مواعظ شافية

مسؤوليّة حتّى آخر العمر

لا بدّ من التأكيد على المسؤوليّة تجاه الوالدين، وبالأخصّ عندما يعجزان وتنطوي سِنيّ شبابهما. فعندما يكبران في السنِّ تصبح المسؤوليّة أكبر، بل إنّ استمراريّة هذه المسؤوليّة تتأكّد حتّى بعد وفاتهما، من خلال التصدّق عنهما بالمال وإهدائهما ثواب العمل الصالح، أو على الأقلّ بالدعاء لهما بالرحمة، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾14.

جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال له: أوصني، يا رسول الله.

فمن جملة الوصيّة قال له الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: “ووالديك فأطعهما وبِرَّهما حيَّيْن كانا أو ميتين”15.

وفي الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام: “ما يمنع الرجل منكم أن يبرَّ والديه حيَّيْن وميتين، يصلّي عنهما، ويتصدّق ويصوم ويحجّ عنهما، فيكون الّذي صنع لهما، وله مثل ذلك فيزيده الله ببرّه وصلته أجراً كثيراً”16. فالأب والأمّ هما نعمة، حيَّيْن أو ميّتيْن.

3- حقّ أمّك وحقّ أبيك

لقد أكّد الدِّين الإسلاميّ على مقام الوالدين، خصوصاً الأمّ الّتي أُعطيت مكانة مميّزة. فعن الإمام زين العابدين عليه السلام ، في رسالة الحقوق: “أمّا حقُّ أبيك فأن تعلم أنّه أصلك، وأنّك لولاه لم تكن، فمهما رأيت في نفسك ممّا يعجبك، فاعلم أنّ أباك أصلُ النعمة عليك فيه، فاحمد الله واشكره على ذلك، ولا قوّة إلّا بالله”.

“أمّا حقّ أُمّك فأن تعلم أنّها حملتك حيث لا يحتمل أحد أحداً، وأعطتك من ثمرة قلبها ما لا يُعطي أحد أحداً، ووقتْك بجميع جوارحها ولم تُبالِ أن تجوع

________________________________________
14- سورة الإسراء، الآية:24.
15- الكافي، الشيخ الكليني، ج 2، ص 158.
16- م. ن، ص 159.
.
وتُطعمك وتعطش وتسقيك، وتعرى وتكسوك، وتضحى وتُظللك، وتهجر النوم لأجلك، ووقتك الحرّ والبرد لتكون لها، وأنّك لا تطيق شكرها إلّا بعون الله وتوفيقه”17. وقد روي ما مضمونه أنّ شخصاً حمل والدته على كتفيه وراح يطوف بها الكعبة، وعندما رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم سأله: هل أدَّيت حقَّها، يا رسول الله؟

فقال له النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: “لا ولا بزفرة واحدة”18، ويقصد بالزفرة الواحدة الوجعة الواحدة، أو الطلقة الواحدة ، الّتي تغشى الأمّ حين الولادة والوضع.

ومن الأحاديث المعروفة في حقّ الأمّ: “الجنّة تحت أقدام الأمهات..”19. و “أُمُّك ثمّ أُمُّك، ثمّ أبوك”20.

كما ورد أنّه جاء عن النبيّ موسى بن عمران عليه السلام: قال: “يا ربّ، أوصني. قال: أُوصيك بأُمِّك. قال: أوصني. قال: أُوصيك بأُمِّك. قال: أوصني. قال: أُوصيك بأُمِّك. قال: أوصني. قال: أُوصيك بأبيك”21.

وسأل أحدهم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عن حقّ الوالدين على ولدهما فقال صلى الله عليه وآله وسلم: “هما جنَّتُك ونارُك”22.

كيفيّة برّ الوالدين

تأسيساً على هذا الفهم على مستوى الآيات والروايات، نخلص إلى أنَّ ما هو مطلوب من الأبناء تجاه الوالدين أمور عديدة أهمّها:

1ـ الحدّ الأدنى عدم إيذائهما وهذا أضعف الإيمان. ﴿َلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ﴾23. ولو

________________________________________
17- الأمالي، الشيخ الصدوق، ص 453.
18- شرح رسالة الحقوق، حسن القبانجي، ص 547.
19- جامع أحاديث الشيعة، السيد البروجردي، ج 21، ص 428.
20- بحار الأنوار، المجلسي، ج 71، ص 49.
21- الأمالي، الشيخ الصدوق، ص 601.
22- ميزان الحكمة، الريشهري، ج 4، ص 3674.
23- سورة الإسراء، الآية: 23.

شاهد أيضاً

مواعظ شافية

قالوا إنّ فتى من بني إسرائيل كان بارّاً بأبيه، وإنّه اشترى بيعا، فجاؤوا إلى أبيه ...