قال ابن تيمية : إن نقل رأس الحسين إلى الشام لا أصل
له في زمن يزيد . ( رأس الحسين : 207 ، الوصية الكبرى : 53 )
وقال : إن القصة التي يذكرون فيها حمل الرأس يزيد
ونكته في القضيب كذبوا فيها . ( رأس الحسين : 206 )
فهل استند في هذا إلى أخبار الصادقين ؟
إنه يقول : من المعلوم أن الزبير بن بكار ومحمد بن سعد
صاحب الطبقات ونحوهما من المعروف بالعلم والفقه
والاطلاع أعلم بهذا الباب وأصدق في ما ينقلونه من
المجاهيل الكذابين . ( رأس الحسين : 198 )
ويقول : والمصنفون من أهل الحديث في ذلك كالبغوي
وابن أبي الدنيا ونحوهما هم بذلك أعلم وأصدق بلا نزاع
بين أهل العلم . ( رأس الحسين : 206 )
إذن ماذا قال هؤلاء ؟ هل كذبوا بنقل رأس الحسين إلى
الشام ونكت يزيد عليه بالقضيب ؟
إن ابن تيمية لم ينقل عنهم حرفا واحدا في ذلك . .
ولسبب بسيط : وهو أنهم قد أثبتوا ذلك الذي أنكره ابن
تيمية ، أثبتوه بأسانيدهم التي قال عنها ابن تيمية أنها
الأصدق بلا نزاع بين أهل العلم ! ( أنظر ما نقله عنهم أبو الفرج ابن
الجوزي في كتابه ، الرد على المتعصب العنيد ، وما جاء في ترجمة الإمام
الحسين من طبقات محمد بن سعد المنشورة في مجلة ( تراثنا – العدد : 10 )
علما أن هذه الترجمة قد سقطت من كتاب الطبقات ) . وسنذكر بعد
قليل نصا جامعا عنهم .
أما كل ما نقله ابن تيمية عنهم فهو قوله : إن الذين جمعوا
أخبار الحسين ومقتله مثل ابن أبي الدنيا والبغوي وغيرهما ،
لم يذكر أحد منهم أن الرأس قد حمل إلى عسقلان أو
القاهرة ! ! ( رأس الحسين : 197 )
أليس هذا من دواعي السخرية ؟ !
وهل يصدر مثل هذا عمن ينسب إلى العلم وأهل
العلم ؟ !
قال ابن تيمية : ويزيد لم يسب للحسين حريما ، بل
أكرم أهل بيته ! ( منهاج السنة 2 : 226 )
وقال : ولا سبى أهل
البيت أحد ، ولا سبي منهن أحد . ( رأس الحسين : 208 )
فهل اعتمد في كلامه هذا على نقل من أحد سواء كان
من الثقات أو من غيرهم ؟
كلا أبدا ، إنما أطلقها حمية ليزيد . .
أما أصحاب التاريخ فقد أجمعوا على صحة هذا الذي
كذب به ابن تيمية ، وهذه عبارة ابن أبي الدنيا ومحمد بن
سعد صاحب الطبقات اللذين صرح ابن تيمية بصحة ما نقلا
من أحداث مقتل الحسين ( ع ) :
قال ابن أبي الدنيا ومحمد بن سعد – بعد أن ذكرا قتل
الحسين وانتهابهم ثيابه وسيفه وعمامته – ما نصه : ” وأخذ
آخر ملحفة فاطمة بنت الحسين ، وأخذ آخر حليها . .
وبعث عمر بن سعد برأس الحسين إلى عبيد الله بن
زياد ، وحمل النساء والصبيان ، فلما مروا بالقتلى صاحب
زينب بنت علي : يا محمداه ! هذا حسين بالعراء مرمل
بالدماء ، مقطع الأعضاء . . يا محمداه ! وبناتك سبايا . .
وذريتك قتلى تسفي عليها الصبا !
فما بقي صديق ولا عدو إلا بكى . .
قالا : ثم دعا ابن زياد زحر بن قيس فبعث معه برأس
الحسين ورؤوس أصحابه إلى يزيد . وجاء رسول من قبل
يزيد فأمر عبيد الله بن زياد أن يرسل إليه بثقل الحسين ومن
بقي من أهله . .
قالا : ثم دعا يزيد بعلي بن الحسين والصبيان والنساء
وقد أوثقوا بالحبال فادخلوا عليه ، فقال علي بن الحسين :
يا يزيد ، ما ظنك برسول الله ( ص ) لو رآنا مقرنين
بالحبال ؟ ! . .
ودعا بالنساء والصبيان فاجلسوا بين يديه ، فقام رجل
من أهل الشام فقال : يا أمير المؤمنين هب لي هذه – يعني
فاطمة بنت الحسين – ! ! – فأرعدت وظنت أنهم يفعلون
فأخذت بثياب عمتها زينب . فقالت زينب : كذبت والله ما
ذلك لك ولا له .
فغضب يزيد لذلك وقال : كذبت ، إن ذلك لي لو شئت
لفعلته ! !
قالت : كلا والله ما جعل الله عز وجل ذلك إلا أن
تخرج من ملتنا أو تدين بغير ديننا .
ثم بعث بهم يزيد إلى المدينة ” . ( الرد على المتعصب العنيد :
49 – 50 ، ترجمة الإمام الحسين من الطبقات الكبرى لابن سعد : مجلة تراثنا
عدد 10 ص 192 )
وهذا متفق عليه عند أصحاب التاريخ ولم يشذ فيه
أحد . ( راجع تاريخ الطبري والكامل في التاريخ والبداية والنهاية )
أرأيت هذا الذي ضيع الأمانة في نقل حقائق تواتر نقلها
وأجمع عليها أهل الحديث والسير ، اتباعا للهوى
والعصبية ، أيكون مؤتمنا على الدين ؟ !