الرئيسية / القرآن الكريم / مع الطب في القرآن الكريم – الدكتور محمد علي البار 18

مع الطب في القرآن الكريم – الدكتور محمد علي البار 18

عن تخلق الانسان ونشأته والتي كان أولها نظرية التخلق السبقي. والتي تقول بأن الانسان يكون بكامل أعضائه في النطفة التي يضعها الرجل في المرأة. ومهمة المرأة هي فقط حضن هذه النطفة لتكبر وتنمو بالحجم فقط، بهذا المقارنة نلمس الاعجاز الطبي الكبير الذي تقدم به القرآن للبشر.
وفي بحثنا هذا سنتعرض للمشاهد التي أشار إليها القرآن حول رحلة الانسان الطويلة، من التراب إلى التراب، بكل ما تحويه هذه الرحلة من الروعة والجمال، وبما تنطوي عليه من الاسرار والحكم، وبما تحويه أيضا من الترتيب والتعقيد، وبما تشير إليه من سنن الكون التي لا تتبدل، ولن تجد لسنة الله تبديلا، ولن تجد لسنة الله تحويلا.
أوليات الخلق: (ومن آياته، أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون) [الروم: 20]، وقال: وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله.
نسبا وصهرا) [الفرقان: 54] ففي الآية الأولى إشارة إلى خلق الانسان من التراب، وفي الثانية من الماء، ثم نجد في آية ثالثة: (ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين) [المؤمنون: 12] وما الطين سوى مزيج من التراب والماء، وهكذا ففي الآيات السابقة إشارة إلى أن أصل الانسان ومعدنه الأساسي هو من طينة هذه الأرض ومن معدنها، وبشكل أدق: خلاصة من هذه الأرض (سلالة من طين)..
فماذا يقول لنا المخبر عن ذلك؟
– يقول التحليل المخبري: إنه لو أرجعنا الانسان إلى عناصره الأولية، لوجدناه أشبه بمنجم صغير، يشترك في تركيبه حوالي (22) عنصرا، تتوزع بشكل رئيسي على:
– أكسجين (O) وهيدروجين (H) على شكل ماء بنسبه 65 – 70 % من وزن الجسم.
2 – كربون (C)، وهيدروجين (H) وأوكسجين (O) وتشكل أساس المركبات العضوية من سكريات ودسم، وبروتينات، وفيتامينات، وهرمونات أو خمائر.
3 – مواد جافة يمكن تقسيمها إلى:
آ – سبع مواد هي: الكلور (cl)، والكبريت (S) والفوسفور (P)،
(٧٢)
والمغنزيوم (MG)، والكلس (Ca)، والبوتاسيوم (K)، والصوديوم (Na)، وهي تشكل 60 – 80 % من المواد الجافة.
ب – سبع مواد أخرى بنسبة أقل هي: الحديد (Fe)، والنحاس (Cu)، واليود (I) والمنغنيز (Mn)، والكوبالت (Co)، والتوتياء (Zn)، والمدلبيديوم (Mo) ح‍ ستة عناصر بشكل زهيد هي: الفلور (F)، والألمنيوم (Al)، والبور (B) والسيلينيوم (Se)، والكادميوم (Cd)، والكروم (Cr).
وما نلاحظه من هذا الاستعراض الموجز لأوليات الكائن أنها:
أولا: تتركب أساسا من الماء، وبنسبة عالية، حتى إن الانسان لا يستطيع أن يستمر حيا أكثر من أربعة أيام بدون ماء، رغم ما يمتلكه من إمكانيات التأقلم مع الجفاف، وينطبق ذلك على جميع الكائنات الحية فتبارك الله إذ يقول (وجعلنا من الماء كل شئ حي أفلا يؤمنون) [الأنبياء: 30].
ثانيا: كل هذه العناصر موجودة في تراب الأرض، ولا يشترط أن تكون كل مكونات التراب داخلة في تركيب جسم الانسان، فهناك أكثر من مئة عنصر في الأرض بينما لم يكتشف سوى (22) عنصرا في تركيب جسم الانسان، وقد أشار لذلك القرآن حيث قال: (من سلالة من طين) وفي ذلك إعجاز علمي بليغ.
مصانع الأعراس: قال تعالى: (وإذ أخذ ربك من بني ادم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا) [الأعراف: 172]. منذ أن يكون الانسان مضغة في بطن أمه. ينشأ ارتفاعان صغيران من الحبل الظهري Notocord (الذي سيشكل فيما بعد العمود الفقري) يسميان الشامختين التناسليتين genital tilge، ومن هاتين الشامختين يبدأ التمايز الجنسي للجنين. فإذا كان مقدرا له أن يكون ذكرا، تبدأ هاتين الشامختين في الأسبوع السادس من عمر المضغة بتشكيل نسيج مشابه لنسيج الخصيتين يفرز الهرمونات الذكرية Androgen التي تحث على تشكل الجهاز التناسلي الذكري
(٧٣)
أثناء الحياة الجنينية وتقوم الخصيتين عند البلوغ بإنتاج النطاف أو ما يسمى بالأعراس الذكرية، ويستمر إنتاج النطاف إلى سن متقدمة.
أما إذا كان مقدرا للجنين أن يكون أنثى، فإن هاتين الشامختين تتمايزان لتشكلان نسيجا يشبه نسيج المبيض، وذلك في الأسبوع العاشر، ويتطور الجهاز التناسلي الأنثوي بسبب غياب الهرمونات الذكرية، وليس بسبب وجود الهرمونات الأنثوية، وهكذا يتشكل المبيضين، هذان المبيضان هما مصانع الأعراس الأنثوية ” البويضات Ovum ” حيث يحويان منذ نشأتهما حوالي (000، 400 – 000، 500) جريب ابتدائي (1) يبقى منها حوالي (000، 35 – 000، 40) جريب، ولكن ما ينضج منها خلال فترة الاخصاب عند المرأة هو حوالي 450 – 500 فقط، بحيث يقدم كل مبيض، بيضة أو (عروسا أنثوية) كل شهرين وذلك بالتبادل مع المبيض الآخر، وهكذا يكون هناك كل شهر عروس جاهزة للالقاح.
وتظل المرأة بذلك أرضا مخصبة للزرع والعطاء لمدة خمس وثلاثين سنة تقريبا.. وهكذا فكل شئ محسوب ومقدر: (إنا كل شئ خلقناه بقدر) [القمر: 49]. وهكذا تقوم كل من الخصيتين والمبيضين اللذين نشئا أصلا من ظهر الانسان بتقديم الأعراس التي تلتقي في عرس الحياة لتعطي نسل الانسان، وبذلك نفهم كيف تؤخذ ذرية الانسان من صلبه، وندرك الاعجاز الكبير الذي جاء به القرآن منذ أربعة عشر قرنا.
من أسرار الهجرة: قلنا إن الخصيتين تكونان على جانبي العمود الفقري في الحياة الجنينية، وعندما يولد الطفل تكونان في كيس الصفن، فمن دفعهما لهذه الهجرة الشاقة التي تستمر حوالي ستة أشهر، تجتازان خلالها جوف البطن بكامله.؟ ولماذا هذه الهجرة؟… إنها أسرار الهجرة التي هي بعض أسرار الحياة التي ما إن يكتشفها الانسان حتى يعلم فضل الله عليه.

(1) الجريب الابتدائي: Primitve folicule هو المرحلة الأولى من مراحل تشكل الجريب الناضج الذي ينفجر ليعطي البيضة الجاهزة للالقاح، بعد أن يمر بمرحلة الجريب الأولي، ثم الثانوي ثم الناضج أو جريب دوغراف.
(٧٤)

شاهد أيضاً

أطائب الكلم في بيان صلة الرحم – الشيخ حسن الكركي

الله كان عليكم رقيبا) (١). قال: فقال هي أرحام الناس، ان الله عز وجل أمر ...