الوقت- طفل سوداني نجا من حرب دارفور، لكنه وجد نفسه مضطراً بعدما سلبته الحرب عائلة ومنزلاً وماشية، لقبول عرض مادي قدمته السعودية عام 2016، قوامه 10 آلاف دولار أمريكي، مقابل القتال على بعد 1200 ميل في اليمن.
أحمد واحد من أطفال سودانيين، جندتهم السعودية على جبهات القتال في اليمن، بحسب تقرير سلّط الضوء على قصصهم، لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، نشرته الجمعة.
تشير الصحيفة، إلى أنّ السعودية بقيادة وليّ العهد محمد بن سلمان، تحارب في اليمن لكن للقيام بذلك، تستخدم ثروتها النفطية الهائلة لإمداد الحرب بمقاتلين، من خلال توظيف من يصفهم جنود سودانيون، “عشرات الآلاف من الناجين اليائسين” من الصراع في دارفور بجبهات القتال، العديد منهم هم من الأطفال.
وتنقل الصحيفة عن عدد من المقاتلين السودانيين الذين عادوا إلى بلادهم، ومشرعين سودانيين، أنه خلال نحو أربع سنوات، تم تجنيد ما يقرب من 14 ألفاً من أفراد المليشيات السودانية في اليمن، المئات منهم على الأقل قُتلوا هناك.
أغلب جميع المقاتلين السودانيين، بحسب الصحيفة، جاؤوا من منطقة دارفور التي تعاني من الحروب والفاقة، والتي قُتل فيها نحو 300 ألف شخص، ونزح 1.2 مليون خلال أكثر من عشر سنوات من النزاع.
وذكرت الصحيفة، أنّ معظم هؤلاء المقاتلين كانوا ضمن مليشيا قبلية تُعرف باسم” الجنجويد” تلاحقها اتهامات بارتكاب جرائم حرب في دارفور، ولا سيما تهم باغتصاب النساء والفتيات بصورة منهجية، والقتل العشوائي، وغير ذلك.
ولفتت الصحيفة، إلى أنّ بعض العائلات تسعى للحصول على المال، وتقوم أحياناً برشوة ضباط المليشيات للسماح لأبنائهم بالقتال معها، وكثيرون من هؤلاء الأبناء تتراوح أعمارهم بين 14 و17 سنة.
وفي مقابلات أجرتها معهم “نيويورك تايمز”، قال خمسة مقاتلين سودانيين عادوا من اليمن، وآخر على وشك العودة، إنّ الأطفال يشكّلون 20٪ على الأقل من وحداتهم، فيما قال اثنان آخران إن نسبة الأطفال المقاتلين تصل إلى أكثر من 40%.
تحت مراقبة سعوديين وإماراتيين
وأشارت الصحيفة، نقلاً عن مقاتلين سودانيين كانوا بالجبهات، إلى أنّ مراقبين سعوديين وإماراتيين، كانوا يوجهونهم عن بعد، ويأمرونهم بالهجوم أو التراجع من خلال سماعات الرأس وأنظمة “GPS” المقدمة إلى الضباط السودانيين المسؤولين عن كل وحدة.
يقول محمد سليمان فاضل (28 عاماً)، وهو مقاتل من قبيلة بني حسين، عاد من اليمن في نهاية العام الماضي، لـ”نيويورك تايمز”: “كان السعوديون يخبروننا ماذا نفعل من خلال الهواتف والأجهزة. لم يقاتلوا معنا أبداً”.
من جهته، قال أحمد (25 عاماً)، وهو من قبيلة أولاد زيد التي قاتلت بالقرب من الحديدة هذا العام، الذي طلب عدم نشر اسمه بالكامل خوفاً من رد الحكومة عليه، للصحيفة: “كان السعوديون يقومون بمكالمة هاتفية ثم ينسحبون، كانوا يعاملون السودانيين مثل الحطب لإشعال النار”.
ولفتت الصحيفة إلى أنّ “القوات البرية السودانية، سهّلت على السعوديين والإماراتيين تمديد الحرب”، مشيرة إلى أنّ السودانيين قللوا من إصابات السعوديين والإماراتيين، التي كانت لتثير غضب العائلات في الداخل.
وأوضحت أنه “كان يتم نشر السودانيين، في بعض الأحيان، للدفاع عن أجنحة المليشيات اليمنية الذين يقودون الهجمات”، في حين يقول مقاتلون سودانيون إنّهم كانوا بمثابة العائق الرئيسي في وجه الحوثيين.
وفي هذا الإطار يقول فاضل لـ”نيويورك تايمز”: “لولا وجودنا، لاستولى الحوثيون على كل السعودية، بما في ذلك مكة المكرمة”.
ورفض السفير بابكر الصديق الأمين، المتحدث باسم وزارة الخارجية السودانية، التعليق للصحيفة، على حجم القوات والخسائر أو رواتبها في اليمن، وقال إنّ السودان يقاتل “لمصلحة السلام والاستقرار الإقليميين”.
أسلحة أمريكية
تنقل “نيويورك تايمز” عن المقاتلين الخمسة الذين عادوا من اليمن، واثنين من أشقاء المقاتلين الذين لقوا حتفهم هناك، أنّ طائرات سودانية حملت ما بين ألفين وثلاثة آلاف جندي من الخرطوم أو نيالا بدارفور إلى السعودية، وتم تسليمهم إلى مخيمات داخل السعودية، حيث قال البعض إنّهم رأوا تجمّعاً ضمّ نحو 8 آلاف سوداني.
قدّم السعوديون لهؤلاء، بحسب الصحيفة، زيّاً عسكرياً وأسلحة، يعتقد المقاتلون السودانيون أنها أمريكية الصنع، ثم تولّى الضباط السعوديون تدريبهم خلال فترة من أسبوعين إلى أربعة أسابيع، تضمّنت تعليمات حول كيفية التجمّع وتنظيف الأسلحة.
وأشارت إلى أنّ المقاتلين السودانيين تم توزيعهم على وحدات من 500 إلى 750 مقاتلاً، ثم نقلوا إلى اليمن، للقتال في معارك داخل صحراء ميدي، أو مخيم خالد بن الوليد في تعز، أو حول عدن والحديدة.
وقال عبد الرحيم، وهو من قبيلة الرزيقات (32 عاماً)، رفض الكشف عن اسمه بالكامل، للصحيفة: إنّ أسرته دفعت العام الماضي رشوة لرئيس مليشيا محلي، تبلغ قيمتها 1360 دولاراً، حتى يتمكّن شقيقه الأكبر عبد الرحمن، من الذهاب للقتال في اليمن برتبة ضابط.
وقد لقي عبد الرحمن حتفه خلال القتال في فبراير/ شباط 2018، بحسب ما يذكر عبد الرحيم للصحيفة، خاتماً بالقول “الحياة… هكذا”.