الرئيسية / القرآن الكريم / المرأة في القرآن والسنة – الإشكالات والاعتراضات

المرأة في القرآن والسنة – الإشكالات والاعتراضات

لقد اهتمّ الإسلام العزيز بالمرأة أيّما اهتمام، إلى الحدّ الّذي أنزلت سورة طويلة مسمّاة باسم “النساء” في القرآن الكريم. وهذا يدلّ على خطورة وأهمّية العنصر النسائي في المجتمع الإنساني، وعلى اهتمام الإسلام بهذا العنصر، إلّا أنّ التاريخ والحاضر قد ظلمها، ولم يلتفت إلى خطورة دورها، فأنقص حقوقها وهدرها. ونحن ذاكرون بعض حقوق المرأة العامّة في الإسلام، عسى أن يكون ذلك دافعاً لردّ بعض الشبهات الّتي قد تعتري بعض الناس حول وضع المرأة في الإسلام.

 

الغريزة الجنسيّة تتمتّع بخصائص كلا القسمين، فجسميّاً هي من القسم الأوّل، لكنّها بوصفها ميلاً نفسيّاً بين الجنسين ليست كذلك، ولأجل إيضاح هذه الفكرة نُقدِّم بين يدي قرّائنا الكرام المقارنة التالية:
كلُّ بلد يحتاج إلى حدٍّ معيّن من الطعام، مثلاً: إذا كان تعداد سكان البلاد عشرين مليوناً فسوف يكون مقدار الطعام الّذي يحتاجونه محدّداً حسب تعدادهم، لا ينقص وإذا زاد فهو زائد عن الحاجة.
فإذا استفهمنا: ما هو مقدار الطعام الذي يحتاجه هذا البلد؟ يأتي الجواب مقداراً محدّداً. ولكنْ إذا استفهمنا عن المقدار الّذي يحتاجه البلد من الثروة بالنظر لطلب أبناء البلد للمال، يعني: ما هو المقدار اللازم من المال لإشباع رغبة وميل أبناء الشعب للمال، بحيث إذا دفعنا لهم مالاً، يقولون: شبعنا، ولا رغبة لنا، لا نستطيع تناوله؟ الجواب هو: إنّ الطلب لا حدّ له.

وحبُّ العلم لدى الأفراد يُشبه حبَّ المال من هذه الناحية. فقد جاء في حديثٍ عن النبي صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال: “منهومان لا يشبعان طالب علم وطالب مال”. وحبُّ الجاه مصداق لهذه الناحية أيضاً، فقابليّة البشر في طلب المقام والجاه لا نهاية لها، فكلّما حصل الإنسان على مقام رفيع فهو يطلب ويرغب في المقام الأعلى والأرقى.

أمّا الغريزة الجنسيّة فلها جانبان: الجانب الجسميّ، والجانب الروحيّ. فمِنَ الناحية الجسميّة هي محدودة، حيث إنّ حاجة الرجل العضويّة يُمكن أنْ تُشبع بامرأة واحدة أو امرأتين. أمّا من حيث طلب التنوّع والشوق النفسيّ، فالمسألة ذات شكل آخر.

الشكل الآخر من العطش الروحيّ، وهو ما يبرز على صورة جشع وحرص، حيث يرتبط بطلب الملكيّة، أو طلب الملكيّة ممزوجاً بالشهوة الجنسيّة. وهذه الحالة هي عين ما يحصل لدى أصحاب الحريم قديماً، وما يوجد لدى الأثرياء وغيرهم حديثاً. وهذا الشكل من العطش يميل إلى التنوّع، فبعد أنْ يشبع صاحبه من واحدة، يلتفت إلى الأخرى، فهو في نفس الوقت الذي يتوفّر فيه على عشرات النساء، تأسره العشرات الأخريات. وهذا اللون من العطش ينمو في ظروف التحلُّل الجنسيّ وحريّة الاختلاط. وقد أطلقنا على هذا اللون من العطش “الهوس”. وكما أشرنا: فالعشق عميق، تتمركز فيه القوى، ويُثري قوّة الخيال، ووحدة المحبوب. أمّا الهوس، فهو سطحيٌّ ضائع، مشتِّت للقوى، ويميل إلى التعدُّد.

هذا اللون من العطش الذي أسميناه “الهوس” لا يشبع. فإذا سقط رجل في هذا الطريق، وافترضنا أنّه امتلك من النساء الحسناوات بعدد ما كان في حريم هارون الرشيد وخسرو برويز، بحيث لا يأتي دور بعضهنّ خلال السنة الكاملة، وسمع أنّ حسناء أخرى في أقصى الأرض فسوف يطلبها، ولا يقول: كفى، لقد شبعت. فهو كجهنّم،﴿يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلاَتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍٍ﴾ .
فالإشباع في مثل هذه الحالات أمرٌ غير ممكن، وإذا أراد شخص أنْ يرد هذا السبيل فهو يُشبه تماماً من يُريد أنْ يُشبع النار بالحطب.
وبشكلٍ عامّ، فالطبيعة الإنسانيّة غير محدودة في مطالبها الروحيّة. فالإنسان، روحاً، طالب لا نهاية لطلبه. وحينما تختلط المطالب الروحيّة بمسير الأمور الماديّة فلا نصل عندئذٍ إلى نهاية، فكلّما بلغنا مرحلةً، يطلب الإنسان الوصول الى مرحلة أخرى.
لقد أخطأ الذين حسبوا أنّ طغيان النفس الأمّارة وهيجان الإحساسات الشهوانيّة معلول فقط للحرمان والعقد الناشئة عنه. فكما أنّ الحرمان سبب لإضرام نار الشهوات، كذلك اتّباعها والتسليم المطلق لها سبب إضرام نار الشهوات. فأمثال “فرويد” قرأوا وجهاً واحداً من العُمْلَة، وأغفلوا الآخر.

يقول البوصيري في قصيدته المشهورة “نهج البردة”
النفس كالطفل إنْ تُهمله شبَّ على حبِّ الرضاع وإنْ تفطمه ينفطمِ

ويقول الآخر
النفس راغبة إذا رغّبتها وإذا تُردّ إلى قليل تقنع

يكمن خطأ “فرويد” وأمثاله في أنّهم حسبوا أنّ سبيل تهدئة الغرائز هو إشباعها بلا حدٍّ ولا قيد. فقد التفت هؤلاء إلى المنع والحرمان وآثاره السلبيّة فقط، فادّعوا أنّ تقييد الغريزة وحجزها يؤدّي إلى العصيان والانحراف والثورة. فقدّموا حلّهم لأجل تهدئة هذه الغريزة، وذلك بالذهاب إلى ضرورة إعطاء هذه الغريزة حريّة مطلقة، دون منع المرأة من أيّة زينة، والرجل من الاختلاط مع أيّة امرأة.

إنّ هؤلاء لم يلتفتوا – بحكم ملاحظتهم المسألة من جانبٍ واحد – إلى أنّه: كما أنّ الحرمان يقمع الغريزة، ويولّد العقد النفسيّة، فإطلاق الغريزة والتسليم لها، وتركها في عالم المثيرات، يُجنّنها ويهيّجها، وحيث تستحيل الاستجابة لكلِّ مطلب من كلِّ فرد، بل تستحيل الاستجابة لكلِّ مطالب الإنسان الواحد – طول حياته – فسوف تُقمع الغريزة حينئذٍ بشكلٍ أسوأ، وتتولّد العقد النفسيّة.
نحن نعتقد أنّ هناك أمرين لازمين لتهدئة الغريزة: أحدهما إرضاء الغريزة في حدود الحاجة الطبيعيّة، والآخر الحيلولة دون تهييجها وإثارتها.
فحاجات الإنسان الطبيعيّة تُشبه بئر النفط، حيث إنّ تراكم الغازات وتجمّعها داخل البئر يؤذن بخطر انفجارها، وحينئذٍ لا بُدّ من تفريغ الغازات وإشعالها، لكن شعلة الغاز لا يُمكن إشباعها بإطعامها الحطب الكثير.

فحينما يُهيّئ المجتمع أسباب إثارة الغريزة السمعيّة والبصريّة واللمسيّة، لا يُمكنه بإرضاء الغريزة أنْ يُسكت ثورة المجنون. إذ يستحيل إيجاد الرضا والسكينة بهذا الأسلوب. بل يزيد في اضطراب وإحباط الغريزة مضافاً إلى زيادة آلاف الآثار النفسيّة السلبيّة الّتي تنشأ عن الإحباط.إنّ إثارة وتهييج الغريزة الجنسيّة بشكله غير المعقول يؤدّي إلى نتائج وخيمة أخرى، نظير البلوغ المبكر، والشيخوخة المبكرة، وانحلال القوى.
أمّا ما يُقال من “أنّ الإنسان حريص على ما مُنع منه” ففكرة سليمة، لكنّها بحاجة إلى إيضاح. إنّ الإنسان يحرص على شيء مُنع منه، وأُثير باتّجاهه أيضاً، فيحصل لديه تمنّي ذلك الشيء ويُمنع منه بعد ذلك. أمّا إذا لم يُثر باتّجاه شيء، فرغبته وحرصه على ذلك الشيء سوف تنقص وتقلّ.

إنّ صاحب النظريّة الجنسيّة “فرويد” نفسه التفت إلى أنّه بالغ في الموضوع. ولذا اقترح تحويل سبيل التنفيس عن هذه الغريزة عن طريق الفنّ والعلم وغيرهما من الفعاليّات، إذ أثبتت التجربة أنّ رفع القيود الاجتماعيّة رفع معه نسبة الأمراض والآثار النفسيّة السلبيّة لغريزة الجنس.ولكنّني لا أدري كيف يُحوّل “فرويد” سبيل ومجرى الغريزة الجنسيّة، فهل هناك طريق غير التحديد؟

كان يشيع بعض الجهلة في الماضي أنّ الانحراف الجنسيّ “اللواط”ينتشر بين الشرقيّين فقط، وعلّة ذلك هو عدم إمكانيّة الحصول على المرأة على أثر القيود الاجتماعيّة والحجاب. ولكنْ لم يطل الزمن حتى اتّضح أنّ انتشار هذه الممارسة المنحطّة بين الأوروبيّين يزيد مئة مرة على انتشاره بين الشرقيّين.

نحن لا نُنكر أنّ عدم الحصول على المرأة يؤدّي إلى الانحراف، ولا بُدَّ من تيسير مستلزمات الزواج الشرعيّ. ولكنْ – وبلا شك – التبرُّج وسفور المرأة وحريّة الاختلاط تؤدّي إلى الانحراف الجنسيّ أكثر ممّا يؤدّي إليه الحرمان بمراتب.

إذا كان الحرمان باعثاً على الانحراف الجنسيّ “اللواط” في الشرق، فإنّ هيجان الشهوة في أوروبا أدّى إلى هذا الانحراف. فقد أضحى “اللواط” عملاً قانونيّاً في بعض الدول – كما قرأنا خبراً عن ذلك في بعض الصحف – وقيل: بُحكم أنّ الشعب الانجليزيّ وافق عمليّاً على هذه الممارسة، تلزم السلطة التشريعيّة الموافقة عليه. أي أنّه حصل استفتاء قهريّ على هذا العمل.
والأنكى من ذلك، قرأت في مجلّة، أنّ البنين يتزوّج بعضهم بعضاً في بعض البلدان الأوروبيّة.
ولم يكن المحرومون في الشرق سبباً لشيوع “اللواط” بمقدار ما أشاعه أصحاب الحريم. فقد انطلق هذا الانحراف من بلاطات الملوك والسلاطين.

* الحجاب, سلسلة تراثيات إسلامية, نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

1- علس: تأتي بمعنى أكلَ.

شاهد أيضاً

[ يا أَيُّها الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الْبَطَلُ ] – قصيدةٌ من ديوان السّباعيّ الذّهبيّ في الشّعر العربيّ

[ يا أَيُّها الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الْبَطَلُ ] – قصيدةٌ من ديوان السّباعيّ الذّهبيّ في الشّعر ...