الرئيسية / القرآن الكريم / 18 أسرار الآيات وأنوار البينات

18 أسرار الآيات وأنوار البينات

المشهد الثاني في صفاته وأسمائه وفيه قواعد

( 1 ) قاعدة في توحيد صفاته الكمالية

اعلم أن صفات اللَّه مجردة أي غير عارضة لماهية أصلا وكل صفة منه حق صمد فرد يجب أن يكون قد خرج فيه جميع كمالاته إلى الفعل لم يبق شيء منها في مكمن القوة والإمكان لأنه لا جهة فيه سواه فكما أن وجوده تعالى حقيقة الوجود من غير شوب عدم وإمكان فيكون كل الوجود وكله الوجود فكذلك جميع صفاته الكمالية التي هي عين ذاته فعلمه حقيقة العلم وقدرته حقيقة القدرة وما هذا شأنه يستحيل فيه التعدد وإلا لكان الشيء قاصرا عن ذاته فيكون علمه علما بكل شيء وقدرته قدرة على كل شيء وإرادته إرادة لكل شيء وهكذا في جميع ما له من الصفات .

فالعلم هناك واحد ومع وحدته يجب أن يكون علما بكل شيء .

ولا يعزب عنه شيء من الأشياء الكلية والجزئية إذ لو بقي شيء من الأشياء لا يكون ذلك العلم علما به ولا شك في أن العلم به من جملة مطلق العلم فلم يخرج جميع العلمية في ذلك إلى الفعل وقد قلنا إن ذلك واجب ضروري وإلا لم يكن صرف حقيقة العلم بل علما من جهة وجهلا من جهة أخرى ففيه شوب تركيب من علم وجهل ووجود وعدم ووجوب وإمكان فهو تعالى « بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ » وكذا قدرته
حقيقة القدرة فلا يخرج عنها شيء من المقدورات وإلا لم يكن قدرة محضة بل قدرة من وجه وعجزا من وجه

« وَا للهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، لَه ُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الأَرْضِ » وقوله :

« اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ » وقوله :

« وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى » وقوله :

« قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ » وهكذا قياس إرادته لقوله صلَّى اللَّه عليه وآله :

« ما شاء اللَّه كان وما لم يشأ لم يكن » وقوله :

« وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ » وقس عليه سائر صفاته الكمالية .

فعليك بهذه القاعدة الشريفة التي علمنا اللَّه بها من لدنه فإنها عظيم الجدوى في باب التوحيد الخاصي لكن يجب عليك أن تعلم أن هذه القاعدة إنما يجري في الحقايق الكلية والمعاني الكمالية العامة التي يعرض للموجود بما هو موجود ولا مدخل في حدها تخصيص بمادة معينة أو استعداد خاص أو تجسم أو تغير كالإنسانية حيث إنها عبارة عن جوهر مخصوص بنمو واغتذاء وحس وحركة وهو لا محالة مغاير للفلكية والنارية والفرسية وغيرها فلا يمكن أن يكون حقيقة شاملة لكل شيء ويكون إنسانية لكل شيء .

وكالسواد فإنه عرض مخصوص ينفعل عنه البصر الذي هو أيضا قوة مخصوصة في مادة وضعية مخصوصة فلا يمكن أن يكون السواد سوادا لكل شيء . والسر في ذلك أن كل حقيقة من هذه الحقائق المختصة ليست محض تلك الحقيقة بل هي بالضرورة ممتزجة بغيرها من الأعدام والنقائص والمضادات فالإنسان مثلا لا يمكن أن يوجد في الخارج بصرف الإنسانية من غير مخالطة أشياء مباينة له مخالفة لمعناه فلا محالة يتعين في ذاته بأن يكون مباينا لسائر الأنواع وذلك بخلاف الأمور الشاملة كالوجود والعلم والقدرة والحياة وغيرها إذ يمكن أن يكون من أفراد مفهوم الوجود وجود بسيط هو محض حقيقة الوجود من غير أن يكون معه شيء مباين للوجود فيكون لا محالة وجودا لكل شيء لا يعوزه شيء من الأشياء وكذا من أفراد العلم علم هو محض حقيقة العلم لا حيثية له مغايرا للعلم فيكون علما بكل شيء وعلى هذا القياس القدرة والحياة والإرادة .

فإن قلت : مفهوم العلم غير مفهوم القدرة ومفهوماهما غير مفهوم
الإرادة ومفهومات هذه الثلاثة غير مفهوم الحياة فكيف يكون الجميع في حق الواجب تعالى حقيقة واحدة بسيطة لا تغاير فيها .

قلنا : الاختلاف في المفهوم لا ينافي البساطة الحقة لأن قولنا صفات الواجب عين ذاته معناه أن وجوده بعينه وجود هذه المعاني وحيثية ذاته بعينها حيثية سائر الصفات وهي ليست بأمور زائدة من حيث وجودها وحقيقتها على وجود الواجب وحقيقته وليس معناه أن هذه الألفاظ مترادفة لها مفهوم واحد وإلا لم يكن حملها مفيدا . وقول أمير المؤمنين عليه السلام

« كمال التوحيد نفي الصفات عنه » ليس المراد نفي معانيها عن ذاته وإلا يلزم التعطيل وهو كفر فضيح بل معناه نفي كونها صفات زائدة على ذاته بحسب الوجود والحقيقة . فعلى هذا صح قول من قال :

إن صفاته عين ذاته وصح قول من قال : إنها غيره . وصح قول من قال : إنها لا عينه ولا غيره لو علم ما حققناه .
فكن على بصيرة في هذا الأمر ولا تكن من الغافلين .

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...