول على أن الآمر بذلك هو النبي صلى الله عليه و سلم. و أطلق البيهقي أنه لا خلاف في ذلك بين أهل النقل. و الله أعلم “(٥)أقو ل: هذه حجة قوية، فإن قول الصحابي: كنا نؤمر، محمول على أن الآمر بذلك هو رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، إلا أن تكون هناك بينة على غير ذلك. و هنا لا توجد بينة بأن المقصود غير ذلك. فهذا الحديث له حكم الرفع.
المشكلة الثانية و الرئيسية هي أن مالك بن أنس هو الراوي الأساسي لهذا الحديث كما هو واضح في المخطط السابق. و قد اختلف تلاميذ مالك في تحديد موقفه من هذه القضية. فهناك جماعة من تلاميذه رووا عنه الرواية التي رأيناها آنفا في ” الموطأ “، في حين أن تلاميذ آخرين لمالك رووا عنه في كتاب ” المدونة الكبرى ” ما يلي: ” و قال مالك في وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة، قال: لا أعرف ذلك في الفريضة و كان يكرهه، و لكن في النوافل إذا طال القيام فلا بأس بذلك يعين به نفسه “(٦).
فهنا إذن مشكلة. و هي تناقض الرواية عن مالك. علما بأن الكتابين ” المدونة الكبرى ” و ” الموطأ ” هما من مرويات تلاميذ مالك عنه، و يحويان أصول الفقه المالكي.
و من حيث السند رأينا كيف أن سند الرواية الواردة في ” الموطأ ” يخلو من أي مشكلة، إذ لا يمكن الإشارة إلى أي من الرواة باعتباره مطعونا عليه أو مجروحا من قبل علماء الرجال. و الكلام نفسه ينطبق على رواة كتاب ” المدونة الكبرى “، فالمعروف أن هذا الكتاب نشأ عن أسئلة في أمور مختلفة وجهها شخص من أهل المغرب اسمه أسد بن الفرات إلى عبد الرحمن بن القاسم المصري يستطلع رأي مالك بن أنس فيها. و قد أجاب عبد الرحمن بن القاسم على هذه الأسئلة و بين رأي مالك فيها، و دونت أجوبته في كتاب انتشرت نسخه في مختلف البلدان، و منها نسخ وصلت إلى القيروان في تونس، التي كان فيها شاب يدعى سحنون، فأخذ نسخة من هذا الكتاب و سافر إلى مصر في سنة ١٨٨ هـ، و قابل عبد الرحمن بن القاسم شخصيا، و عرض عليه النسخة التي وصلته فأصلح فيها كثيرا و حذف منها أمورا، ثم عاد سحنون إلى المغرب و معه النسخة المصححة فرتبها و بوبها و احتج لكثير من مسائلها بالآثار من مروياته، فظهرت لنا النسخة التي بين أيدينا من ” المدونة الكبرى “.
فهناك إذن شخصان في سند كتاب ” المدونة الكبرى ” هما:
عبد الرحمن بن القاسم المصري، المتوفى سنة ١٩١ هـ، و هو من تلاميذ مالك، و قد وصفه علماء الرجال بأنه ثقة صالح خيّر فاضل ممن تفقه على مذهب مالك و فرّع على حد أصوله و ذب عنها و نصر من انتحلها(٧).
و سحنون، و اسمه عبد السلام بن حبيب التنوخي، و هو قيرواني أصله من حمص، ولد سنة ١٦٠ و توفي سنة ٢٤٠ هـ، و كان قد تولى القضاء في القيروان و كان موصوفا بالعقل و الديانة التامة و الورع مشهورا بالجود و البذل وافر الحرمة عديم النظر، و قد ساد أهل المغرب في تحرير المذهب و انتهت إليه رئاسة العلم، و على قوله المعول بتلك الناحية، و تفقه عليه عدد كبير من طلبة العلم(٨).
(٦) مالك بن أنس، المدونة الكبرى، ج١ ص٧٤.
(٧) ابن أبي حاتم، الجرح و التعديل، ج٥ ص٢٧٩ رقم ١٣٢٥ ** و ابن حبان، الثقاة، ج٨ ص٣٧٤ رقم ١٣٩٤٩ ** و ابن حجر العسقلاني، تقريب التهذيب، ص٣٤٨ رقم ٣٩٨٠.
(٨) الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج١٢ ص٦٣.
و على كل حال فالموقف الصحيح تجاه هذا الحديث هو التوقف فيه، على أقل تقدير، لاضطراب الرواية عن مالك. و لا يجوز الاعتداد به بحال.
و الله أعلم.
الحديث الثاني: حديث وائل بن حجر
حصلنا على ١٨ رواية لهذا الحديث. واحدة أوردها مسلم في صحيحه(٩)، و هي الرواية الوحيدة التي أوردها مسلم بهذا الخصوص. و ثلاث أوردها النسائي في سننه(١٠). و ثلاث أوردها أبو داود في سننه(١١). و واحدة أوردها ابن ماجة في سننه(١٢). و ثماني أوردها أحمد في مسنده(١٣). و روايتان أوردهما الدارمي في سننه(١٤).
نص الحديث:
عن وائل بن حجر أنه رأى النبي صلى الله عليه و سلم رفع يديه حين دخل في الصلاة، كبر (و صف همام حيال أذنيه) ثم التحف بثوبه، ثم وضع يده اليمنى على اليسرى، فلما أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب ثم رفعهما فكبر فركع.
و الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة و حسب. و ثمة اختلافات عديدة بين رواياته سنناقشها فيما بعد، و النص أعلاه مأخوذ من صحيح مسلم.
سند الحديث:
المخطط رقم (٢) يوضح سند هذا الحديث بكل رواياته.
و يعاني هذا السند من مشاكل عديدة.
أولها أن هناك ثلاثة رجال سمعوا هذا الحديث من وائل بن حجر، لكن أحدهم مجهول أشير إليه في إحدى الروايات بأنه مولى لآل وائل، و في رواية أخرى بأنه واحد من أهل بيته. وأيا كان الوصف فهذا الرجل مجهول و السند منقطع من هذه الجهة. مما يوجب علينا إسقاط الروايتين اللتين ورد فيهما هذا المجهول من الاعتبار.
و ثانيها تخص العلاقة بين وائل بن حجر و ولديه علقمة و عبد الجبار. فهناك عدد من علماء الرجال يقولون أن عبد الجبار كان جنينا في بطن أنه عندما مات أبوه وائل، و على هذا القول ابن حبان و البخاري(١٥). و لا يؤثر ذلك على هذا السند لأن كل الروايات التي ورد فيها اسم عبد الجبار تكون هناك واسطة بينه و بين أبيه. و هذه الواسطة هي أخوه علقمة. و هنا تبرز
(١١) سنن أبي داود، الأحاديث رقم ٦٢١ و ٦٢٤ و ٨٢٠.
(١٢) سنن ابن ماجة، الحديث رقم ٨٠٢.
(١٣) مسند أحمد، الأحاديث رقم ١٨٠٩١ و ١٨٠٩٧ و ١٨٠٩٩ و ١٨١١١ و ١٨١١٥ و ١٨١١٦ و ١٨١١٨ و ١٨١٢٠.
(١٤) سنن الدارمي، الحديثان رقم ١٢١٣ و ١٣٢٣.
(١٥) ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج٦ ص٩٥.
![[image] - مركز الأبحاث العقائدية](https://www.aqaed.com/book/30/06.gif)
مشكلة أخرى، ذلك أن عددا من علماء الرجال يعتبرون رواية علقمة عن أبيه مرسلة، و منهم يحيى بن معين(١٦). و قد ورد في إحدى الروايات أن ” عبد الجبار بن وائل بن حجر قال: كنت غلاما لا أعقل صلاة أبي، فحدثني علقمة بن وائل عن أبي وائل بن حجر……. إلخ “(١٧). و لا يمكن أن يكون عبد الجبار قائل هذه العبارة لأنه لم يكن مولودا أصلا عندما مات أبوه، فقائلها إذن علقمة. و قد ” نص أبو بكر البزار على أن القائل: كنت غلاما لا أعقل صلاة أبي هو علقمة بن وائل، لا أخوه عبد الجبار “(١٨). فرواية علقمة عن أبيه هي رواية غلام لا يعقل صلاة أبيه، أو هي رواية مرسلة. مما يجعلنا نضع علامة استفهام على كل الروايات الواردة بطريق علقمة عن أبيه.
و بذلك لا تبقى إلا الروايات الواردة بطريق عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر. و هو طريق لا يخلو من المشاكل، فمع أن علماء الرجال عموما اعتبروا عاصم بن كليب ثقة، إلا أن ابن المديني قال أنه لا يحتج به إذا انفرد(١٩).
(١٨) ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج٦ ص٩٥.
(١٩) ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج٥ ص٤٩.
![[image] - مركز الأبحاث العقائدية](https://www.aqaed.com/book/30/08.gif)
يديه من الثوب “(٢١). و لا ندري كيف رأى وائل بن حجر يدي النبي صلى الله عليه و آله و سلم و هما داخل الثوب الذي التحف به. و الروايات التي ورد فيها هذا الوصف جاءت كلها من طريق محمد بن جحادة.
و هناك خلاف بين الروايات في وصف طريقة وضع اليد اليمنى على اليسرى. ففي عدة روايات أنه ” وضع يده اليمنى على اليسرى “، أو ” واضعا يمينه على شماله”، أو ” يضع يمينه على يساره “(٢٢)، أو ” قبض بيمينه على شماله “، أ و ” ممسكا يمينه على شماله “(٢٣)،أو ” أخذ شماله بيمينه “(٢٤)، و كل هذه الروايات بمعنى واحد، و لكن الاختلاف يظهر عندما تبدأ روايات أخرى بالتوضيح أكثر فتقول ” وضع يده اليمنى على كفه اليسرى و الرسغ
(٢٣) سنن النسائي، الحديث رقم ٨٧٧؛ و مسند أحمد ١٨١١٦.
(٢٤) سنن النسائي، الحديث رقم ١٢٤٨؛ و سنن أبي داود، الأحاديث رقم ٦٢١ و ٦٢٤ و ٨٢٠؛ و سنن ابن ماجة، الحديث رقم ٨٠٢؛ و مسند أحمد، الحديث رقم ١٨١٢٠.
فهذا حديث مضطرب سندا و متنا.
الحديث الثالث: حديث هلب الطائي
حصلنا على سبع روايات لهذا الحديث. واحدة أخرجها الترمذي(٢٨). و واحدة أخرجها ابن ماجة(٢٩). و أربع روايات أخرجها أحمد بن حنبل(٣٠). و رواية واحدة أخرجها عبد الله بن أحمد بن حنبل، و أوردها في مسند أبيه(٣١).
نص الحديث:
بحسب رواية الترمذي، ينص الحديث على أن هلب الطائي قال: كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يؤمنا فيأخذ شماله بيمينه.
مناقشة السند:
المخطط رقم (٣) يوضح سند هذا الحديث بجميع طرقه.
و يعاني هذا السند من مشاكل عديدة.
أولها ما يتعلق بهلب الطائي، فالواضح من ترجمته أنه لم ير رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إلا لفترة قصيرة أعلن فيها إسلامه بعد فتح مكة على الأرجح، و جرت عليه معجزة إذ أنه كان أصلع فمسح رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم على رأسه فنبت شعره. فلقبوه الهُـلـْب إي الكثير الشعر. و هناك خلاف كبير في اسمه(٣٢). و لعل هذا الخلاف راجع إلى عدم مكثه لفترة طويلة مع رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، بحيث أنهم نسوا اسمه، و لم يتذكروا إلا المعجزة التي حدثت له.
و ثانيها تخص ابنه قبيصة. فهو مختلف فيه. فقد وثقه ابن حبان و العجلي. و لكن عددا من علماء الرجال قالوا أنه لم يرو عنه غير سماك بن حرب، و لذلك اعتبره ابن المديني و النسائي مجهولا(٣٣).
و ثالثها تخص سماك بن حرب، و هو الراوي الأساسي لهذا الحديث، كما هو واضح في المخطط رقم (٣). فهو مختلف فيه أيضا، إذ وثقه جماعة و ضعفه آخرون. و الذين ضعفوه قالوا عنه بأنه ليس من المتثبتين، و أنه أسند أحاديث لم يسندها غيره، و أنه كان يلقن الحديث فيتلقن، و غير ذلك من الأوصاف(٣٤).
فسند الحديث ليس مما يطمئن إليه، و لا ندري كيف وصفه الترمذي بأنه حديث حسن. فهذا حديث رجل مختلف فيه، عن رجل مجهول لا يعرفه أحد غيره، عن رجل لم ير رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إلا سويعة حتى أن الناس لا يذكرون اسمه.
(٢٧) سنن الدارمي، الحديث رقم ١٣٢٣.
(٢٨) سنن الترمذي، الحديث رقم ٢٣٤.
(٢٩) سنن ابن ماجة، الحديث رقم ٨٠١.
(٣٠) مسند أحمد، الأحاديث رقم ٢٠٩٦١ و ٢٠٩٦٢ و ٢٠٩٧١ و ٢٠٩٧٢.
(٣١) مسند أحمد، الحديث رقم ٢٠٩٧٠.
(٣٢) ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج١١ ص٥٨؛ و كذلك الإصابة في تمييز الصحابة، ج٦ ص٥٥٢.
(٣٣) ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج٨ ص٣١٤.
(٣٤) ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج٤ ص٢٠٤.
مناقشة المتن:
نقل هذا الحديث عن سماك بن حرب اثنان، أبو الأحوص و سفيان الثوري. و بحسب رواية أبي الأحوص فإن هلب الطائي قال: ” كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يؤمنا فيأخذ شماله بيمينه “. و بحسب رواية سفيان فإنه قال: ” رأيت النبي صلى الله عليه و سلم..”.
و الرواية عن سفيان مضطربة، فقد سمع الحديث منه اثنان وكيع و يحيى القطان. و المذكور في رواية وكيع ” رأيت النبي صلى الله عليه و آله و سلم واضعا يمينه على شماله في الصلاة “. أما المذكور في رواية يحيى فهو ” يضع هذه على صدره (و صفّ يحيى اليمنى على اليسرى فوق المفصل) “.
فهذا حديث مضطرب سندا و متنا، و الله أعلم.
الحديث الرابع: حديث عبد الله بن مسعود
حصلنا على ثلاث روايات لهذا الحديث. واحدة أخرجها النسائي(٣٥). و الثانية أخرجها ابن ماجة(٣٦). و الثالثة أخرجها أبو داود(٣٧).
نص الحديث:
بحسب رواية النسائي ينص الحديث على أن عبد الله بن مسعود قال: ” رآني النبي صلى الله عليه و سلم قد وضعت شمالي على يميني في الصلاة فأخذ بيميني فوضعها على شمالي “.
سند الحديث:
المخطط رقم (٤) يوضح سند هذا الحديث برواياته الثلاثة.
و يعاني هذا السند من مشاكل عديدة.
أولها يخص الحجاج بن أبي زينب. إذ اختلف فيه علماء الرجال. فقد ذكره ابن حبان في الثقاة. و قال ابن عدي و أبو داود: لا بأس به. و ضعفه علي بن المديني و النسائي و أحمد. و اختلفت الرواية عن الدارقطني، فضعفه في موضع و وثقه في موضع آخر(٣٨). و ذكر العقيلي حديثه هذا عن ابن مسعود و قال: لا يتابع عليه(٣٩).
المشكلة الثانية تخص هشيم بن بشير. فمع أن علماء الرجال وثقوه و مدحوه، إلا أنهم اتفقوا على أنه مدلس، فإن قال: أخبرنا فهو حجة، و إن لم يقل فليس بشيء(٤٠). و في هذا الحديث اختلاف، ففي النسائي و أبي داود ” هشيم عن الحجاج بن أبي زينب “، أما عند ابن ماجة فـ ” أنبأنا هشيم أنبأنا الحجاج بن أبي زينب “.
و لكن إذا تابعنا سند رواية ابن ماجة في المخطط رقم (٤)، نلاحظ إن هشيما توفي سنة ١٨٣ هـ، أما تلميذه أبو إسحاق الهروي فقد ولد سنة ١٧٨ هـ. أي أن التلميذ كان عمره ٥ سنوات فقط عندما توفي أستاذه مما لا يبقي لنا أي مجال سوى عدم الاعتداد برواية ابن ماجة لعدم دقة سندها.
و حيث أن رواية النسائي فيها عنعنة هشيم عن أبي الحجاج، و ليس فيها تصريح بالسماع، فهذا الحديث كله ليس بشيء، و الله أعلم.
مناقشة المتن:
ليست لدينا أية ملاحظات على مضمون الحديث، فالمشكلة الأساسية التي تسقطه من الاعتبار هي في سنده. و لا معنى لمناقشة المتن بعد سقوط السند.
(٣٧) سنن أبي داود، الحديث رقم ٦٤٤.
(٣٨) ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج٢ ص١٧٧؛ و أحمد بن حنبل، العلل و معرفة الرجال، ج١ ص٥٥٣ رقم ١٣١٧.
(٣٩) العقيلي، الضعفاء، ج١ ص٢٨٣ رقم ٣٤٣.
(٤٠) ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج١١ ص٥٣.
![[image] - مركز الأبحاث العقائدية](https://www.aqaed.com/book/30/12.gif)
سند حديث عبد الله بن مسعود
الحديث الخامس: حديث جابر بن عبد الله
حصلنا على رواية واحدة لهذا الحديث أخرجها أحمد بن حنبل في مسنده(٤١).
نص الحديث:
قال أحمد بن حنبل: ” حدثنا محمد بن الحسن الواسطي (يعني المزني): حدثنا أبو يوسف الحجاج (يعني ابن أبي زينب الصيقل)، عن أبي سفيان، عن جابر قال: مر رسول الله
الحديث السادس: حديث علي بن أبي طالب (ع)
حصلنا على روايتين لهذا الحديث. واحدة رواها أبو داود(٤٤)، و الثانية وردت في مسند أحمد(٤٥).
نص الحديث
بحسب رواية أبي داود ينص الحديث على ما يلي: ” أن عليا رضي الله عنه قال: من السنة وضع الكف على الكف في الصلاة تحت السرة “.
مناقشة السند
المخطط رقم (٦) يوضح سند هذا الحديث.
و في هذا السند مشكلتان.
أولاهما متعلقة بزياد بن زيد، الذي قال عنه أبو حاتم الرازي: ” مجهول، روى له أبو داود حديثا واحدا عن علي: أن من السنة في الصلاة وضع الأكف على الأكف تحت السرة “(٤٦).
و ثانيهما متعلقة بعبد الرحمن بن إسحاق، الذي ضعفه جميع علماء الرجال، و وصفوه بأنه ليس بشيء، منكر الحديث، و غير ذلك من الأوصاف المنكرة، و لم نجد أحدا ذكره بخير(٤٧).
و هاتان المشكلتان لا تدعان لنا أي مجال سوى القول بأن عبد الرحمن بن إسحاق وضع هذا الحديث، و نسبه إلى شخص مجهول لا يعرفه أحد.
فهذا حديث ليست له أية قيمة. و الله أعلم.
الحديث السابع: حديث أبي هريرة
حصلنا على رواية واحدة لهذا الحديث رواها أبو داود(٤٨).
نص الحديث
قال أبو هريرة: أخذ الأكف على الأكف في الصلاة تحت السرة.
مناقشة السند
المخطط رقم (٧) يوضح سند هذا الحديث.
و أول ما يلفت النظر في هذا السند وجود عبد الرحمن بن إسحاق فيه، و هو نفسه واضع الحديث السابق، فإذا لاحظنا التطابق الكبير بين ألفاظ الحديثين تأكد لنا أنه وضعهما ليدعم
(٤٥) مسند أحمد، الحديث رقم ٨٣٣.
(٤٦) ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج٣ ص ٣١٨.
(٤٧) ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج٦ ص١٢٤.
(٤٨) سنن أبي داود، الحديث رقم ٦٤٧.
![[image] - مركز الأبحاث العقائدية](https://www.aqaed.com/book/30/15.gif)
سند حديث علي بن أبي طالب (ع)
![[image] - مركز الأبحاث العقائدية](https://www.aqaed.com/book/30/17.gif)
سند الحديث الآخر لعلي بن أبي طالب (ع)
و المشكلة في هذا السند جرير الضبي، الذي قال عنه ابن حجر العسقلاني: ” جرير الضبي، جد فضيل بن غزوان بن جرير. قال: رأيت عليا يمسك شماله بيمينه على الرسغ فوق السرة. عنه ابنه. قلت: قرأت بخط الذهبي في الميزان: لا يعرف. انتهى. و قد ذكره ابن حبان في الثقاة، و أخرج له الحاكم في المستدرك، و علق البخاري حديثه هذا في الصلاة مطولا بصيغة الجزم عن علي، و لا يعرف إلا من طريق جرير هذا، فكان يلزم المؤلف أن يرقم له علامة التعليق كما نبهنا على ذلك في ترجمة عبد الرحمن بن فروخ. و قد روى معاوية بن صالح عن أبي الحكم عن جرير الضبي عن عبادة بن الصامت حديثا آخر “(٥٠).
الحديث التاسع: حديث غضيف بن الحارث (أو الحارث بن غضيف)
حصلنا على ثلاث روايات لهذا الحديث أخرجها كلها أحمد بن حنبل(٥٢).
نص الحديث
عن غضيف بن الحارث (أو الحارث بن غضيف) أنه قال: ما نسيت من الأشياء ما نسيت أني رأيت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم واضعا يمينه على شماله في الصلاة.
مناقشة السند
المخطط رقم (٩) يوضح سند هذا الحديث.
و يعاني هذا السند من عدد من الاضطرابات.
أولها ما يتعلق بالأسماء، فقد اضطرب علماء الرجال في اسم غضيف بن الحارث، فقال بعضهم إنه الحارث بن غضيف، و قال غيرهم غطيف بالطاء(٥٣). و كذلك اضطربوا في اسم يونس بن سيف فقال بعضهم أنه يوسف و ليس يونس(٥٤). و قد ظهر هذا الاضطراب جليا في الروايات التي أخرجها أحمد، حيث وردت في سند بعضها أسماء، و في الأخرى غيرها.
و هنا اضطراب أيضا في تحديد شخصية غضيف بن الحارث، إذا توهم عدد من علماء الرجال و خلطوا بينه و بين شخص آخر يحمل اسما مقاربا.
و كذلك اضطربوا في صحبة غضيف هذا، فاعتبره عدد من علماء الرجال صحابيا، و اعتبره آخرون تابعيا.
إذن هناك اضطراب في تحديد اسم الراوي الأساسي لهذا الحديث و تحديد شخصيته و مدى علاقته برسول الله صلى الله عليه و آله و سلم. و ليس في مقدورنا أن نحدد أيا من هذه الآراء هو الصحيح، لأننا لا نملك الأدوات الكافية لذلك، و لكن هذا الاضطراب يجعلنا نضع علامة استفهام أولى على سند هذا الحديث.
و هناك مشاكل أخرى متعلقة بمعاوية بن صالح. فهناك خلافات بين علماء الرجال حول توثيقه. و مع أن عدد الذين وثقوه أكبر من عدد الذين لم يرضوا به إلا أن سيرته فيها الكثير مما يجعلنا لا نطمئن إليه. فقد ذكروا أنه خرج من حمص متوجها نحو المغرب في سنة ١٢٥ هـ، و عندما سقطت الدولة الأموية عام ١٣٢ هـ، و فر عبد الرحمن الداخل إلى الأندلس اتصل به معاوية بن صالح، فأرسله عبد الرحمن الداخل إلى الشام لقضاء بعض أموره، فلما رجع إلى الأندلس ولاه قضاء الجماعة هناك. و يروي أحد طلاب العلم أنه أتى معاوية بن صالح ليكتب عنه، فوجد عنده الملاهي، فسأله عنها، فقال أنها بعض هدايا صاحب الأندلس إليه(٥٥).
(٥٣) ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج٨ ص٢٢٣.
(٥٤) ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج١١ ص١٨٩.
(٥٥) ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج١٠ ص١٨٩.