الرئيسية / الاسلام والحياة / المرأة والأسرة في فكر الإمام الخامنئي

المرأة والأسرة في فكر الإمام الخامنئي

 

  • الفصل الأول: نساء رساليات

  • الفصل الثاني: النموذج النسائيّ المعاصر

 

الفصل الأول:

نساء رساليات

 

 

النقاط المحوريّة

 

 

  • كيفية اتّخاذ القدوة.

  • السيدة مريم عليها السلام والسيدة آسيةعليها السلام: مثلان للذين آمنوا.

  • السيدة الزهراء عليها السلام: أسوة المرأة المسلمة.

  • بين يوم المرأة وولادة السيدة الزهراءعليها السلام.

  • زينبعليها السلام ودورها التاريخي في كربلاء.

  • زينبعليها السلام، قدوة الرجال والنساء.

  • السيدة زينب الكبرى عليها السلام وقوّة بيانها.

الفصل الأول: نساء رساليّات

 

كيفية اتّخاذ القدوة[1]

أُبيّن لكنّ[2] أولاً أنّ القدوة يجب أن لا يُعرّف ويُقدّم لنا كقدوة ويقال لنا هذا قدوتكم، فمثل هذا الاقتداء تعاقديّ ومفروض وخالٍ من الجاذبية. فنحن الذين يجب أن نختار قدوتنا بأنفسنا. أي أن ننظر في أُفق رؤانا ومعتقداتنا الحقّة ونلاحظ الصورة التي نرتضيها لأنفسها من بين تلك الصور. هكذا تصبح تلك الصورة وتلك الشخصية قدوة لنا. ولا أعتقد بوجود صعوبة في حصول الشابّ المسلم وخاصة الشابّ المطّلع على حياة الأئمّة وأهل البيت في صدر الإسلام، على قدوة له. الأشخاص القدوة ليسوا قليلين.

 

أنتِ سيدة تعيشين في عصر طغى عليه التطوّر العلميّ والصناعيّ والتقنيّ وعالمٍ رحب وحضارة مادية زاخرة بمختلف المظاهر الجديدة، فما هي الخصائص التي يتحقّق فيها معنى الاقتداء بشخصية سبقك عهدها بألف وأربعمائة سنة مثلاً؟ هل تتوقّعين في القدوة التي تتأسّين بها أن يكون لها وضع كوضعك تقتفين أثره في حياتك

الحالية وتفترضين على سبيل المثال كيف كانت تذهب إلى الجامعة، أو كيف كانت تفكر في القضايا العالمية، أو ما شابه ذلك؟

 

كلّا، ليس الأمر كذلك، والأمور المطلوبة التي يُقتدى بها ليست هذه. بل هناك في شخصية كلّ إنسان خصائص أصيلة يجب تحديدها أوّلاً، ثمّ ينظر إلى القدوة في ضوء تلك الخصائص والميزات. لنفرض على سبيل المثال كيفية التعامل مع وقائع الحياة اليومية المحيطة بالإنسان. فقد تكون هذه الوقائع متعلّقة تارة بعصر انتشار المترو والقطار والطائرة النفاثة والحاسوب، وقد تكون تارة أُخرى متعلّقة بعهد لا وجود لمثل هذه الأشياء فيه. إلّا أنّ الإنسان لا بدّ من أن يواجه وقائع وأحداث الحياة اليومية، وبإمكانه التعامل معها على نحوين متفاوتين ـ من دون فرق بين العصرين.ـ فهو إمّا أن يتعامل معها تعاملاً مسؤولاً، وإمّا أن يقف منها موقفاً غير مبالٍ.

 

ويتفرّع التعامل المسؤول بدوره إلى عدّة أنواع وأقسام، فبأية روحية وبأية نظرة مستقبلية يكون التعامل؟

 

فالإنسان يجب أن يبحث عن تلك الخطوط العريضة والأساسية في الشخصية التي يتّخذها قدوة له، من أجل اتّباعها والسير على خطاها.

 

السيدة مريم عليها السلام والسيدة آسية عليها السلام مثلان للذين آمنوا

لقد أجريت الكثير من الأبحاث حول الرؤية الإسلامية للمرأة. ونحن أيضاً تحدّثنا في المسألة مرّات عدّة. وذكرت أّنّ المرأة قد عُرضت في القرآن كنموذجٍ للإنسان المؤمن والمَرْضيّ عند الله، وكنموذج

للإنسان الكافر المطرود من جنب الله، وهذا أمرٌ ملفتٌ. فالقرآن عندما يريد أن يذكر نموذجاً للإنسان الصالح والإنسان السيئ فإنّه يختار لهما من النساء: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ[3], فهاتان المرأتان هما بحسب القرآن مثل أيّ نموذج ومظهر للمرأة السيئة، زوجة نوح وزوجة لوط، وبالمقابل ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ﴾[4], كنموذج للمرأة الصالحة والسامية والمؤمنة، فيذكر الاثنين، إحداهما زوجة فرعون والأخرى مريم ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا[5], والملفت أنّ كلاً من هؤلاء النساء الأربع صلاحهنّ وسوءهنّ مرتبط بالأسرة. ففي مورد المرأتين السيئتين امرأة نوح وامرأة لوط يقول تعالى: ﴿كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا﴾[6]. فالقضية هي قضية الأسرة. وموضوع المرأتين الأخريين يتعلّق بالأسرة، الأولى زوجة فرعون قيمتها وأهميتها أنّها قد ربّت في حضنها نبياً من أولي العزم، موسى كليم الله وآمنت به وساندته لهذا انتقم فرعون منها. القضية قضية داخل الأسرة مع هذا التأثير والشعاع العظيم للعمل الذي قامت به، حيث ربّت شخصاً كموسى. وبشأن مريم الأمر كذلك: التي أحصنت فرجها فحفظت شأنيّتها وعفّتها. وهذا يدلّ على وجود عوامل متعدّدة

في البيئة الاجتماعيّة لمريم عليها السلام كان من الممكن أن تهدّد عفّة وشرف امرأة عفيفة، وقد استطاعت أن تواجهها[7].

 

هذا هو الامتياز الذي أعطاه الله تعالى للمرأة. لهذا يضرب في القرآن مثلاً للإيمان ـ ليس نموذجاً لإيمان النساء، بل هو نموذج لإيمان كلّ الناس نساء ورجالاً ـ امرأتين: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ﴾، ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ﴾ فهاتان إشارتان ودلالتان على منطق الإسلام[8].

 

السيدة الزهراء عليها السلام أسوة المرأة المسلمة[9]

أذكر بضع كلمات حول الزهراء عليها السلام، ولعلّ هذه الكلمات يمكن تعميمها في شأن الأئمّة والأكابر، ويمكن لكم التأمل في هذا المعنى:

1- الزهراء عليها السلام: أمّ أبيها:

لاحظوا أنّ الزهراء عليها السلام كانت في السادسة أو في السابعة من عمرهاـ والتردّد لاختلاف الأخبار في تاريخ ولادتها ـ حينما وقع حصار شعب أبي طالب. وقد مرّت في الشعب على المسلمين فترة عصيبة من تاريخ صدر الإسلام. فبعدما أعلن الرسول دعوته في مكّة بدأ أهالي

مكّة يستجيبون له وخاصّة الشباب منهم والعبيد. أما أكابر الطواغيت من أمثال أبي لهب وأبي جهل فرأوا أنهم لا سبيل أمامهم سوى إخراج الرسول وأصحابه من مكّة. وهكذا أخرجوهم وكان عددهم قد بلغ عشرات العوائل.. وفيهم الرسول وأهل بيته وأبو طالب الذي كان من أكابر قريش ووجوهها.

 

كان لأبي طالب شِعب – والشِّعب هو الشقّ بين جبلين – على مقربة من مكّة يُسمّى بشعب أبي طالب، عزموا على الذهاب إليه مع ما يتّسم به جوّ تلك المنطقة من حرّ شديد في النهار وبرد قارس في الليل. أي إنّ الظروف كانت صعبة لا تُطاق، إلّا أنّهم مكثوا ثلاث سنين في ذلك الشعب القاحل وتحمّلوا الجوع وتجرّعوا الشدائد والمحن. وكانت تلك الفترة من الفترات العسيرة التي مرّت في حياة الرسول الذي لم تنحصر مسؤوليته حينذاك في قيادة تلك المجموعة وإدارة شؤونها، بل كان ينبغي له أيضاً الدفاع عن موقفه أمام أصحابه الذين وقعوا في تلك المحنة. فأنتم على بيّنة أنّ الجماعة الملتفّة حول القيادة، تبدي ارتياحها ورضاها في حال الرخاء، وتعبّر عن امتنانها. ولكن حينما يعرّضون للبلاء أو يقعون في محنة يبدأ الشك يتسرّب إلى نفوسهم ويلقون على تلك القيادة مسؤولية قيادتهم إلى ذلك المآل الذي لم يكونوا راغبين في الوقوع فيه أبداً.

 

من الطبيعيّ أنّ أصحاب الإيمان الراسخ يصمدون ويصبرون في مثل هذه الظروف، إلّا أنّ جميع الضغوط تصبّ في نهاية المطاف على كاهل الرسول. وفي تلك الظروف العصيبة والضغوط النفسية

الشديدة التي كان يواجهها رسول اللّه توفّي في أسبوع واحد كلّ من أبي طالب الذي كان أكبر عون وأمل له، وخديجة الكبرى التي كانت خير سند روحيّ ونفسيّ له، فكانت حادثة مريرة بقي الرسول على أثرها وحيداً فريداً.

 

لا أدري إن كان فيكم مَن تصدّى لرئاسة فريق عمل وعرف معنى المسؤولية. في مثل تلك الظروف يُغلب الإنسان على أمره. ولكن لاحظوا دور فاطمة الزهراءعليها السلام في مثل تلك الظروف، وموقفها الايجابيّ، حيث كانت فاطمة في تلك الظروف بمثابة الأمّ والمستشار والممرّضة بالنسبة للرسول. ومن هنا أُطلق عليها “أُم أبيها”. وهذه الصفة تتعلّق بتلك الفترة التي تكون فيها صبية عمرها ست أو سبع سنوات على هذا النحو. ومن الطبيعيّ أنّ الفتاة في الأجواء العربية والأجواء الحارّة تنمو بشكل أسرع روحاً وجسماً بما يعادل نموّ فتاة تبلغ العاشرة أو الثانية عشرة في وقتنا الحاضر. فتكون على هذه الدرجة من الشعور بالمسؤولية.

 

ألا يمكن لمثل هذه الفتاة أن تكون قدوة للفتيات ليصبح لديهنّ شعور مبكر بالمسؤولية إزاء القضايا المحيطة بهنّ، ويتفاعلن معها بنشاط؟ كان وجه فاطمة ينشرح بوجه أبيها وتنشط قواها وهي تزيل بمنديل العطف والحنان غبار الهمّ والحزن عن وجه أبيها الذي تجاوز حينذاك الخمسين من عمره الشريف ودخل في سنّ الشيخوخة تقريباً، قبل أن تزيله بيدها. ألا يمكن لهذه الفتاة أن تكون قدوة للشابات؟ هذه قضية ذات أهمّية بالغة طبعاً.

[1] خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة أسبوع الشباب في الجمهورية الإسلامية, في طهران، بحضور جمع من الشباب من مختلف الشرائح الاجتماعيّة، بتاريخ 11/01/1419ه.ق.

[2] نص الإمام الخامنئي دام ظله إجابة عن سؤال إحدى الطالبات الجامعيات وهو:كيف يمكننا الاقتداء بحياة السيدة الزهراء عليها السلام؟

[3] سورة التحريم، الآية 10.

[4] سورة التحريم، الآية 11.

[5] سورة التحريم، الآية 12.

[6] سورة التحريم، الآية 10.

[7] خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ولادة بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة الزهراء عليها السلام، في طهران، بحضور جمع من السيدات، بتاريخ 22/05/2011م.

[8] خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ذكرى ولادة السيدة زينب عليها السلام ويوم الممرضة، في طهران، بحضور جمع غفير من الممرضات النموذجيات، بتاريخ 21/04/2010م.

[9] الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة أسبوع الشباب في الجمهورية الإسلامية، في طهران، بحضور جمع من الشباب من مختلف الشرائح الاجتماعيّة، بتاريخ 11/01/1419ه.ق.

شاهد أيضاً

ميزان الحكمة أخلاقي، عقائدي، اجتماعي سياسي، اقتصادي، أدبي – محمد الري شهري

المصلين (1). وقد عرف حقها من طرقها (2) وأكرم بها من المؤمنين الذين لا يشغلهم ...